وزارة التربية: تتحدى الإرهاب مرة أخرى / د.خيام الزعبي

 

د.خيام الزعبي* ( سورية ) الجمعة 8/5/2015 م …

* مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق

عانى الشعب السوري من ويلات الحرب والإنفجارات ولعلعة الرصاص، صرخ بوجه العالم  ونادى بكل قواه لكن العالم لم يسمع صراخه، فيما الأعداء والحاقدون على بلدنا يستمتعون بقصف مدن وقرى سورية ويبدعون في قتل شعبها وتدمير بنيتها التحتية، لم يرحموا لا بشر ولا حجر والسبب ببساطة أن علماءهم المأجورون هم من دعوا للجهاد ضدنا، فرغم تجاوز معاناة هذا الشعب لكل قيم وأخلاقيات وأعراف الحروب والأوضاع الأمنية المتوترة إلا أنه ما زال صامداً رافضاً الإستسلام، والدليل يتوجه في 17 الجاري آلاف الطلاب والطالبات السوريين إلى مراكزهم لإجراء إمتحانات شهادة التعليم الأساسي وكلهم عزيمة على مواصلة الدرب ونيل فرص النجاح ليكونوا النواة الصحيحة والمرتكز الصائب لبناء هذا البلد الذي أحاطته حزمة من الأزمات المصنوعة بالخارج والوافدة إلينا من خارج الحدود، أخبار المحافظات الأخرى تؤكد إنّ الإمتحانات في وقتها، كذلك الأمر في العاصمة دمشق، فهي تستعد لفتح أبواب مراكزها للطلاب رغم أجواء الحرب، وتنهمك دائرة الإمتحانات في وزارة التربية حالياً بوضع اللمسات الأخيرة على التحضيرات اللوجيستية، نافية أي نية في التأجيل أو الإلغاء حتى في المناطق الساخنة أمنياً، كما تستكمل الوزارة والدوائر التابعة لها في المحافظات، جهوزيتها وإستعدادها لإتمام هذا الإستحقاق التربوي الوطني في موعده.

عاشت المدارس والمؤسسات التربوية عاماً دراسياً إستثنائياً، بعدما نالت نصيبها من التضرر والتدمير جراء حرب أجهزت على مقومات الحياة، فقد إستهدفت  المدارس في بعض المناطق بالعمق، ووصلت الأضرار في بعض المؤسسات إلى حد التدمير الكلي، وإذا كانت مدارس دمشق  قد سلمت من العدوان فهي لم تنجُ من الأضرار، بعدما لجأ إليها النازحون من المناطق المستهدفة، وإنطلاقاً من ذلك تجنّدت وزارة التربية، بالتعاون مع بعض المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني المحلية، لإعادة بناء ما تهدّم من المدارس وترميم ما تضرر منها، كما أجرت الوزارة مسحاً ميدانياً للأضرار التي لحقت بالمدارس في مختلف المناطق المتضررة وكشفت إن عددها  قد تجاوز أكثر من 5156 مدرسة، موزعة على أغلب المحافظات السورية،  إضافة الى إستخدام أكثر من 608 مدرسة إيواء للأسر المهجرة، وقد تكيف المعلمون الأبطال في هذه المناطق لمواصلة تعليم الأطفال رغم التهديدات والمخاطرالكبيرة، ومن جهة ثانية تعاونت الوزارة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” لإعادة التأهيل النفسي والإجتماعي للطلاب الذين تعرضوا لمخاطر الحرب، إما عبر التشريد أو مشاهدة الدمار أو حتى من خلال التعرض لإصابات مباشرة، فنُظمت للغاية دورات تأهيل ودعم نفسي وإجتماعي.

وبقدر تعلق الأمر بالتربية فأن الإمتحانات فترة حصاد، بإعتبار أن الزرع يبدأ منذ بداية العام الدراسي ويستمر العطاء خلال الأشهر الدراسية وعليه فإن الإمتحانات هي لمعرفة مدى قدرة الطالب على إستقبال ما يبثه المربي وفق معايير إختبارية خاصة ليحصل الطالب على نجاح بمعيارية علمية عالية، فهذا العام الدراسي شهد ظرفاً إستثنائياً ليترك وراءه جملة من الأمور التي هي بالتأكيد تؤثر على الطالب أولاً وأخيراً، والواقع الراهن أثر أيضاً على الطالب كما أثر على مدارس كاملة تم غلقها حرصاً على سلامة الكوادر التعليمية والتدريسية والطلبة لوقوعها في وسط المواجهات، لذلك إقترحت وزارة التربية موضوع التسهيلات لنقل الطلاب إلى مراكز إمتحان قريبة من بيوتهم، وحرصت عبر قتاة “التربوية السورية” على إرشاد طلاب التعليم الأساسي والبكالوريا إلى مناهجهم بأساليب مبسطة، ودروس دورية عبر الشاشة، ومحاولات في دفع الطلاب ليتقدموا للإمتحانات دون خوف أو قلق.

لم نشهد وقتاً أخطر من الوقت الحالي للحصول على التعليم في سورية، فحصول الأطفال على التعليم في جميع الظروف ليس فقط من حقهم وإنما يمكنه أن يحميهم في أوقات النزاع، فذهاب الأطفال إلى المدرسة يكونون أقل عرضة لمخاطر مثل الإنخراط في المجموعات المسلحة، كما تساهم المدرسة في تحسين حالة الطفل حيث توفر شعوراً بالأمن والإستقرار في حياته وتعلمه كيفية التكيف مع ظروفه، وفي هذه الحالة تقع سلامة الأطفال في صلب مسؤولية وزارة التربية في التعليم، فالوزارة تعمل مع السكان المحليين لتكون مهيئة للتعامل مع آثار النزاع على تعليم الأطفال وفي المقابل يشعر الأطفال بالطمأنينة لإدراكهم أن هناك من يعمل على تأمين سلامتهم وتعليمهم.

في سياق متصل يمكن القول إن الأهمية والقدرة على متابعة الدراسة وإجراء الإمتحانات في موعدها تأتي من الرسالة التي وجهها وزير التربية الى طلابنا، التي دعا من خلالها ان يكون هذا العام عاماً للتحدي والتفوق وبذل الجهود من أجل النهوض بالواقع التربوي والتعليمي، لأن الأمم تبنى وتتطوّر من خلال تطوير الواقع التربوي والتعليمي فيها، فالموارد البشرية المتسلحة بالثقافة تشكل أكبر رافد في تطور وتقدم البلد ووصوله الى مصاف الدول المتقدمة، مؤكداً أن الوزارة بكوادرها المختلفة ستسعى جاهدة في توفير كل ما يسهم بإنجاح إمتحانات هذا العام وجعله عاماً للتفوق والتحدي في ظل الظروف التي يشهدها البلد، وناشد،الأسرة التعليمية  والتدريسية بأن تبذل كل ما في وسعها من أجل بناء جيل واع متسلح بسلاح العلم والمعرفة لأنه  الآداة الرئيسية التي سينهك العدو الذي يتربص بوطننا الغالي.

في إطار ذلك يمكنني القول إن وزارة التربية إستطاعت أن تكون بقدر التحدي الذي تواجهه سورية من قبل عصابات داعش وتوابعها، وتقرع جرس النهاية بإنطلاق طلبتنا الى مراكز أمتحاناتهم  للعام الدراسي 2014 – 2015، وبهذا العرس المدرسي تكون وزارة التربية قد ألغت جميع الشائعات التي تناولتها بعض وسائل الإعلام المغرضة، والأخبار التي كانت تتناولها بعض وسائل شبكات التواصل الإجتماعي، التي كانت تشكك بقدرة الوزارة على إجراء الإمتحانات في ظل جميع هذه الظروف الإستثنائية، خاصة وان العديد من المدارس اصبحت عبارة عن مراكز لإيواء الأسر النازحة التي هجّرها الإرهاب والعنف من المحافظات المختلفة.

مجملاً…إن ذهاب الطلبة للإمتحانات هو بمثابة رسالة للعالم أجمع بأن السوريين هم صنّاع الحياة على مر التاريخ، ولا تستطيع أي قوة في العالم أن توقفهم عن ممارسة حياتهم الطبيعية وبناء جيل متمرس وواع وقادر أن يبني مستقبل هذا الوطن، فسورية يجب أن تنهي وتتعافى من الحرب الشرسة التي تخوضها، والتعليم هو العماد الذي سترتكز عليه للإستقرار وإعادة البناء والإعمار، ونتمنى أن تكون نهاية هذا العام الدراسي هي بداية الخلاص من الإرهاب وطرد داعش وأتباعه من جميع المناطق السورية التي تمكنت تلك العصابات من السيطرة عليها، وان تعود جميع الأسر النازحة الى مناطق سكناها،  وبإختصار شديد يمكنني القول إن وزارتنا إستطاعت ان تقطع السبيل على جميع الأعداء الذين كانوا يراهنون على شلّ الحركة التربوية والتعليمية في سورية وعدم قدرتها على إجراء الإمتحانات للعام الدراسي الحالي.

[email protected].

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.