شخصية الشهر ، المناضل الأممي : أرنستو تشي جيفارا
الأربعاء 21/3/2018 م …
الأردن العربي –
“إرنستو تشي جيفارا” أو(Che) على الرغم من الانتشار الواسع لصوره فی العالم إلا أنّ العديد من الأشخاص لا يعرفون عن حياته سوى أنه كان ثائراً ومن أبرز ثوار أمريكا اللاتينية الماركسيين في الستينات، رغم أنّ إرنستو جيفارا كان طبيبا، وكاتبا، ودبلوماسيّا، ومنظرا عسكريّا، ومن أهم قادة حروب العصابات في العالم، وأحد الشخصيات الرئيسيّة في الثورة الكوبيّة، والذي كان عِرقه باسكي، إيرلندي، ومذهبه ماوي، تروتسكي، وتياره شيوعي، وحاصل على مواطنة من كوبا، والأرجنتين.
ففي ما يلي يسلط “موقع بانوراما الشرق الأوسط” الضوء في هذا الشهر وفي خطوة غيرمسبوقة على جوانب حياة هذا الإنسان الثوري الذي ترك بصمته على تاريخ أمريكا اللاتينية وبل العالم حيث أصبح رمزا للحرية بين الشعوب وشخصية بارزة ومناهضة للأمبرياالية كما صنفته مجلة التايم من ضمن المائة شخص الأكثر تأثيرا في القرن العشرين.
جيفارا: لست مهزوما ما دمت تقاوم.
- النشأة
ولد “إرنستو تشي جيفارا” في يوم 14 يونيو من عام 1928 من أم اسمها “سيليا دي لا سيرنا” وأب اسمه “إرنستو جيفارا لينش” في الرابع عشر من يونيو من عام 1928م في بلدة روزاريو التجارية الغنيّة في الأرجنتين، حيث كان الأخ الأكبر بين خمسة أطفال في عائلة تُصنّف على أنها من أصول إيرلندية وإسبانية باسكية، وتلقّى تعليمه الأساسي في البيت على يد والدته، وعُرف عنه تفوقه في كلٍ من الأدب والرياضيات.
ولقد عانى منذ طفولته من مرض الربو الذي كان يحدّ من قدراته في اللعب، والسباحة، وصيد الأسماك، كان حادّ الذكاء مميزاً عن أقرانه في المدرسة التي بدأ الدراسة فيها في سنّ التاسعة بسبب مرضه بالربو، لم يكن يرضيه العمل المدرسي وسرعان ما أنتقل ليصبح زعيم عصابة شوارع مع أصدقائه الصغار محققاً بذلك طموحه الداخلي في أن يكون قائداً ومميزاً.
وخلال نموه طافت عائلة جيفارا في أنحاء البلاد ليجد والده العمل، فعمل في المزارع، وبناء السفن، وامتلاك الأراضي، مبقياً آرنستو وأخويه، وأختيه، على حافة كارثة ماليّة، وأمّه سيليا كانت المرأة القويّة التي تحمي ابنها المفضل آرنستو، حيث أمدّته بتوق عارم إلى المعرفة ظل يرافقه طوال حياته.
عاش جيفارا فترة مأساة لاجئي الحرب الإسبانية الأهلية وكذلك العديد من الأزمات السياسية في الأرجنتين، وذلك في عهد الديكتاتور الفاشي “لجوان بيرون”، مما غرس في ذهنه كرهاً للظلم والاستعباد، درس جيفارا الطب في جامعة بوينيس آيريس، ثم تخرج منها في عام 1953م، ولم تسنح له الفرصة للتجنيد العسكري؛ والسبب في ذلك يعود إلى إصابته بالربو.
- تبني جيفارا للفكر الماركسي
استطاع أثناء دراسته الجامعية للتفرّغ لمدة عام للقيام برحلة مع صديقه ” ألبيرتو غرانادو” لعبور أمريكا الجنوبية على دراجتين نارييتين من أجل التطوع لمساعدة مرضى الجذام في مستعمرة مقامة لهم في دولة بيرو.
وساهمت هذه الرحلة في صقل شخصيته، وزيادة إحساسه بوحدة أمريكا الجنوبية، وشعوره بالظلم الكبير الواقع عليها من الدول الإمبريالية، حيث رأى جيفارا أنّ الحل في إنهاء جميع الصراعات الإنسانية من خلال الثورة العالمية، وكانت كوبا تحت سلطة “فورجنسيا باتيسيا” المضطهدة، كان الاستياء والمعارضة ينموان ضدّ النظام حيث وقع هجوم على ثكنات الجيش من قبل قائد المعارضة “فيدال كاسترو” الذي تمّ سجنه من ثم نفيه إلى المكسيك، والذي كان يخطط لإسقاط باتيستا.
فسافر جيفارا إلى المكسيك في عام 1953 حيث كانت تعد المكسيك البلد الأمريكي الأكثر ديموقراطية آنذاك، كما أنها كانت تعد ملجأً للثوار الأمريكيين اللاتين، وتعرّف هناك على “هيلدا جادي” التي أصبحت فيما بعد زوجته الأولى، وكانت تمتلك مخزوناً ماركسياً جيداً، الأمر الذي عزّز من تعليمه السياسي، وفقدمته إلى “نيكو لوبيزا” الذي كان أحد ملازمين “فيديل كاسترو”، وحينها عرف جيفارا أنه عثر على شخصية القائد الذي كان يبحث عنها.
جيفارا: أنا لست محرراً، المحررين لا وجود لهم، فالشعوب وحدها هي من تحرر نفسها.
- أيام الثورة
بعدما التقى فيدال كاسترو مع جيفارا الذي كان يخطط لتحرير كوبا من حكم الدكتاتور “باتيستا”، انضمّ إليه جيفارا خلال ساعات فقط من لقائهما، فاتفقا معاً، وكانا أشبه بروحين متشابهيتين في التفكير، والحماسة الثورية، فتوطدت العلاقة بينهما وانطلقا ومعهما ثمانون ثائراً على متن سفينة متجهين إلى شواطئ كوبا في الثاني من ديسمبر عام 1965 للهجوم على جيش باتيستا، لكن اكتشفت القوات التابعة لباتيستا أمرهم، وهاجمتهم، فلم تترك منهم إلا عشرين ثائراً صعدوا على جبال الـ”سيرامايسترا”، وأصيب تشي في الإجتياح في عنقه، وبالرغم من أنه طبيب الثوار إلا أنّه أصر أن يكون مقاتلاً، عالج نفسه وانطلق مع الثوار متوغلاً في غابات كوبا مواجهين صعوبات في نقل السلاح والعتاد اللازم للقتال، ومع المناوشات مع الحكومة الكوبية الظالمة فلقد تقلّص عدد المقاتلين الثوار لسبعة رجل فقط مع فيدال كاسترو وتشي جيفارا.
وفي ذلك الوقت عُرف جيفارا بالـ”تشي” أو الصديق وهو لقب أطلقه عليه الكوبيون، كما بعدها تمّت ترقية تشي في جيش الثورة الى أعلى مرتبة عسكرية فنال النجمة الشهيرة على قبعته، واصطفّ حوله الكوبيون متّخذين منه قائداً مخلصاً على الرغم من أنّه غريب عن كوبا، حيث جاء حاملاً مبدأ العدالة الإنسانية، واستمر تشي في التوغل ومهاجمة الجيش الكوبي في مواقعه رغم قلّة الإمكانيات العسكرية، فاز تشي جيفارا بالحرب بعد سنتين من الثورة، وعيّن فيدال كاسترو قائداً للشعب الكوبي عام 1959 وقد تسلّم جيفارا أوّل منصب كقائد لقلعة “لا كابانيا” حيث القيادة الفعلية للجيش.
تقلّد كذلك جيفارا منصب وزير الثورة، وزار العديد من البلدان، والتقى بعدة قادة سياسيين؛ ومن أهمهم: جمال عبد الناصر، ونهرو، وتيتو، وسوكارلو، وفيما بعد شغل منصب وزير الصناعة، وكذلك وزير ورئيس المصرف المركزي، وكان بمثابة الرجل الثاني في الدولة بعد فيديل كاستروا، وكان يؤمن بضرورة إعادة هيكلية النظام الاقتصادي لكوبا، وكذلك فتح المصانع المختلفة؛ بهدف سد احتياجات كوبا، وعدم لجوئها وخضوعها للدول الإمبريالية.
جيفارا: لن يكون لدينا ما نحيا من أجله.. إن لم نكن على استعداد أن نموت من أجله.
- غزو خليج الخنازير
دربت الولايات المتحدة في 17 نيسان 1961، ألفا وأربعمائة من المنفيين الكوبيين لغزو الجزيرة في حادثة غزو خليج الخنازير. لم يلعب جيفارا بنفسه دورا أساسيا في القتال لأن قبل يوم من الغزو قامت سفينة حربية تنقل قوات مشاة البحرية مزورة بالغزو قبالة الساحل الغربي لـ”بينار دل ريو”، وتم توجيه القوات بقيادة جيفارا إلى تلك المنطقة. ومع ذلك يعطي المؤرخون جيفارا الفضل حيث كان مديرا تنفيذيا للقوات المسلحة الكوبية في ذلك الوقت ومن حقه حصة من هذا النصر.
شرح الكاتب “تاد شولك” الفوز الكوبي الذي يسند بعض الفضل لجيفارا قائلا: إن الثوريين فازوا لأن تشي جيفارا بصفته رئيسا لإدارة القوات المسلحة الثورية والمسؤول عن برنامج تدريب الميليشيات قام بإعداد جيد جدا لـ200.000 من الرجال والنساء للحرب. كما أصيب جيفارا خلال هذا الانتشار من مرور رصاصة بخده من مسدسه عندما سقط من الحافظة وانطلقت الطلقة بطريق الخطأ.
في أغسطس 1961 على هامش المؤتمر الاقتصادي لمنظمة الدول الأمريكية في “بونتا دل استي” في “أوروغواي”، أرسل جيفارا مذكرة امتنان للرئيس الأميركي “جون كينيدي” عن طريق “ريتشارد غودوين” – وهو سكيرتير شاب في البيت الأبيض – نصها كما يلي: شكرا لما حدث في خليج الخنازير. قبيل هذا الغزو كان الثوار غير واثقين من أنفسهم والآن هم أقوى من أي وقت مضى.
جيفارا: الثوار يملئون العالم ضجيجاً كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء.
- أزمة الصواريخ الكوبية
كان جيفارا مهندسا عمليا للعلاقات الكوبية السوفيتية، كما لعب دورا رئيسيا في جلب الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية إلى كوبا من الاتحاد السوفيتي والتي أدت إلى أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر 1962 وجعلت العالم على شفى حرب نووية. وخلال مقابلة مع الصحيفة الشيوعية البريطانية العمال اليومية بعد أسابيع قليلة من الأزمة كان جيفارا لا يزال غاضبا بسبب الخيانة المتصورة من السوفييت وذكر أنه إذا كانت الصواريخ تحت السيطرة الكوبية لكانوا قد أطلقوها على الفور.
وأشار المراسل البريطاني “سام راسل” الذي تحدث إلى جيفارا في ذلك الوقت، إلى مشاعر جيفارا المختلطة واصفا إياه بأنه شخصية دافئة وأنه رجل استخبارات كبير لكن الصواريخ بالنسبة له هي كالمفرقعات. وأقنعت أزمة الصواريخ جيفارا بأن اثنين من القوى العظمى في العالم – الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي – تستخدم كوبا بمثابة رهان في إستراتيجياتها العالمية، حيث بعد ذلك أصبح يندد بالسوفيات تقريبا مع كل شجب للأمريكيين.
جيفارا: إن الطريق مظلم وحالك، فإذا لم تحترق أنت وأنا فمن سينير الطريق.
- حياته الفكريّة واهتماماته الأدبيّة
كان في بداية حياته شغوفاً بتعلّم الرياضات الذهنيّة وخاصةً الشطرنج التي تعلمها من والده، وبفضل ذلك شارك في العديد من البطولات المحليّة وهو في سن الثانية عشرة من عُمره، وأثناء مرافقته كان متحمساً لتعلم الشعر وخصوصاً شعر “بابلو نيرودا”، و”جون كيتس”، و”أنطونيو ماتشادو”، و”فيديريكو غارسيا لوركا”، و”غابرييلا ميسترال”، و”سيزار فاييخو”، و”والت ويتمان”، و”روديارد كيبلينغ”، و”خوسيه هيرنانديز مارتن فييرو”، و”كارل ماركس”، و”وليم فوكنر”، و”أندريه جيد”، و”اميليو سالجار”، و”جول فيرن”.
كان أبوا جيفارا من محبي الثقافة وكان منزله يحتوي على أكثر من ثلاثة آلاف كتابٍ، مما جعله مهتماً بقراءة الشعر والأدب، كما قرأ العديد من الأعمال الفكرية والفلسفية التي كانت متاحة أمامه، وانتقى كتابات أفضل المفكرين على مر العصور واستطاع في فترة مراهقته أن يضع أفكاراً مسجلة حول قراءاته المتنوّعة حلل فيها أفكار فرويد وماركس والعديد من كتاب أمريكا اللاتينية، وفي شهر شباط من عام 1958 تمّ نشر السيرة الذاتية والتقرير الشخصي السريين من قبل وكالة المخابرات المركزيّة الأمريكية؛ حيث أشارت فيها إلى أنّ تشي جيفارا يتمتّع بثقافة وخلفية متنوّعة من الاهتمامات على الرغم من أنّه لاتيني الأصل.
كان مهتمّاً بالكتب اللاتينيّة لـ”هوراسيو كيروغا”، و”سيرو أليجريا”، و”خورخي إكاسا”، و”روبين داريو”، و”ميغيل استورياس” وكان مهتمّاً بأفكار هؤلاء المؤلفين، واهتمّ بالفلسفة للناقدين الفكريين والتي شملت دراسات تحليلية لـ”بوذا” و”أرسطو”، وأثرت به أفكار “سيغموند فرويد”، وكان مهتمّاً في مدرسته بالفلسفة، والرياضيات، والهندسة، والعلوم السياسية، وعلم الاجتماع، والتاريخ، وعلم الآثار.
مؤلّفاته
تمكّن من كتابة العديد من المؤلفات مثل: تأملات في عالم اليوم، ورحلة عبر أمريكا اللاتينية، وكوبا، والطريق إلى الاشتراكية، وكتابات جذرية على حرب العصابات والسياسة والثورة، وكتابات حول السياسة والثورة، وخطب وكتابات مختارة، ويوميات ارنستو تشي جيفارا، وملاحظات نقدية حول الاقتصاد السياسي، وحلقة من الحرب الثورية الكوبية، والصحوة من القارة، و تتمة ليوميات دراجة نارية، والاشتراكية والإنسان في كوبا، ويوميات بوليفيا.
جيفارا: إنّني أحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني
- نهاية جيفارا
على الرغم من أن جيفارا تولّى العديد من المناصب في الدولة الكوبية، إلا أنّه لم يتكيف مع ذلك الوضع واتجه إلى العمل الثوري في بلدان أخرى فسافر إلى الكونغو في عام 1965 لمساعدة الثوار هناك وبهدف تكرار التجربة الكوبية الناجحة، ومنها إلى بوليفيا حيث تم اعتقاله بمساعدة المخابرات المركزية الأمريكية.
وكان “فيليكس رودزيغيز” هو أحد المنفيين الكوبيين، الذي تحول إلى مخبر سري لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وقام بمد يد العون للسلطات البوليفية في مطاردة واعتقال جيفارا بالإخبار عن موقعه، على إثر هذه المعلومات قامت القوات البوليفية في 8 من أكتوبر عام 1967 بمطاردة جيفارا مع ستة عشر رفيقاً من رفاقه لمدة تصل إلى ست ساعات متواصلة، حيث صمدوا أمام القوات الجيش البوليفي والذي وصل عدد أفراده إلى حوالي 1500، مما دل على شجاعتهم وبسالتهم أمام العدو، وقد ماتوا جميعاً ما عدا جيفارا الذي اقتيد حياً وقد تجلّت شجاعته في لحظات حياته الأخيرة حتى، بعد وقوعه في الأسر، إذ أنه لم يستسلم إلا بعد أن جُرح في قدمه، وأصاب العطب مسدسه فتعطل عن العمل، واشتدت نوبات الربو التي أخفق في النجاة منها بسبب افتقاره للدواء .
فنقلوا جيفارا إلى مبنى مدرسة متهالكة في قريةٍ قريبة من المكان، رفض خلال اعتقاله أن يتمّ استجوابه من قبل ضباط بوليفيين، وعلى الرّغم من وضعه الذي وصف بأنّه كان مروعاً في تلك الأثناء إثر إصابته إلا أنه قام برفع رأسه وطلب سيجارةً، وعندما حاول أحد الجنود نزع غليونه من فمه للاحتفاظ به كذكرى، قام جيفارا بركله ركلةً قوية على الرغم من أنه كان مُقيّد اليدين ومصاباً في قدميه، وقام أيضاً بالبصق في وجه الأميرال البوليفي أوجاتاشي قبل إعدامه بوقتٍ قصير.
طلب رؤية مُدرّسته قبل إعدامه، وهي جوليانا كوليز التي وصفت نظرته بالهادئة الساخرة؛ بحيث لم تتمكن من النظر إلى عينيه أثناء محادثته وعلّلت هذا الأمر بأنه يملك نظرات خارقة؛ حين كان يشكو من وضع المدرسة المزرِ وخلال المحادثة القصيرة شكا جيفارا لكورتيز عن الحالة السيئة للمدرسة مشيرا إلى أنها مضادة للتربية وهو من غير المتوقع أن طلاب الكامبيسينو يتعلمون هنا في حين ان “المسؤولين الحكوميين يحصلون على سيارات مرسيدس”، قائلا: “ان هذا هو ما نحاربه”.
وفي صباح يوم 9 أكتوبر أمر الرئيس البوليفي “رينيه باريينتوس” بقتل جيفارا، وكان الجلاد يدعى “ماريو تيران” رقيب نصف مخمور في الجيش البوليفي الذي كان قد طلب إطلاق النار على تشي استنادا إلى حقيقة أن ثلاثة من أصدقائه يدعون “ماريو” من الفرقة (ب)، قد قتلوا في وقت سابق من قبل عصابة جيفارا المسلحة خلال الاشتباكات. لجعل الأعيرة النارية متسقة مع القصة التي كانت الحكومة تخطط بنشرها للجمهور أمر “فيليكس رودريغيز” بإطلاق النار بعشوائية حتى يبدو أن جيفارا قد قتل في خلال اشتباك مع الجيش البوليفي.
وقبل تنفيذ حكم الإعدام سئل إن كان يُفكّر في خلود ما بعد الموت؟ فأجاب بأنّه لا يفكر إلا بخلود الثورة وحسب، ثمّ تابع قائلاً: “أنا أعلم أنك جئت لقتلي، أطلق النار يا جبان إنك لن تقتل في النهاية سوى رجل”. تردد تيران الذي طلب منه تنفيذ حكم الإعدام في إطلاق النار، ثمّ قام بإطلاق النار على قدمي جيفارا وذراعيه، وتابع إطلاق النار عليه حتى أصابته رصاصةًّ قاتلة في صدره، حيث وضعت تلك الرصاصة حداً لحياة ثائر بطل، وكان بداية ميلاد ثائر أسطوري تاريخي لا يموت.
في أواخر عام 1995 كشف الجنرال البوليفي المتقاعد “ماريو فارغاس لجون لي اندرسون” مؤلف كتاب “تشي جيفارا: حياة الثوري” أن جثمان جيفارا يقع بالقرب من مهبط الطائرات في “فالليغراندي”. وكانت النتيجة لهذا الكلام بحث دولي عن رفات، والذي استمر أكثر من عام، في يوليو 1997 قام فريق من الجيولوجيين الكوبيين والأرجنتينيين والطب الشرعي باكتشاف بقايا سبع جثث في مقبرتين جماعيتين، بما في ذلك رجل واحد مبتور اليدين مثل جيفارا. فالحكومة البوليفية مع مسؤولي بوزارة الداخلية قاموا لاحقا بالتعرف على جثة جيفارا عبر الأسنان حيث كانت مطابقة تماما لقالب من الجص لأسنان تشي تم عملها في كوبا قبل رحلته الكونغولية، النقطة الفاصلة كانت عندما وجد الأرجنتيني “اليخاندرو انشاوريجوى” الانثروبولوجيا الشرعي في الجيوب الداخلية لسترة زرقاء وجدت بجوار الجثة مقطوعة الأيادي على حقيبة صغيرة من تبغ الغليون، كان “نينو دي غوزمان” قائد طائرة الهليكوبتر البوليفي قد اعطى تشي حقيبة صغيرة من التبغ. وأشار في وقت لاحق إلى أنه كانت “لديه شكوك جدية” في البداية و”ظن أن الكوبيين سيقومون بالعثور على أي عظام قديمة ويطلقوا عليها اسم تشي ولكنه ذكر بعد أن سمعت عن حقيبة التبغ لا يساورني أدنى شك في انه هو.
و تم دفن بقايا جيفارا مع ستة من رفاقه المقاتلين مع مرتبة الشرف العسكرية في الضريح الذي تم بناؤه خصيصا في مدينة “سانتا كلارا” في 17 تشرين الأول 1997حيث كان قائدا للإنتصار العسكري الحاسم في الثورة الكوبية.
جيفارا: لا يهمني أين ومتى سأموت بقدر ما يهمّني أن يبقى الوطن.
لقد جسّد جيفارا معاني المقاومة، فكان القدوة في حياته واستشهاده. وفي كل لحظة واجه فيها الموت أو مشقات النضال، كان جيفارا ينهض بعزيمة أقوى، فالمقاومة لاتوفر ضمانة للإنتصار بل يبقى هناك دوما احتمال الفشل أو الهزيمة. ولأن المقاومة عنده تعني خيار الحياة وهويتها وجوهر الوجود وقيمته العليا، نراه يستلهم قوته من وعيه ومن ارادته ومن الطاقة الكامنة في داخله.
لقد عاش جيفارا مقاوما بسلاحه وفكره بالرغم من الأخطاء والإخفاقات، وحتى لحظة الموت ظل يعيش حلمه من أجل عالم آخر. من هنا نفهم استهزاءه واحتقاره للموت لحظة اطلاق الرصاص عليه عندما يصرخ على الضابط البوليفي:”لاتقتل سوى رجل”. فالمقاومة لاتموت بموت الشهداء لأن موت الشهيد هو انتصاره الأزلي وهو بداية عهده، أما الفكرة فلاتموت على الإطلاق.
هكذا رأى جيفارا الدنيا وأوضاع الإنسانية آنذاك،حيث كانت المقاومة هي الخيار الوحيد بل الفرصة الوحيدة أمام شعوب العالم الثالث آنذاك، فهل اختلف الأمر اليوم؟
التعليقات مغلقة.