الذكرى أل 50 لمعركة الكرامة مناسبة كفاحية لاستنهاض الهمم واستخلاص الدروس / عليان العليان
ومن المؤسف أن تتجاهل وسائل الإعلام المحلية الأردنية في هذه الذكرى دور المقاومة الفلسطينية التي تصدت باللحم الحي لآليات العدو في مخيم الكرامة ، ومن المؤسف أن يتجاهل بعض الإقليميين دور الجيش الأردني في تحقيق الانتصار على الغزوة الصهيونية.
جاءت تلك المعركة لتضع حداً لمقولة” الجيش الصهيوني الذي لا يقهر” ولتؤكد زيف هذه المقولة التي طالما رددها العدو في محاولة بائسة ويائسة منه، لزرع اليأس في روح ووجدان الأمة العربية.
ما يهمنا بشكل رئيسي، في هذه المناسبة استخلاص الدروس الضرورية من هذه المعركة، التي أفرزت مجموعة من الدروس التكتيكية والإستراتيجية التي لا بد من تمًثلها في المرحلة الراهنة أبرزها:
أولاً: أن الوحدة الوطنية ووحدة الدم على أرض المعركة هي العامل الحاسم في تحقيق الحشد والتعبئة ضد العدو الصهيوني، وضد بقية أطراف التحالف الإمبريالي، وهي الشرط الضروري لخلق الحاضنة الجماهيرية للفعل المقاوم بشقيه الكلاسيكي والشعبي .
ثانياَ: أنه عندما يتوفر قرار القتال وإرادة المقاومة، وعندما تتوفر الوحدة على أرض المعركة، فإن النصر يكون حليف الأمة رغم الخلل في موازين القوى.
ثالثاً: أن المقاومة هي الأسلوب الرئيسي، لإجبار العدو الصهيوني على الانسحاب من الأراضي المحتلة وتحرير الأرض العربية، وليس استجداء الحلول عبر الإدارة الأمريكية ومشاريعها التصفوية للقضية الفلسطينية ، وهي الخيار الوحيد والمجرب القادر على إلحاق الهزيمة بالعدو الصهيوني، عبر تحقيق سلسلة من الانتصارات التكتيكية التي تصب في تحقيق الأهداف الاستراتيجية وعلى رأسها تحرير فلسطين، ودحر الاحتلال الصهيوني الإمبريالي عن الأراضي العربية المحتلة .
رابعاً: أن خيار المواجهة في الكرامة الخالدة شكل مقدمةً وحافزاً لمجمل الانتصارات اللاحقة في حرب تشرين 1973 وفي معارك ومواجهات الانتفاضتين الأولى والثانية والانتفاضة الراهنة ، وفي هزيمة الاحتلال في جنوب لبنان عامي 2000 و2006 ، وفي إفشال استهدافات العدوان الصهيوني على قطاع غزة في شتاء 2008- 2009 ، وفي عامي 2012 و 2014 .
خامساً: أكدت معركة الكرامة الخالدة بمفاعيلها الممتدة حتى اللحظة الراهنة بؤس الرهان على خيار التسوية، الذي لم يحرر أرضاً ورهن القرار العربي والسيادة الوطنية لواشنطن.
سادساً: أثبتت معركة الكرامة صحة وجدوى حرب الشعب في مواجهة العدو الصهيوني، وإمكانية المزاوجة، بينها وبين الحرب الكلاسيكية.
لقد شكلت معركة الكرامة الخالدة- التي يحتفل بذكراها الشعبان الأردني والفلسطيني والأمة العربية – محطة بارزة للصمود والمقاومة، محطة بارزة من محطات الانتصار، ورداً عاجلاً آنذاك على نكسة عام 1967 ، نقول نكسة وليس هزيمة، لأن الأمة بأسرها لم تسلم في حينه بنتائج الحرب، ورفضت الاستسلام لشروط العدو وبدأت تعد العدة بقيادة خالد الذكر جمال عبد الناصر لجولات جديدة لإنهاء الآثار المأساوية التي نجمت عن تلك الحرب.
كما أعادت معركة الكرامة الخالدة، اعتبار الأمة العربية لنفسها والثقة بقدراتها، حين التحم الجيش العربي الأردني، مع المقاومة الفلسطينية في خندق واحد، وتمكنا بكل كفاءة واقتدار من إفشال الهدفين الرئيسيين، من العدوان الصهيوني، ألا وهما احتلال المزيد من الأراضي الأردنية( الأغوار ومرتفعات السلط)،والقضاء على ظاهرة المقاومة الفلسطينية.
ولا تقل معركة الكرامة في أهميتها، وفي لحظتها التاريخية،آنذاك عن معركة السويس عام 1956 ، فإذا كانت معركة السويس قد أنهت والى الأبد الإمبراطورية، التي لا تغيب عنها الشمس، فإن معركة الكرامة حطمت ولأول مرة، أسطورة التفوق الزائفة للجيش الصهيوني.
عشية معركة الكرامة، صرح وزير الحرب الصهيوني آنذاك موشي ديان أثناء قيادته لقواته في منطقة أريحا قائلاً:” غداً سأكسر المقاومة كما أكسر هذه البيضة، التي في يدي” لكن نتيجة المعركة، كانت على عكس ما تبجح به ديان، حيث انكسرت شوكة قواته، علي أيدي أبطال الجيش العربي الأردني، ورجال المقاومة الفلسطينية الباسلة في ملحمة أسطورية، سيظل يخلدها التاريخ بحروف من نور، حين رجع العدو الصهيوني، يجر أذيال الهزيمة، دون أن يتمكن من سحب العديد من آلياته ودباباته التي جرى إحضارها، إلى ساحة المدرج الروماني في عمان لتكون شاهداً حياً على هزيمة العدو، وعلى انتصار إرادة المقاومة عند أبناء الأمة.
لقد اعترف العدو الصهيوني بهزيمته في تلك المعركة، وفي الذاكرة ما قاله رئيس أركان جيش العدو آنذاك حاييم بارليف” بأن إسرائيل فقدت في هجومها، على الأردن آليات عسكرية، تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب حزيران”، كما وصف قائد مجموعة القتال الإسرائيلية، المقدم أهارون بيليد المعركة بقوله” لقد شاهدت قصفاً شديداً عدة مرات في حياتي، لكنني لم أر شيئاً كهذا من قبل، لقد أصيبت معظم دباباتي في العملية، ما عدا اثنتين فقط”.
في الذكريات المتتالية، لمعركة الكرامة الخالدة تزدحم الذاكرة الوطنية بشهادات أبطال الجيش العربي الأردني، وشهادات رجال المقاومة الفلسطينية، ممن نالوا شرف المشاركة في تلك الملحمة، وبأدق التفاصيل، التي تملأ مجلدات ومجلدات، لا يتسع المجال لذكرها.
وعن الحالة المعنوية للجيش العربي الأردني عندما بدأت المعركة يقول العميد الركن المتقاعد أمين المحيسن، الذي كان في حينها برتبة ملازم في كتيبة الدبابات الثالثة الملكية” أنه لم يجول في تفكير أي منا حسابات غير النصر أو الشهادة، وكان كل التفكير ينحصر في العزم والتصميم، على الثبات والاستشهاد، ويقسم أنه لم ير عسكرياً واحداً التفت الى الخلف، وكل واحد شارك بالكرامة بطل، وقدم للأردن والامة العربية، الشيء الكثير، لأنه إذا أخذنا بعين الاعتبار أن طلقة المدفع حتى تصيب هدفها، يشترك فيها على الأقل عشرون شخصاً فعندما تصيب الهدف، فان صاحب الهدف، ليس هو الوحيد الذي ضغط على الزناد”.
ويروي العميد المتقاعد محمود أبو وندي:” كنا على أهبة الاستعداد وكان كل جندي، يتقدم، وهو يغني ويزغرد، ولا تزال في الذاكرة الكلمات، التي كانوا يرددونها( كيف دايان وجيشه ينزلوا وطنا بالمدافع نشيله، ونجلي الضيم عنا.)
وعن الحالة المعنوية، لرجال المقاومة الفلسطينية، عشية معركة الكرامة، قال المناضل صلاح التعمري:” في ذلك الزمان كان الإيثار هو القاعدة، والأنانية هي الاستثناء، أتذكر انه قبل حدوث معركة الكرامة، بليلة واحدة، كنا نجلس تحت شجرة الموز، وكان أبو صبري موجوداً، جاءنا الشاب الوسيم” روؤف” وهو يرتدي أجمل الملابس، ويبدو حسن الهندام، قال له المرحوم أبو صبري( مالك لابس اللي على الحبل)، وهو تعبير شعبي، يعني أن الشخص يلبس أجمل ما عنده ، بعد ان يلتقطه، من حبل الغسيل، أجابه بقوله:” يجب أن ألبس أحلى اللباس لأستشهد وسيماً، فقد أستشهد غداً” هكذا هو الاستشهاد في نظرنا، في ذلك الزمان، انه ذهاب إلى عرس، وحفلة زواج وفي أسعد لحظات الفرح والسعادة، الانتصار لم يكن يعني بالضرورة هزيمة الآلة العسكرية، ولكن يعني الالتحام والصمود، والقتال، وعدم الانسحاب، الانتصار يعني ان ترى بأم عينك، آلأفاً مؤلفة ستأخذ مكانك حين تسقط شهيداً”.
التعليقات مغلقة.