العار الذي أخفته الغوطة .. من سيرمي نفسه على سيف الساموراي؟ / نارام سرجون
نارام سرجون ( سورية ) الجمعة 23/3/ 2018 م …
ان من يرى تلك المشاهد المذهلة لطريقة خروج المدنيين من الغوطة الشرقية يستحيل ان يصدق مايرى .. المدنيون يهرولون ويندفعون نحو حواجز الجيش السوري وكانهم يخرجون من الجحيم أو من ارض الطاعون الأسود الى أرض الجنة ..
استماتة للوصول الى نقاط الجيش وبكاء وتأثر ودموع وارتماء على أحضان الجنود السوريين كمن يستجيرون بهم من الاهوال التي لاقوها في الغوطة .. وهناك أحيانا فرحة طاغية مختلطة بحالة من عدم التصديق أنهم خرجوا من أرض التيه ..
تستطيع ماكينات التزييف التي زيفت كل ماحدث في سورية منذ سبع سنوات .. تستطيع ان تقول روايات كثيرة عن هؤلاء الناس .. بعضها يقول ان هؤلاء عملاء للنظام .. وبعضهم قال انه استوديو تصوير .. فيما ذهب الاخرون أن المشاهد التي تصور خروج الناس من الغوطة سببها الحصار الذي فرضه النظام على الغوطة حتى افقد الناس معنى الحياة فخرجوا يائسين .. ويستطيع هؤلاء ان يقولوا الكثير لأن اسهل شيء في عالم الانترنت والفضاء ان تكذب وتفبرك وتضع الناس في حيرة .. ولكنك لاتستطيع أن تخدع الناس كثيرا .. فصدق المشاهد وعفوية لغة الجسد وعفوية الدموع والغضب لايمكن تزويرها ولاباي كاميرا .. ويكفي المراقب أن يترك لقلبه العنان ولفؤاده الحرية في أن لايعاندهما ليعترف ويقر أن مانراه من مشاهد لايمكن أن يصنعها أي استوديو في العالم وليس من المقبول أن نجادلها حتى بالعناد والوقاحة ..
نحن راينا في السنوات والعقود الماضية مدنا حوصرت في كل العالم وخرج منها المدنيون .. ولكننا لم نجد يوما واحدا حالة احتفالية بين المدنيين وهم يغادرون مدنهم وبيوتهم المحاصرة .. فالمشاهد تكون عادة تراجيدية وحزينة وتعصر القلب من هدوئها واستسلامها ولاتجد الناس مندفعين ولاتجدهم مهرولين ولاتجدهم مقبلين الى نقاط عددوهم وهم فرحين بالخروج .. بل تجد علامات القهر واليأس والانكسار والاسى .. وأحيانا التحدي والرغبة في اظهار الرفض .. ولكن في صور الخارجين من الغوطة رأينا العكس .. فرغم ان هؤلاء المدنيين يغادرون بيوتهم وأرضهم .. ولكنها الحالة الوحيدة في تاريخ العالم أن مدنيين يغادرون ارضهم ودورهم بكامل الرضا والارادة وسط حال من الانفعال المفرط والسعادة بالخلاص ممن يدعي انه الثورة التي تحميهم .. وشعور بالسخط الشديد من الذين يسمون أنفسهم ثوارا .. ومارأيناه يشكل فضيحة عنيفة مزلزلة لجمهور الثورة ولمؤيديها ولكل من وقف يدافع عن سلوك الثورجيين ويبرره .. مارأيناه كان عارا وخزيا مخجلا .. أن يصل الناس تحت حكم الثورجيين الى مرحلة صار مجرد الخروج من تحت حكمهم يشبه الخروج من حكم الاعدام .. وولادة .. وبعثا من الموت .. فهذا منتهى العار ..
هذه المشاهد الكثيرة تدين كل من كتب مدافعا عن الثورة ويجب على كل من رأها أن يحس بالذل والاحتقار الذاتي لأنه كان هو من يقمع الناس ويعذبهم وهو يصر على الدفاع عن القتلة وعن المجرمين الذين أوصلوا الناس الى هذه الحالة الهستيرية من الفرح بالخروج للقاء الجيش السوري .. الثورة التي لم تكن لها جماهير واسعة وصنعت لنفسها جماهير بالتزييف والتزوير والكذب والافتراء والغش .. تخلصت من شعبها وجماهيرها الذين فرضت نفسها عليهم ولم تعرف كيف تحافظ حتى على القلة القليلة التي والتها أو صدقتها .. وخرجت من عباءة الثورة أفواجا ..
رغم كل ماتلقاه المعارضون من دعم وتاييد غربا وشرقا .. فانهم ضيعوا الفرصة التي تأتي اليهم مرة كل 1000 سنة والسبب بسيط جدا وهو أن من أيد ماتسمى “الثورة” لم ينتقدها ولم يصحح سلوكها الأرعن والعنيف والطائفي منذ اللحظات الاولى .. بل انه كان يبرر لها طائفيتها ووحشيتها بكلام عجيب .. كالقول ان الاجرام الذي وقع به الثوار ضد موالي النظام هو نوع من ردة الفعل .. وهو ناجم عن القهر والضغط .. وفال بعضهم ان الثورات في العالم كلها عنيفة ودموية ولاتوجد ثورة من دون عنف ودم .. والثورة السورية ليست استثناء .. ووصفه أحدهم عنف الثوار السوريين بالعنف الذكي المبرمج والعنف المقصود الذي له غاية دقيقة وذكية .. واعتبر ان نهج التدمير الذي اتبعته الثورة ليس عفويا ومصادفة ورصاصا طائشا بل هو قلب الاستراتيحية الثورية من أجل تدمير النظام .. لأن تدمير البلاد سيفضي الى تدمير النظام!! بل وكتب صادق جلال العظم بان هذا الكائن المخيف المسمى الثورة هو من أجمل الكائنات المخيفة التي سنعيش في أحضانها .. فقال:
“” كل من هو منخرط في جوهرها لا يخشى منها ولا يخشى عليها .. كل من هو جالس على حافتها سيصيبه الرعب منها .. أصلا الرعب واحد من أهم سمات الثورات .. الثورة السورية هي من أعمق ما قامت به جماعة بشرية في منطقة جغرافية على امتداد العالم ..توقيفها مستحيل، ببساطة لأنها نضجت بفعل الزمن، ولا أحد يستطيع إيقاف الزمن .. وانا العبد الفقير لله سأبقى معها .. حتى لو التهمتني .. حتى لو كنت من ضحاياها.. حتى لو دفعت الثمن غاليا جداً لا يقل عن حياتي.. سأبقى منحازا لها ما دمت قادراً على التنفس .. “” .
واليوم دفع الجميع ثمن هذا الموقف الدنيء اللاأخلاقي عندما تبارى الجميع لاخفاء وحشية الثورة واعتبروا ان تمكين الثوار بالعنف أهم من أخلاقيات الفلسفة .. وفلسفة الاخلاق .. فالثورة عندما تنتصر من دون أخلاق ستعود لها اخلاقها الفاضلة التي لم تلازمها ولكن بعد أن تأكل الخصوم وتشرب من دمهم .. ولذلك لم تحدث عملية محاكمة أو ادانة أو مراجعة أمام كل الفظائع .. فظهر الوحش الذي أكل القلب البشري ولم تكلف المعارضة نفسها عناء محاكمته .. ولم تبال ادبيات الثورة بذاك الذي ذبح ولا بمن اغتصب .. ولم تحاكم من وضع الناس في اقفاص الحيوانات .. وكانت لاتفتأ تحرض فقط على استبداد النظام وتجاهلت استبداد الثورة بالمطلق .. فكانت النتيجة أن هؤلاء الذين احسوا انهم فوق كل الأخلاق والقانون والمحاسبة والنقد والتصويب حتى عندما يتوحشون لم يعودوا قادرين على التمييز بين اعدائهم وبين حاضنتهم او الجمهور المحايد الذي لايعاديهم على الاقل أو لايعنيه الانخراط في الصراع .. وتدريجيا تحول الثوار الى ادوات للقتل والرعب بلا حدود .. والى ضباع منفلتة .. وهي نتيجة طبيعية سيكولوجية لشخص أحس أنه مدلل ومغفور له متقدم من ذنبه وماتأخر .. ودون وجود ذلك الشعور الداخلي بتأنيب الضمير خاصة ان هناك غطاء دينيا وثقافيا واعلاميا وسياسيا أعطاهم صكوك الغفران بلا حساب .. وتحول سلوكهم الذي خصوا به عدوهم من الجمهور الموالي الى سلوك ارتد على كل من احاط بهم .. بل وبين انفسهم ..وتحولوا الى أشخاص مكروهين ممقوتين منبوذين في كل الأوساط التي اختلطوا بها وهذا تعكسه ارقام المسلحين وعائلاتهم التي ستغادر مدينة حرستا فمن بين عشرات آلاف السكان تبين ان المسلحين وعائلاتهم بحدود 6000 .. وهؤلاء سيغادرون لانهم صاروا منبوذين ولا امل لهم بالبقاء بين عشرات الآلاف من سكان حرستا الذين لن يغفروا لهم مافعلوه من استعلاء وحقد أصابهم بعدما تحول السلوك العنيف الذي تقدسه الثقافة الثورية الى جزء من الشخصية العنيفة للمسلح .. وصار المسلح جلادا بكل معنى الكلمة ..
اهدي هذه المشاهد الى كل من قال انه ثائر ويرفض الاستبدادا وأنه سيستعين بالسيطان من أجل الحرية .. وهاهس اهم انجازاته .. الشعب يهرب من طاعون الثورة .. وتستحق هذه المشاهد الانفعالية للناس وهم يرمون بأنفسهم في أحضان الجنود السوريين بانفعال أن يتوقف جميع من ايد المسلحين من مبدأ (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) .. أن يتوقف عندها أولئك الذين صنعوا الوحش وعلموه أن يفترس بأنيابه وان يحسوا بالخجل والعار من هذه المشاهد .. ولو كانوا يتمتعون بأخلاق الفرسان لشرب بعضهم السم أو أطلق النار من مسدسه على راسه .. أو فصد عروقه وسرايينه بسكينه التي كان يذبح بها .. أو فعل كما يفعل مقاتل الساموراي عندما يرتكب عارا او يهزم .. بأن يضع رأس سيفه على بطنه ثم يضع مقبضه على الارض ويتكئ على السيف المنغرز في بطنه قبل أن يرمي بثقله على رأس السيف ليخرج من ظهره .. ولكن هؤلاء الذين دربوا الوحوش .. ليسوا فرسانا ولامقاتلي ساموراي .. بل حثالة فكرية .. وطفيليات وديدان وعلقات تكتب .. وعاطلون عن الأخلاق .. ولن يرمي أحدهم بنفسه على سيف ندما وخجلا .. فأقصى مايفعله أحدهم أنه يرمي نفسه على فراش فندق في استانبول أو باريس .. او فوق جسد امرأة رخيصة .. حتى المرأة الرخيصة ستهرب من الحجرة التي يدخلونها ..
مقاتلو الساموراي الحقيقيون هم اولئك الفدائيون الأبطال من رجال الجيش الذين بخرجون تلك الضباع الشرهة المسعورة من وجارها .. ويضعونها في حاويات القمامة الخضراء ..
التعليقات مغلقة.