وساطات العرب .. تاريخ حافل لإحباط الثورات الفلسطينية




 الإثنين 9/4/2018 م …
الأردن العربي –

يزخر التاريخ المعاصر بمحاولات عربية رسمية للتدخل لحرف المسار الثوري الفلسطيني في ظل نجاحات على الأرض وخذلان في مَواطن أخرى، والتي كان يُمكن أن تشكل محطات فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية.

المؤرخ غسان وشاح يقول إنه: “يجب استحضار الثورة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت ضد الاحتلال البريطاني (1917-1948) عند الحديث عن الأدوار العربية في الثورات الفلسطينية”.

تلك الثورة التي اندلعت صيف 1936 وبدأت بإضراب استمر ستة أشهر، كانت من أعنف الثورات العربية؛ حيث وثّقت بحسب وشاح- نحو 10 آلاف قتيل بين صفوف الإنجليز والعصابات الصهيونية.

ويضيف: “أظهرت هذه الثورة الروح الفلسطينية المقاومة؛ فقد نفذ فيها نحو 5 آلاف عملية ضد المحتلين خلال هذه الفترة، وارتقى فيها نحو 12 ألف شهيد ودُمّر 5 آلاف منزل، فيما سجلت أسر وجرح 100 ألفٍ تقريبًا”.

ويقول المؤرخ إن بريطانيا تواصلت مع الحكام العرب لتلتف على الثورة لوضع حدٍ لها؛ خصوصًا وأن الفلسطينيين كانوا يهدفون منها لـ”منع الهجرة اليهودية وإيقاف المشروع الصهيوني”.

وتابع: “تواصل الحكام العرب مع منظمي الثورة، الذين بدورهم رحبوا بتلك الوساطة، خاصة أنهم أرادوا تعريب الصراع، ولكونهم وعدوا بتحقيق أهداف الثورة، إلا أن بريطانيا استطاعت أن توقفها وتعيد انتشارها”.

ويؤكد وشاح-وفق معطيات تاريخية-أن الفلسطينيين أبلوا حسنًا في ثورتهم، وكانوا قادرين على الإجهاز على المشروع الصهيوني، ولكن وثوقهم بالأنظمة العربية كان خطأً فادحًا”.

ويُشدد على أن الحكام العرب في تلك الفترة كانوا تحت السيطرة الاستعمارية، “فقرارهم لم يكن بأيديهم”.

وشهدت سنوات الثورة الكبرى انتقالاً للحالة العربية من “الخذلان إلى التواطؤ” وقد تمثل ذلك- بحسب المؤرخ- بوقف إرسال الأسلحة والدعم للمتطوعين ضد العصابات الصهيونية.

وقبيل النكبة بسنةٍ واحدة، يُسجل التاريخ اتخاذ الأمم المتحدة قرارًا بتقسيم فلسطين، أعقبها اندلاع الثورة وبدء الكفاح المسلح، حيث ظهرت آنذاك بطولات “منظمة الجهاد المقدس” التي قادها عبد القادر الحسيني وتلاميذ عز الدين القسام، الذين أوقعوا خسائر بالمحتل.

ويروي وشاح: فور إدراك الحسيني نية اليهود احتلال القدس؛ سارع لحسد قواته لتحرير القسطل التي تُعد الحامية الغربية للمدينة، “فمن يسيطر على القسطل يسيطر على القدس”.

كما يُسجل التاريخ أن الحسيني قد طلب المعونة والسلاح من الجامعة العربية في رسالةٍ قال فيها: “إنني ذاهب إلى القسطل فسأقتحمها ولو أدى ذلك إلى دمي وسيكتب التاريخ أن فلسطين ضاعت في عصركم، فنحن أحق بالسلاح المُخزّن وإنني سأموت في القسطل قبل أن أرى تواطؤكم في خذلان فلسطين”.

لكن جواب رسالة الحسيني كانت “الخذلان” من الجامعة العربية، ليكون الردّ: “نحن لا نريد أن نعارض بريطانيا العظمى وهي ستخرج من فلسطين في 15 مايو وبعد هذا التاريخ نستطيع أن نتدخل في فلسطين ونواجه القوات الصهيونية”.

ويرى أن الحسيني-الذي قَتل في معركة القسطل 150 صهيونيًا- شكّل رمزًا عربيًا وفلسطينيًا؛ في وقت عانت فيه الأمة من الذل والعار، فيما استغل الصهاينة انشغال مُحبيه بتشييعه لارتكاب مذبحة دير ياسين قبل 70 سنة.

وانتقالًا إلى التاريخ الحديث، يُبين وشاح أن صفقة “وفاء الأحرار” في 2011 التي أفرج بموجبها عن أكثر من ألف أسير؛ حملت تشابهًا لحالة التنصل والتنكر سواءً من طرف الاحتلال أو الطرف المصري الراعي.

ويرى المؤرخ أن هناك كثيرًا من الأدلة التي تدلل على أن أنظمة عربية مارست ضغوطًا للكشف عن مكان الجندي الإسرائيلي “جلعاد شاليط”.

ويقول: “إن الضغط على الفلسطينيين ومحاولات ثنيهم عن تحقيق الصفقة، كان سببًا في إطالة أمد مفاوضات الصفقة لسنوات”.

يذكر أن “إسرائيل” تعتقل منذ ثلاث سنوات نحو 70 أسيرًا من محرري تلك الصفقة، في تنكر واضح للصفقة التي رعتها القاهرة.

وليس بعيدًا عن الصفقة، يرى وشاح أن المقاومة الفلسطينية أحرزت نصرًا على الأرض بعد عدوان عام 2014، ما دفع “إسرائيل” لإيقاف الحرب، إلا أن الطرف العربي لم يكن نزيهًا في رعاية التفاهمات التي جرت.

ويورد المؤرخ مقولاتٍ لكتّاب ومحللين إسرائيليين حول فحوى تفاهمات أنظمة عربية مع “إسرائيل” في أعقاب حرب 2014 على غزة، والتي تشير في أغلبها إلى أن الطرف المحاور كان يتحدث بلسان “إسرائيل”.

وتضمنت بنود الاتفاق الذي جرى برعاية مصرية، رفع الحصار وإدخال المساعدات والبدء بإعادة الإعمار، وتضييق المنطقة العازلة لتصبح 100 متر بدلًا من 300، وتوسيع مساحة الصيد إلى ستة أميال بدلًا، وفتح معبر رفح، إلا أن أيًّا من هذه البنود لم يُنفذ.

ويرى وشاح أنه يجب عدم الوثوق بالقيادة العربية الحالية، مُحذرًا من الوقوع في فِخاخها مجددًا، مستشرفًا أن مسيرات العودة الجارية على حدود غزة “ستحقق انتصارات”.

وكانت كشف مصادر مسؤولة في وزارة الخارجية المصرية قالت لـ “الخليج أون لاين” إن القاهرة تقود حراكًا عربيًا، بطلبٍ سعودي، للضغط على حماس لإيقاف مسيرة العودة.

ويعيش الشعب الفلسطيني هذه الأيام حدثًا فارقًا، يتمثل بمشاركة الآلاف في غزة باعتصام سلمي قرب السياج الفاصل مع “إسرائيل”، ويُتوقع مشاركتهم من أماكن لجوئهم منتصف مايو.

ويقول وشاح: “المسيرات بدأت تؤتي أُكلها، فهناك مسيرات مؤيدة في دول الطوق وأوروبا ولا استبعد أن يكون هناك مقاطعة لإسرائيل تماًما، لأن المسيرة حطّمت الأسطوانة المشروخة المقدمة عن غزة”.

ويضيف المؤرخ الفلسطيني: “غزة مفجر لكل الثورات، وهي اليوم تناضل بطريقة حضارية، وتخاطب العالم: لا نملك إلا صدورنا العارية والقرارات الدولية التي تنص على حق العودة، وهذا ما يحرج إسرائيل”.

ويشير وشاح إلى أن “الذي يرعب الصهاينة هو أن قضيتا صفقة القرن ونقل السفارة تحتاج إلى الهدوء، لكن من يضمن أن كرة الثلج لن تتعاظم لتشمل الكل العربي؟”.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.