غزة و ظلِم ذيِ القربى / نسرين الأطرش
غزة العزة ، مهد الثورة ، حاضنة المقاومة ، تاريخ عتيق يشهد عليه خنجر سليمان الحلبي قاتل كليبر القائد الفرنسي ، لم تركع لغاصب ، أنجبت القادة العظام في مسيرة الكفاح للشعب الفلسطيني ، عاشت الحقب التاريخية برأس مرفوعة فقد ناضلت ضد الانتداب البريطاني ، واحتضنت اللاجئين بعد النكبة ، واقتسمت معهم لقمة العيش ، وثارت ضد التوطين وتم حرق الخيم ومقرات التموين ، وقاتلت قوات الاحتلال الصهيوني بعد النكسة ، منها انطلقت شرارة الانتفاضة الأولى وعمت ربوع الوطن ، وكادت أن تفتك بوزير الحرب الصهيوني في مدينة خانيونس ، حتى تمنى اسحق رابين أن تغرق غزة في البحر .
كنت معشوقة أبو عمار حتى أنك كنت بواكير حلمه بإقامة دولته ، شهدت مولد أول مشاريع السيادة حيث رفرف في سمائك أول طائر الفينيق لمطار غزة ، وكنت على موعد بناء الميناء لولا طائر الرخ الذي سلبك حلمك . تفوقت في كل شيء ، وكفاك أن حباك الله ببحر لا يحرم أهلك خيراته ، لم تتخلفي عن شيء وتفوقت في كل شيء ، أصبحت صرحا للعلوم والآداب ، طورت المقلاع والصاروخ ، عملت على توازن الرعب مع أعدائك ووصلت إلى تآكل قوة ردعهم ، ها أنت شامخة يا غزة ، كنعانية ، فنيقيه عربية اسلامية .
كنت مسرحا لقتال الغزاة ، صمدت أمام القائد البريطاني اللمبي عندما جاء غازيا لفلسطين وقاصدا القدس .
كل ذلك لم يشفع لك يا غزة ، فقد أصابتك عين الحاسدين وانقلب أهلك على بعضهم البعض ، وصاروا شيعا وأحزابا ، وتوشحت بالسواد يا غزة ، وصار تحقيق الحلم أبعد ، لقد وقعت يا غزة بين المطرقة والسندان ، لم يرحمك المتصارعون ، ولم يحترموا تاريخك ، عدوك يا غزة استغل الفرص وشن عليك الحرب تلو الحرب وصبر أهلك صبر الأسود في مرابضها .
ذوي القربى ظلموك يا غزة ، حاصروك منعوا منك الماء والكهرباء وأغلقوا حدودك ، حولك إلى سجن كبير ، عشر سنوات عجاف هلك فيهن الزرع ، وجف الولد ، وخرب النسل ، وضاقت الأرزاق ، لماذا كل هذا ، هل لو استسلمت ، ورفعت الراية وطبلت وزمرت حدث لك كل هذا .
ما لمطوب منك يا غزة أن يقتل أهلك بعضهم بعضا في حرب أهلية لا تبقي ولا تذر ، هل سيتم حينها صرف الرواتب كاملة ، وماذا تنفع الأموال مع الأرامل والثكالى واليتامى .
التعليقات مغلقة.