الانتخابات البرازيلية وفلسطين / د. فايز رشيد
د. فايز رشيد ( الخميس ) 12/4/2018 م …
ربما يستغرب البعض هذا الربط بين البرازيل وفلسطين، ففي طفولة كاتب هذه السطور وعَي على هجرة العديد من شباب بلدته إلى البرازيل، بعد ضياع بياراتها، التي كانت مصدر الدخل الوحيد لعائلاتها، نتيجة الاحتلال الصهيوني لمنطقة 48، وفي رحلة البحث عن لقمة العيش، اضطر الكثير من الشباب للهجرة.
لن ينسى الفلسطينيون وقوف الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا مع قضيتهم، ولا الرئيسة ديلما روسيف، التي طالبت نتنياهو، بإلغاء تعيين رئيس مجلس المستوطنات السابق، داني ديان، سفيرا لإسرائيل في البرازيل، على خلفية سكنه في مستوطنة، وكونه أحد قادة المستوطنين، إضافة إلى أنه في عهدها، وقّعت أكثر من 40 منظمة كبيرة على عريضة، تطالب روسيف بعدم المصادقة على تعيين ديان سفيرا، في الوقت الذي ندد فيه أعضاء برلمان برازيليون بقرار إسرائيل تعيين مستوطن، سفيرا في بلادهم، إضافة إلى أن البرازيل كانت قد قررت استثناء شركة أمن إسرائيلية «إنترناشيونال سيكيورتي أند دفنس سيستمز» من العمل في دورة أولمبياد 2016، التي أقيمت في ريو دي جانيرو، وأبطلت عقدها.
إضافة إلى المقاطعة النشيطة للنقابات البرازيلية ضد دولة الكيان الصهيوني، ويعود الفضل في أحد جوانب ذلك، إلى جهود الجالية الفلسطينية، وبعض الجاليات العربية في البرازيل. وهذا ما لم تنسه الدولة الصهيونية ولا ولن تنساه، تماماً كما حليفتها الأمريكية، فعمد الطرفان إلى تخريب الدول في أمريكا اللاتينية، خاصة بعد أن تمكنت قوى اليسار من الإمساك بالسلطة في أكثر من بلد.
وتيرة التوتر السياسي ترتفع في البرازيل، خاصة مع اقترب موعد الاستحقاق الانتخابى لاختيار رئيس الجمهورية الجديد، وقد ارتفعت درجة حرارة هذا التوتر بحجز جواز سفر الرئيس البرازيلي الأسبق لولا دا سيلفا، الذى أدين استئنافيا بأكثر من 12 عاما من السجن بتهمة الفساد وغسيل الأموال، وأصبح من الصعب التنبؤ بما سيحدث فى الانتخابات المقبلة، في ظل استمرار ارتفاع شعبية دا سيلفا، فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن 42.7% من البرازيليين يتهمون وسائل الإعلام والقضاء باضطهاد رئيسهم السابق، ثم أن الواقع الميداني يظهر أن دا سيلفا لا يزال يقود الكفاح من أجل انتخابات أكتوبر المقبلة، وقد أظهر استطلاع أخير أن دا سيلفا مازال أحد المرشحين المحتمل فوزهم في انتخابات الرئاسة، التي تجري في أوكتوبر 2018، على الرغم من خمس محاكمات يواجهها بتهمة الفساد.
تعتبر الانتخابات البرازيلية المقبلة، الأكثر أهمية منذ انتخابات عام 1989، التي انتهت بفوز الرئيس الأسبق فيرناندو كولور ميلر، وحملت خسارة الرئيس الأسبق لولا دا سيلفا، الذي ظل يقاتل من أجل الوصول إلى الحكم، ثم تولى منصب الرئيس لفترتين رئاسيتين منذ يناير 2003 وحتى يناير 2011، وأعقبته في الحكم الرئيسة ديلما روسيف، التي أزيحت عن الحكم ليتولى نائبها ميشيل تامر الرئاسة بشكل مؤقت.، ومن المتوقع أن يشهد عام 2018 الكثير من المفاجآت والتغييرات على الساحة السياسية لقارة أمريكا الجنوبية، إذ من المنتظر أن تشهد البرازيل والمكسيك وكولومبيا وفنزويلا وكوبا إجراء انتخابات رئاسية، سوف تغير الكثير في موازين القوى في القارة اللاتينية، وفقاً لما ذكرته صحيفة «الباييس» الإسبانية.
حتى اللحظة، لا يزال أمر ترشح دا سيلفا في الانتخابات المقبلة غير واضح، بسبب إتهامه في 5 قضايا فساد واستغلال نفوذ، كما لم يحدد بعد ما إذ كان «حزب العمال» سيرشح بديلاً عنه أم لا، إن لم يستطع الترشح، وقد أعلن دا سيلفا مؤخرا أنه واثق من فوزه في الانتخابات الرئاسية المقررة من الدورة الأولى، معتبرا أن ما يتعرض له من اضطهاد من السلطات يزيد من شعبيته فى استطلاعات الرأي، قائلا: «لا يريدونني أن أكون مرشحا، وبقدر ما يوجهون لي الاتهامات ويضطهدونني، تزداد شعبيتي فى استطلاعات الرأي، ويعرفون تماما أنني في حال ترشحت فإن فرص نجاحي فى الدورة الأولى مؤكدة تماما». ورغم أن موعد إجراء الانتخابات لا يزال بعيداً، إلا أن استطلاعات الرأي تظهر أن دا سيلفا هو الأكثر شعبية من بين المرشحين المتوقعين، لأنه يمثل العصر الذهبي بالنسبة إلى الشعب البرازيلي، خاصة الفقراء منهم، بسبب الإصلاحات الاقتصادية التي قام بها خلال فترة رئاسته.
يلعب المال السياسي دوراً كبيراً في الانتخابات البرازيلية، إذ يسمح للمرشحين بالحصول على فرصة لشراء برامج تلفزيونية لتأييدهم بمبالغ طائلة، ما يغلق الطريق أمام المرشحين المستقلين، كما أنه في حالة الانتخابات المقبلة، سوف يكون للرئيس الحالي، الذي لا يحظى بالشعبية، مساحة كبيرة في هذه البرامج للترويج لنفسه، على الرغم من أن تامر يواجه صعوبات أمام ترشيح نفسه، وأكدّ أنه لن يترشح. كما ستكون أول انتخابات يسمح فيها للمرشحين بالتعاقد لنشر إعلانات ممولة على مواقع التواصل الاجتماعي.
اليميني جير بولسونارو، عضو الكونغرس البرازيلي الذي يتم تشبيهه كثيرا بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيعتزم خوض سباق الترشح للرئاسة، وفي مقطع مصور نشره على حسابه في تويتر، قال: «قد يتم منعي من خوض الانتخابات فقط في ما إذا استخدموا وسائل «خسيسة» لاستبعادي، عبر أي محاكمة أو إذا قتلوني». بولسونارو مؤيّد من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، فهو يتحدث بإيجابية عن فترة الاستبداد العسكري في الفترة بين عامي 1964 و1985 وأدت آراؤه وهجومه على الصحافة إلى تشبيهه بالرئيس ترامب. ومن المقرر أن يخوض بولسونارو انتخابات الرئاسة عن الحزب الليبرالي الاجتماعي اليميني. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه قد يحل في المركز الثاني بعد الرئيس دا سيلفا، في ما إذا استطاع الأخير خوض الانتخابات. ويعزو محللون، شعبية بولسونارو جزئيا إلى وعوده بمحاربة الفساد، في وقت طالته فضائح الكسب غير المشروع الكبيرة، التي تتركز على عملاق قطاع التشييد شركة «أوديبريشت».
ووفقا للعديد من المحللين فإنه في حال فوز بولسونارو، سيؤدي ذلك إلى تحول سياسي جذري في البرازيل في عام 2018، فالشعب البرازيلي عاش أسوأ كساد اقتصادي سجلته البلاد، وشاهد عزل الرئيسة ديلما روسيف، وفضائح فساد غير مسبوقة طالت رموزا اقتصادية وسياسية في البلاد.
وأشار بحث لمؤسسة «أوراسيا جروب» لاستشارات المخاطر السياسية إلى، أنه بينما أشعلت الهجرة واتساع الفجوة فى الأجور، غضب كثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا، هناك في البرازيل طبقة وسطى حصلت على حق التصويت حديثا، يتزايد استياؤها من نوعية الخدمات العامة، مثل التعليم والصحة والأمن، وبينما التف الناخبون فى الولايات المتحدة وبريطانيا حول الحلول البسيطة، التي تبدو ناجعة، مثل بناء الجدران والحمائية التجارية والخروج من التكتل الأوروبي، يشعر الناخبون فى البرازيل بخيبة الأمل من السياسة المعتادة. فقد أشار استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «لاتينوباراوميتر» ونشرته فى سبتمبر الماضي، إلى أن دعم البرازيليين للديمقراطية انخفض بنسبة 22% بين عامى 2016 و2017.
جملة القول، إن الانتخابات البرازيلية مرهونة بعوامل كثيرة، تبدو حاليا ضبابية، غير أن دا سيلفا إذا ما تمكن من الترشح، وفاز، فإن ذلك سيعد انتصارا للقضية الفلسطينية.
التعليقات مغلقة.