مفارقات العدوان الثلاثي على سوريا / جاسم ألصفار


نتيجة بحث الصور عن كاتب
د. جاسم الصفار ( الأربعاء ) 18/4/2018 م …




في ليلة 14 نيسان/ابريل شنت القوات الامريكية والبريطانية والفرنسية هجوما صاروخيا على سوريا، كان نتيجته ان لا تبلغ الصواريخ المهاجمة هدفها بسبب المقاومة التي ابدتها قوى الدفاع الجوي السورية اضافة الى نشاط تشويش الكتروني حرف بعض الصواريخ عن مساراتها، وبالتالي لم تسقط اية ضحايا بشرية واقتصرت اثار الضربة على تهديم بعض البنايات المستهدفة.
هذه الضربة المحدودة والاستعراضية المتعكزة على حجج مزعومة لم يكن لها الا ان ترفع حدة التوتر في المنطقة والعالم. ورغم المساعي التي بذلتها وزارة الخارجية الامريكية ومعها وكالات الانباء الخاضعة لارادة البيت الابيض اضافة الى المحاولات البائسة للحكومة البريطانية والفرنسية في تبرير قرار الضربة الصاروخية ضد سوريا فان المناصرين للولايات المتحدة الامريكية في عدوانها على سوريا مع حليفتيها بريطانيا وفرنسا هم اليوم اقل بكثير من اولئك الذين ناصروها في هجومها على العراق عام 2003 ، وحتى في داخل امريكا ومؤسستها العسكرية كانت هنالك اصوات محذرة من تبعات هذا العدوان.
نقلت صحيفة النيويورك تايمز عن السناتور الديمقراطي من فرجينيا تيم كين انه حذر من عدم حصول الرئيس الامريكي دونالد ترامب على موافقة الكونكرس على قراره بضرب سوريا كما اكد بأن الهجوم على سوريا ليس قانونيا وغير مدروسا. كما حذر من فشل هذا الهجوم مجلس العلاقات الخارجية في البيت الابيض اضافة الى شخصيات ومؤسسات مستقلة مهتمة بالامن والشؤون العسكرية.
كان من المفترض وصول المفتشين عن منظمة منع استخدام الاسلحة الكيميائية لمعاينة الموقع المفترض لاستخدام الهجوم الكيميائي في يوم السبت، 13 نيسان/ ابريل ولكن واشنطن استبقت التحقيقات في هذا الامر وشنت عدوانها على سوريا لتؤكد بانها لا تحتاج الى اي ذرائع او مبررات حقيقية لعدوانها. وهنا مفارقة اخرى ما دمنا ذكرنا الهجوم على العراق عام 2003 ان اعلان ترامب عن ان عدوانه قد حقق اهدافه لم يكن مقنعا لاحد. فحتى المعارضة السورية اعتبرت الهجوم مسرحية زادت من قوة الاسد، كما ان مرشد الثورة الايرانية اية الله خامنئي اعتبر العدوان جريمة لم تربح فيها امريكا، اضافة الى ان المراقبين الامريكان انفسهم بحسب ما كتب في صحيفة The National Interest عبروا عن شكهم بالفائدة التي ستعود على امريكا من هذا العدوان وبعضهم كتب مدينا العدوان.
الكثير في امريكا وخارجها اعتبر التصعيد اللفظي، غير المتعارف عليه في التعبير عن المواقف من السياسة الخارجية، للرئيس الامريكي دونالد ترامب خطابا للجمهور الامريكي ليس الا، وان له علاقة بالمشاكل الداخلية التي يعاني منها ترامب. كما اتهمت Washington Post الرئيس الامريكي بأنه انقلب تماما على وعوده الانتخابية وشككت في ان تكون للرئيس رأيا محددا وثابتا في استراتيجيته للامن القومي الامريكي.
فعودة لتغريدات ترامب تدلنا على انه قبل العدوان الاخير كان يغرد باتجاه الانسحاب من الشأن السوري وترك امر سوريا للاخرين. ولو رجعنا الى تغريدات قديمة لترامب في الشأن السوري نجد انه في عام 2013 على سبيل المثال كان قد كتب ” تذكروا ان هؤلاء “المقاتلين من اجل الحرية” في سوريا هم من وجه الطائرات الينا” وفي تغريدة اخرى كتب “على اوباما ان يولي اهتمامه الان للشأن الامريكي في مجالات العمل والضمان الصحي ومشاكلنا الكثيرة الاخرى. انسوا ما له علاقة بسوريا واصنعوا من امريكا دولة عظمى” وفي تغريدة ثالثة كتب “أوباما يريد قصف داعش في العراق وتسليحهم في سوريا! هذا هو ما يفعله”، هذه ليست سوى عينات من تغريدات قديمة لترامب تصلح اليوم لاتهامه بما اتهم به الاخرين، ولابأس في أن نضيف اليها تغريدة احدث كتبها في فترة الانتخابات الامريكية وقال فيها “ما الذي نجنيه من قصف سوريا غير زيادة في الديون ومشكلة يطول امدها؟ على اوباما ان يحصل على موافقة الكونكريس”. واليوم بدون موافقة مسبقة من الكونكريس يحرق ترامب ملايين الدولارات من دافع الضريبة الامريكي ويزيد من التوتر في الوضع الدولي.
وان من المفارقات بين الهجوم الذي وقع على العراق عام 2003 وبين العدوان الامريكي البريطاني الفرنسي على سوريا ليلة 14 نيسان/ابريل فان امريكا لم تعد قادرة على شن هجوم تدميري واسع كما كان عليه الحال في عام 2003. فقد تغير العالم، فالعدوان المحدود المتردد وغير الواثق من ادائه والذي وقع على سوريا قبل ايام كشف عن خوف امريكي من خطوط حمراء كان من الممكن ان تجرها الى صراع جاد لا تعرف عواقبه.
حلفاء امريكا القدماء ساندوها في عدوانها الاخير ولكنهم فهموا هذه المرة انه بعد مرور 15 عام على احتلال على العراق قد تغير الكثير. ومهما كان حجم الحملة الاعلامية التي رافقت العدوان الثلاثي على سوريا في ليلة 14 نيسان/ ايلول والتي هولت من النجاحات التي حققها العدوان الثلاثي، فان التقنيات الاعلامية الحديثة وفضاءاتها الواسعة ستكشف هذه الاكذوبة ان لم تكن قد كشفتها بعد، فهي ليست تلك التي كانت ايام الفراعنة، حيث يحكى انه في عام 1296 قبل الميلاد اصدر فرعون مصر رمسيس الثاني امرا بوضع نصب تذكاري له وكتابة قصائد شعرية على شرفه بمناسبة انتصاره على جيوش خيتا، ومرت ثلاثة الاف عام قبل ان تنفضح الاكذوبة ويتضح ان رمسيس لم يربح المعركة بل خسرها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.