لبنان ومعركة القلمون …لماذا كل هذا التصعيد ضد حزب الله ؟ / هشام الهبيشان
هشام الهبيشان ( الأردن ) الجمعة 15/5/2015 م …
مما لا شك فيه أن حزب الله كان يدرك حجم الانتقادات والتهم التي سوف تنهال عليه من كل حدب وصوب عندما اتخذ قراره بالتدخل المباشر بمعارك القلمون الأخيرة السورية، ومع كل هذا وذاك فقد كانت للحزب حساباته السياسية والديمغرافية والجغرافية والامن الذاتي اللبناني والمبادئ الأخلاقية، التي يؤمن بها ويراها أكبر من كل الانتقادات التي وجهت إليه بسبب هذا الولوج المباشر بمعارك القلمون ،لأن الحزب استشعر كما استشعر غيره حجم الخطورة التي ستفرزها الايام القادمة على كل من سورية ولبنان بحال بقاء هذه المجاميع المسلحة الرديكالية تتحرك بشكل علني على جانبي الحدود السورية اللبنانية .
اليوم وبعد الكم الهائل من الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري في القلمون وبدعم من قوى المقاومة «حزب الله» ابتداء من معارك تحرير القصير بصيف 2013 الى معارك تحرير القلمون بربيع 2015،ومن الطبيعي ان تشكل جملة هذه الانتصارات بالميدان العسكري السوري حالة هستيريا وجنون للكثير من قوى التيار الآخر المعادي للدوله السورية ولقوى المقاومة بالمنطقة، فهم بعد الانتكاسات المتلاحقة التي لحقت بهم بالقلمون والهزائم بالميدان العسكري وجملة الانتصارات للدولة السورية بالميدان العسكري والسياسي «قرروا بلحظة يأس ان يصبو جام غضبهم على حزب الله، وبهذا وجد الحزب نفسه من جديد ضمن معادلة« مركبة الأهداف والعناوين »فهو اليوم مستهدف داخليا وخارجيا».
ومن هنا وفي هذه المرحلة المفصلية التي تعيشها المنطقة وفي ظل هذه الهجمة الشرسة من بعض الكيانات الوظيفية بالمنطقة وبدعم من مشغليهم بالغرب، على قوى المقاومة بالمنطقة بات واضحا وبدون أدنى شك ان هناك قوى داخلية في لبنان وخارجه تسعى لضرب حزب الله وبمساعدة اقليمية – دولية وبمحاولة الوصول الى قرار اقليمي – دولي يسعى لضرب منظومة الحزب واستغلال الوضع اللبناني الداخلي وما يحمله من أزمات متراكمة وملفات معقده سهلة الحل أن وجد قرار وطني حر لبناني – ولكن لكثرة وتعدد المرجعيات الإقليمية والدولية نرى اليوم هذه الملفات تتحول تدريجيا الى ازمات قد تعصف بالدولة اللبنانية بأي وقت «وفي نفس الاتجاه تدعي هذه القوى الداخلية اللبنانية والخارجية اقليميا ودوليا ان مشاركة الحزب بمعارك القلمون مؤخرآ هو سبب بعدم استقرار الوضع الداخلي اللبناني ».
اليوم من الواضح ان هناك بعض القوى اللبنانية وبدعم من بعض القوى الاقليمية والدولية تسعى لشرعنة وجود هذه المجاميع الرديكالية المسلحة على جانبي الحدود السورية –اللبنانية والدليل هنا ان سلسلة الأحداث ببلدة عرسال اللبنانية التي جرت وتمت طيلة العام الماضي وصولآ الى اليوم تم شرعنتها وأصبح الارهاب العابر للقارات والمحيطات والدول هو ارهاب شرعي بل اصبح وجوده الآن ضرورة عند بعض الاطراف بلبنان كأداة ضغط على حزب الله وقوى وحركات المقاومة بلبنان لجلبها الى ميزان التسويات الاقليمية – المحلية بالمنطقة .
وهنا فمن الطبيعي الآن ان نرى ان حزب الله يتعرض الى هجمة سياسية شرسة وما تبع ذلك من التحريض عليه شعبيآ بشكل غير مسبوق وخصوصا من قوى «14 آذار» وبالتحديد تيار المستقبل وكيف وجهت له اصابع الإتهام بأنه يجر لبنان الى دائرة النار الاقليمية وكيف أن الحزب سيكون هو السبب لما سيجري ومتوقع ان يجري بعرسال بالقادم من الأيام ، وأن الحزب سيتحمل كل تداعيات وتأثيرات معارك القلمون على لبنان ،وان سياسة الحزب بسورية ستجلب الدمار للبنان ،والسؤال هنا ؟؟ هل هؤلاء يتناسون عمدا وقصدا انهم هم اول من تدخل بسوريا منذ بداية الازمة وملف المدعو «بعقاب صقر» المحسوب على تيار المستقبل ودعمه وتسليحه للإرهاب من تركيا وتسهيل دخوله الى سوريا مازالت ذاكرة الكثيرين تحتفظ به ولن تنساه.
حزب الله بدوره يعرف مسار هذه المؤامرة الكبرى التي تستهدفه داخليآ وإقليميآ ودوليآ فالحزب يعي اليوم وأكثر من أي وقت مضى ان لبنان اصبح ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات اغتيالات وتفجيرات وانتشار للجماعات الإرهايية – فالمناخ العام للقوى المعادية له داخليآ وإقليميآ ودوليآ بدأ يشير بوضوح إلى أن حزب الله بات هدف لهذه القوى، وهنا حاول الحزب قدر الامكان تقديم مبررات ومعادلات الامن الذاتي والمبادئ الاخلاقية والحسابات المستقبلية لتوسع نفوذ وقواعد الجماعات الارهابية التي نشرت قواعدها بالقرب من الحدود اللبنانية – السورية كسبب منطقي لدخوله بقوة الى ساحة المعركة في القلمون ، وفعلآ اتضح مع مرور الوقت أن الحزب كان محقآ بطرح مبرراته تلك وقد كانت كل المخاوف الموجودة عند الحزب محقة فالكثير من الجماعات الردكالية اصبح لها قواعد داخل الجغرافيا اللبنانية بشكل واضح لا يقبل التشكيك، وهنا فقد قدم الحزب كل مبرارته لهذا التدخل ووصف ما جرى بأنه تم من أجل الدفاع عن الحدود اللبنانية وهو بذلك يدافع عن الأمن الوطني اللبناني وهذا ما حصل فعلا بعد الأقتراب مرحليآ من حسم معركة القلمون .
تدخل الحزب بمعارك القلمون لا يخرج الحزب عن خطه السياسي والنضالي كحركة مقاومة مسلحة وطنية لبنانية، وهو بذات الاطار استطاع أن يبرر دفاعه ووقوفه الى جانب الدولة السورية ضمون مفهوم حكم العلاقة الاستراتيجية والأمنية بينهما نظرآ لما يمثله النظام السوري من حماية لظهر المقاومة اللبنانية والفلسطينية ،والعراقية سابقآ.
ووفق هذه المبادئ سار الحزب في الطريق الذي يرأه ينسجم مع مواقفه ومبادئه السياسية والاخلاقية، فاليوم على الارض وبعد حسم الجيش العربي السوري وبأسناد من قوى المقاومة الاخرى ومنها «حزب الله» مجموعة من الاهداف الاستراتيجية في القلمون ،فهذه الانتصارات بالميدان العسكري السوري اعادة خلط الاوراق من جديد على الارض السورية ،وهذا يعني كسر مرحلي لكل رهانات مشروع أسقاط سورية عسكريآ .
وبالعودة الى أسقاطات ونتائج معارك القلمون على داخل لبنان فاليوم يبدو المشهد ضبابيآ بالداخل اللبناني ، فالقوى اللبنانية اليوم على تعدد توجهاتها ومرجعياتها تتحدث عن واقع جديد ومفهوم جديد للحرب على سورية بعد حسم معركة «القلمون» المجاورة للحدود اللبنانية والتي كان مسارحسمها بمثابة القشة التي كسرت ظهر الجماعات الرديكالية ، والمدعومة من بعض الكيانات الوظيفية الطارئة على المنطقة .
ختامآ ،ان مجريات ومسار الحسم العسكري السريع لمعارك القلمون ،سيكون لها أسقاطات وتداعيات على عموم ملفات المنطقة وبالخصوص على ملفات الداخل اللبناني ،وبالمحصلة يمكن القول ان المرحلة صعبة والتأكيدات لما سيجري من عمليات قيصرية بالمنطقة بالمرحلة المقبلة هو مازال مجرد تحليلات وتكهنات لأنه لم يعد يأخذ منحى عابرآ كما يتحدث البعض، وفي ماوراء الكواليس هناك تكهنات بل يمكن القول أنها تأكيدات حول تطورات دراماتيكية سيعيشها لبنان بالمرحلة المقبلة كجزء من حالة الاستقطاب بالمنطقة التي ستتأثر الى حد ما بمسار حسم معركة القلمون ………
*كاتب وناشط سياسي –الاردن .
التعليقات مغلقة.