اللجنة الوطنية السورية لليونسكو… رهان المرحلة القادمة / د.خيام الزعبي
د.خيام الزعبي ( سورية ) الجمعة 15/5/2015 م …
** صحفي وكاتب أكاديمي …
يأتي هذا المقال، من أهمية حضور اللجنة الوطنية السورية لليونسكو داخل المشهد العام والمتعلق بالتربية والعلوم والثقافة والإعلام، خاصة بعد أن شهد التاريخ الطويل لهذه المؤسسة العريقة فترات متباينة من حيث الإشعاع والتواصل والتشارك، لكن الذي يجعلنا نهتم الآن بمسار هذه اللجنة الوطنية، هو إستثمار الرصيد الكبير والهام الذي إكتسبتـه ، وإدراكنا العميق بأهمية التحولات الجذرية التي شهدتها هذه المؤسسة إنطلاقا من إتساع عملها وإهتماماتها لتشمل مجالات التنظيم والتوجيه والتواصل والإستشارة والإشراف والتنسيق وغيرها.
اليوم لا يوجد نقص في التصريحات التي تذكرنا بأن سورية تحتل مرتبة رائدة وبارزة في مجال المعرفة والعلم والثقافة وهذه حقيقة تدعمها الأرقام والبيانات، إذ شهد العقد الماضي عدداً كبيراً من المبادرات التي تهدف إلى إصلاح التعليم وتطويره، وما نراه اليوم من الإسراع في عملية بناء وترميم المدارس وتوفير الكادر التدريسي والتنسيق مع المحافظات للنهوض بالواقع التربوي، والبدء بإنجاز مشروع التعليم الإلكتروني، دلالة واضحة على الإستمرار في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لتطوير العملية التربوية في سورية بعد أن تمت إعادة النظر في مفردات المناهج لمختلف المواد الدراسية ومختلف المراحل للعمل على تحسين جودة النظام التربوي بمدخلاته وعملياته للوصول إلى مخرجات تواكب معطيات العصر ومتطلباته والتنمية الوطنية المستدامة، ومن هذا المنطلق كانت صورة سورية في جميع التقارير الصادر عن اليونسكو ناصعة ومشرفة، حيث صنفت بشكل مستمر من بين الدول ذات الأداء العالي في تحقيق تلك الأهداف.
تعتبر اللجنة الوطنية إحدى اللجان المهمة في القطر التي تم تأسيسها عام 1976م، وذلك بناءً على الميثاق التأسيسي لليونسكو الذي أقرته الدول الأعضاء ومنها سورية التي إنتسبت إلى المنظمة عام 1946م، والتي جاءت ترجمةً لرؤية القيادة السياسية السورية بأهمية دعم التواصل مع المنظمات المعنية بالتربية والثقافة والعلوم تحقيقاً لرسالتها النبيلة في التقريب بين الشعوب، والإستفادة مما تطرحه هذه المنظمات من برامج ومشاريع بما يتناسب مع عادات وتقاليد المجتمع السوري، حيث تتبع هذه اللجنة لوزارة التربية وتضم في هيكليتها أمانة عامة من الموظفين وهيئة عمومية يرأسها الوزير وتضم معاوني وزارات:الخارجية والمغتربين،الإعلام ، الثقافة ، التعليم العالي ، الموارد المائية،النفط والثروة المعدنية ،الدولة لشؤون البيئة ، هيئة التخطيط والتعاون الدولي وممثلين عن مؤسسات علمية حكوميةأهمها:مركز الدراسات والبحوث العلمية،هيئة الطاقة الذرية ،مكتبة الأسد الوطنية.
إن التفاعل الداخلي مع هذه الوزارات يجعلها بمثابة شريك فاعل ديناميكي وحيوي، وأمام كيان معرفي واحد تترأسه وزارة التربية بوزيرها، وسيكون ثمة إنعكاس في الجهة الخارجية للتمثيل، بالإضافة الى الفائدة التواصلية والتشاركية التي ستجنيها سورية وهي تنقل همومها الى المجتمع العربي والدولي، من هنا تأتي أهمية اللجنة الوطنية بوصفها نافذة سورية على العالم الخارجي من خلال المنظمات العربية والإسلامية والدولية المتخصصة في مجال التربية والثقافة والعلوم والإتصال، وكذلك من أهمية المهام المرتبطة بهـا كصلة وصل بين وزارات الدولة ومؤسساتها، بالإضافة الى التنسيق مع اللجان الوطنية العربية والدولية وتزويد مؤسساتنا بكل ما هو جديد في ميادين التربية والثقافة، فضلاً عن تعريف العالم بحضارة سورية وثقافاتها .
إن اللجنة الوطنية معنية بإبراز إنجازات سورية في القطاعات الثقافية والتربوية والعلمية على مستوى المنظمات والساحات الدولية، لذلك ساهمت في تعزيز مكانة سورية إقليمياً ودولياً من خلال التعامل مع المنظمات الدولية، وعكست رؤية سورية في التواصل مع العالم وتوثيق ما لديها من مقومات ثقافية وعلمية وتاريخية، من خلال ورش العمل والفعاليات والمؤتمرات التي تسلط الضوء على القضايا التي هي مدار إهتمام المنظمات العالمية كقضايا الحفاظ على البيئة والتنوع الحيوي وأخلاقيات البيولوجيا، والحد من مخاطر الكوارث، والقضايا المتعلقة بالإتصال والمعلومات وما يتفرع عنها من موضوعات تتعلق بوسائل الإعلام، ولم يقتصر عمل اللجنة على ما تقدمه هذه المنظمات من دعم وأفكار وبرامج ومشاريع فحسب، بل تعدى ذلك لتكون لها مبادراتها الخاصة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي من خلال إصداراتها المتنوعة ومساهماتها النوعية في دعم الحوار والتواصل مع ثقافات العالم المختلفة وإستضافة نخبة من المفكرين والمثقفين من دول مختلفة للتعريف بحضاراتهم وثقافات بلدانهم، لذلك كان سعي اللجنة في خضم المتغيرات الجديدة هو سعي جاد وحقيقي من خلال تنفيذ خطة تربوية علمية وممنهجة لإيصال فكرة الرؤية والبناء وتحصين الحياة من طوارئ الثقافات الهجينة وتأثيرات بعض سلبيات العولمة والإستفادة من إيجابياتها.
مجملاً…إننا اليوم نعبر إلى مرحلة جديدة، لا بد فيها من إعادة البناء وترتيب نظرتنا للعالم من ناحية القيم والمجتمع، حيث أن الجميع يسير في هذه المرحلة نحو التغيير والتحول الإجتماعي المستمر، لذلك أثبتت التجارب الإنسانية أن العلم والتربية والثقافة هي الأدوات القادرة على مواجهة مشكلات المجتمع والتغلب عليها للوصول الى مستقبل مشرق من خلال عملية بناء نظام تعليمي قادر على مواجهة تحديات الحاضر وطموحات المستقبل، هذا مما حدا باللجنة الوطنية السورية لليونسكو الإسهام في دعم التربية والتعليم مدركة أنهما مسؤولية مشتركة تتضافر فيها جهود الحكومة والأفراد واضعة في الإعتبار إننا نعيش عصر التطور المعرفي، والذي هو غايتنا وسبيلنا للنهوض والإستقرار والتقدم بما يخدم إنساننا ومجتمعاتنا.
أخيراً أختم بالقول إن قيادة اللجنة في وقت دقيق من قبل وزير يمتلك خبرة تربوية وتعليمية له دلالاته ومؤشراته، هو خطوة في غاية الأهمية من شأنها إعادة أواصر التواصل والتشارك مع المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال، فالطموح يقوده الى جعل هذه اللجنة صرحاً ومكاناً يعول عليه السوريين للإرتقاء بالمنظومة التعليمية وتنمية الوعي بين شرائح المجتمع السوري، لذلك يبقى التحرك الآن مرهوناً بقدرة الوزير على تطوير اللجنة وأدائها، وهذا الرهان يهم الجميع لأن التطوير يمكن أن يرهن مستقبل بلد بكامله، ويمس في العمق بناء شخصية المواطن السوري، وانا بإعتقادي فإن الوزير قادر على ذلك لأنه يحمل أكثر من خطة للتطوير والإرتقاء بالعملية التعليمية وتحويل الرسالة التربوية إلى واقع يلمس إحتياجات السوق المعاصرة.
التعليقات مغلقة.