عظمة شعبنا.. الوحشية الصهيونية والعدوان / د. فايز رشيد




د. فايز رشيد ( الخميس ) 19/4/2018 م …

إن جاز وصف شعبنا الفلسطيني بكلمة فهي العظيم، فهو على مدى مئة عام يقاتل أعداءه من أجل نيل حقوقه الوطنية وحريته واستقلاله، وهو جزء لا يتجزأ من أمته العربية، إنه منغرس في جذور التاريخ، من أحفاد اليبوسيين والكنعانيين والعرب الأصلاء. لم تفتر همته يوما عن التضحية، التي يستأهلها هذا الوطن المجللّ بالفداء، والمزنّر بالكرامة وعشقه لأبنائه.
يعزّ عليّ سماع تعليقات وأقوال ممن يدّعون العروبة، وهي منهم براء، ويتهمون شعبنا «بأنه جاء من العدَم، وأن الإسرائيليين عادوا إلى أرضهم، ومن حقهم بناء دولتهم عليها». هؤلاء لا يقرأون التاريخ، ولا يختلفون عن نتنياهو وبن غوريون ومناحيم بيغن. هؤلاء لا يعرفون أن فلسطين تاريخيا هي مركز رئيسي من مراكز الحضارة العربية، إن لم تكن أهمها. لا يدركون أن مينائي يافا وحيفا، كانا مركز استقطاب التجارة البحرية العالمية منذ عدة قرون، لا نلومهم فهم جهلاء! والجاهل لا يُلام.
نعم، في الوقت الذي ينفون فيه حقّنا في أرضنا، يكتب فيه مفكرّون يهود، مثل شلومو ساند، إيلان بابيه، إسرائيل شاحاك وغيرهم، عن «اختراع أرض إسرائيل» و»اختراع الشعب اليهودي»، و»التطهير العرقي للفلسطينيين» و»الحق التاريخي للفلسطينيين في وطنهم وأرضهم»، كما الكثير من المواضيع الشبيهة، التي تنفي وجود الهيكل، وأي تاريخ لدولة يهودية أقيمت في فلسطين، و»أن يهود اليوم لا تربطهم صلة بيهود الأمس» (آرثر كوستلر).
أقسم، أنه لو سئل طفل فلسطيني عن أصله؟ لقال إنه من الطيبة أو الطيرة، حتى لو كان يعيش في أستراليا، أو سيبيريا أو أدغال إفريقيا أو الدنمارك، حتى لو كان حفيداً لمهجّر، ولم يرَ فلسطين. للعلم، الشعب الفلسطيني، وفقا للهيئات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة والمنظمات المعنية، هو من أكثر شعوب العالم المتمسكة بالعلم، ومن أقّلها في نسبة الأمية بين صفوفه. شعبنا يمتاز بالكفاءات المتعددة التي يحويها وفي مختلف المجالات، كان له دورٌ كبير بعد النكبة في الانتشار في الدول العربية والعالم، وفي التوعية والنهضة العربية الحديثة. نقولُ ذلك، لأن الأسبوع الثالث من انتفاضة العودة، لمن تابع أحداثها في أجهزة الإعلام العربية والعالمية، رأى، أن الذاهبين إلى الأسلاك الفاصلة مع الأرض المحتلة في عام 1948، لم يقصروا نشاطاتهم على أساليب المقاومة السلمية فقط، بل استغلّوا هذا الحدث لنشاطات ثقافية متعددة، الفنانون يرسمون على جدران الخيم التي أعدت من قبل، خيمة كبيرة خصصت للأغاني والأهازيج الفلسطينية الوطنية، أخرى للرقص الشعبي الفلسطيني، ورابعة لعرض الأزياء التاريخية الفلسطينية، وخامسة لقراءة الشعر، وأخرى لعرض اللوحات المختصة بالرسم، كما العديد من النشاطات الأخرى. يتهموننا بـ»الإرهاب»! نقول لهم: تعالوا وانظروا حضارة شعبنا، وتفوق أبنائه وبناته في مختلف المجالات والعلوم والنشاطات الإنسانية.
بالمقابل، فإن الجيش الإسرائيلي يقابل نشاطات شعبنا السلمية بالقنص والقتل ورش قنابل الغاز والمياه العادمة، وكل الأسلحة والوسائل المحرّمة الاستعمال دولياً. لقد جاوز عدد الشهداء منذ بدء انتفاضة العودة الخمسين شهيداً، أما الإصابات فتجاوزت الأربعة آلاف إصابة.
بعد الجمعة الأولى من الانتفاضة، في 30 مارس من العام الحالي، الذي صادف يوم الأرض، هنأ كل من نتنياهو وليبرمان الجيش الإسرائيلي على أنه هيَأ للإسرائيليين احتفالاً هادئا بعيد الفصح! من ناحية ثانية، رقص الجنود الإسرائيليون فرحاً بعد تصوير فيديو لواحد منهم وهو يقنص فلسطينيا لم يكن يشكّل خطراً عليه! ليبرمان وزعماء إسرائيل، اقترحو أن يكافأ الجندي بوسام، ألا تتذكرون حرق الرضيع علي الدوابشة؟ يومها رقص المستوطنون على حرقه بينما كانوا يحملون صورته. من جهته، أصدر الحاخام كشتئيل مؤخرا فتوى تنص على أنه «من المسموح شن الحرب الاختيارية حتى في أيام السبت، إننا منشغلون بالاحتلال، والاحتلال يلغي قدسية السبت». واستطرد قائلا: «علينا ملقى واجب الاحتلال»، ثم يأمر الحاخام مستمعيه قائلاً: «حتى لو لم يطلقوا النار علينا، حتى لو أن سكان غزة كانوا طوال الوقت يقدمون لنا الورود فقط، مع رسائل محبة ورسومات قلوب، كان لزاما علينا شن حرب في أيام السبت من أجل احتلال أرض إسرائيل.. هذه بلادنا، بلادنا المقدسة، الله وعدنا بهذه البلاد وأمرنا بوراثتها، حتى لو لم يكن هناك أحد يهددنا على الإطلاق في كل المنطقة، وجميعهم كانوا يحبون إسرائيل، فإن من واجبنا احتلال أرض إسرائيل، هذه ارضنا».
لقد أكد الحاخام في مقابلة له مع القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، كما أوردت نصها صحيفة «هآرتس»على: «أن نقطة الانطلاق ليس بسبب أن الاعداء أشرار فقط، وليس بسبب أنهم يقومون بتهديدنا، ولهذا ليس أمامنا خيار، هذه وصية يجب تنفيذها، واجب مطلق، أن نقوم باحتلال أرضنا». ثم يتساءل الحاخام: «ولكن ما هي حدود أرض إسرائيل التي تعود لنا؟ ويجيب قائلاً: أرض غزة بالتأكيد هي جزء من أرض إسرائيل». إن راشي اليهودي العبقري (هو حاخام فرنسي من العصور الوسطى، تعد إسهاماته الأهم بين اليهود الإشكناز في دراسة التوراة)، كما الكوثري (عميل لليهود، ألّف كتابي «التنكيل» و»المقدمات الخمس والعشرون» نقداً للإسلام، ومدحاً لليهود، نشرهما عام 1948 مباشرة بعد إقامة إسرائيل) يؤكدان: إنها تصل إلى وادي مصر، والقصد حتى دلتا النيل… الله لن يهدأ له بال حتى نحتل كل بلادنا المقدسة، سوف يجلب لنا الله أعداء من هنا ومن هناك، والذين سيتصرفون بصورة غير منطقية تماما، كل ذلك من أجل أن يشار إلينا، بأن هناك أرضا أخرى لم تقوموا باحتلالها. الهدف الأسمى هو احتلال أرض إسرائيل، حتى لو لم يطلقوا حتى اليوم أي صاروخ علينا من منطقة الشمال، فإنه حسب التوراة، نحن ملزمون بأن نحتل على الاقل حتى بيروت… الله يرمز لنا بأنه يجب علينا الوصول إلى هناك. نعم.. هناك ميراث آشر الذي ينتظرنا، إن أساس هدف الدولة، أساس قيمة الجيش هو في كونه جيش احتلال، وأضاف: «بعون الله وقريبا سيأتي إلى هنا ملايين المهاجرين الجدد، وليس بعيدا اليوم، الذي سيصل فيه الاكتظاظ هنا إلى درجة كبيرة ويبلغ السيل الزبى، ولن يكون أمامنا خيار سوى طرد الغرباء – سنحتاج إلى قليل من التوسع هنا، لأنه لن يكون لدينا مكان كاف لسكن أصحاب الأرض».
قبل شهر تقريبا، كان الحاخام يتسهار دافيدوفيتش قد دعا إلى إبادة الفلسطينيين كشعب، فقد صرّح: «بأننا أصحاب البيت هنا، لا يوجد محمد، هذه أمة تعيش على حد السيف، مقابل أمة تقدم الخيرات للعالم. هم ليسوا شركاء في هذه البلاد، بل هم غرباء تماما، نحن الذين عدنا إلى البيت بعدل ورحمة. يحق لنا أن نقوم بإبادة هذه الأمة القاتلة». نسوق ما قاله الحاخامان صراحة وعلنا بدون تعليق.
على صعيد ثانٍ، قام الرئيس الأمريكي بتنفيذ تهديداته بضرب سوريا بمشاركة كل من بريطانيا وفرنسا وبتأييد من الكيان الصهيوني وبعض الدول، بما فيها البعض العربي للأسف، ومثلما توقعها العديدون من المحللين، جاءت ضربة محدودة، ولا تتناسب مع ما رافقها من جعجعة، كانت تشي بشن هجوم واسع على هذا البلد العربي، لكنه لم يجرؤ على اقتراف خطيئة شنّ الحرب الشاملة، التي لم يكن ليدرك تداعياتها ومخاطرها، ولا التحكم في مسارها ولا تحديد شكل نهايتها، وذلك لاعتبارات كثيرة وتخوفاً من انزلاقها إلى خاصرة حليفته الإسرائيلية. الهجوم على سوريا يذكّرنا بما حدث قبيل غزو العراق، ليعترف كولن باول في ما بعد، بأن الولايات المتحدة كانت تعرف تماما بخلوه من مثل هذه الأسلحة، «ولكن اخترعنا الأسباب من أجل احتلال العراق».
اليوم، يكرر التاريخ نفسه، في ما يحصل في سوريا، ولربما غدا سيحصل في مصر. نقول ذلك، لأن بن غوريون عام 1948، وفي الجزء الثاني من خطة «دالت» التي تبنتها الحكومة الإسرائيلية (الجزء الأول هو القيام بتطهير عرقي للفلسطينيين وتهجير معظمهم من وطنهم)، تمثلّ في التخلص من أقوى ثلاثة جيوش عربية، هي الجيش، المصري، والسوري والعراقي، إضافة إلى أن تعمل إسرائيل على إذكاء العديد من الصراعات المذهبية والطائفية والإثنية في كافة الدول العربية. يلتقي هذا مع خطة برنارد لويس التي رسمها في عام 1974، وتبناها الكونغرس الأمريكي عام 1978، لتفتيت الدول العربية إلى 42 (أو 52) دويلة متصارعة. من قبل، تحدثت الدول الأوروبية في مؤتمر «كامبل بنرمان»، الذي امتدت جلساته من عام 1905 إلى عام 1907 عن هدفها من إنشاء إسرائيل، منعاً لقيام أي وحدة عربية مستقبلا، وإنشاء دولة صديقة للغرب ومعادية لشعوب المنطقة، وإيجاد حاجز بين شطري الوطن العربي في آسيا وإفريقيا، ثم اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، وغيرها. إننا ضد أي هجوم على أي دولة عربية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.