موسكو تعدّ موسوعة عن جرائم بريطانيا

موسكو تعدّ موسوعة عن جرائم بريطانيا



الجمعة 20/4/2018 م …
الأردن العربي –

أعلنت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، عن العثور في مدينة دوما، على حاويات ألمانية مع مادة الكلور، فضلا عن قنابل دخانية مصنوعة في سولسبيري البريطانية.

بعد الخبر المتعلق بمواد سامة غربية المنشأ في دوما، والحديث عما يسمى أصحاب “الخوذ البيضاء” واستخدامهم صبيا سوريا لتصوير شريط فيديو ملفق حول هجوم كيماوي، تلت زاخاروفا نصا من 17 صفحة يمكن تسميته، دون مبالغة، بالمؤلفات الكاملة عن جرائم الحكومة البريطانية في جميع أنحاء العالم، من روسيا إلى الشرق الأوسط، ومن العصور الوسطى حتى يومنا هذا. لم يكن بوسعي، شخصيا، حتى أن أتصور أن تلك الجرائم كبيرة العدد إلى هذا الحد، بل وموثقة، ومنها ضمنا ما اعترفت به بريطانيا، وما هو محتملٌ جدا “highly likely” ، على حد تعبير تيريزا ماي نفسها. إن هذه القائمة بحد ذاتها، وما تتصف بها من رصانة، تجعلني أفتخر بمدرسة الدبلوماسية الروسية. أعتقد أن هذه الوثيقة ستعيش عمرا طويلا. وإذا نُشرت على موقع الخارجية الروسية، ستشغل على مدى عقود عديدة، المكان الذي تستحقه بجدارة في مكتبات الساسة، والصحافيين الذين يكتبون عن سياسة بريطانيا الخارجية، وما يخص منها البلدان العربية ضمنا.

إلا أن الأمر الأهم، برأيي، هو أن موسكو قد بدأت تخاطب الغرب بلغته، ربما لأول مرة بهذا القدر من الوضوح. لقد بات مسوغا، كما أعتقد، التأكيد أن روسيا قد أتمّت تقريبا، انتقالها إلى نموذج جديد من السلوك على الحلبة الدولية.

وهذا، برأيي، ليس مجرد استعمال مماثل لأساليب تيريزا ماي في تعليل اتهاماتها ضد روسيا، عندما عللت “الاحتمال الكبير” («highly likely”) لتورط روسيا في تسميم سكريبال وابنته، استنادا إلى ما زُعم أنه “تاريخ” فعلي لمثل هذه التصرفات من قبل روسيا. ومع ذلك،  ليس بالأمر السيئ، أننا بتنا على علم الآن بأن انكلترا لا حظوظ لها البتة، وفق هذا المنطق، في أن تتجنب الاتهامات بالتورط، فتاريخها في التعذيب والقتل وارتكاب الجرائم والاستفزازات، يفوق عدة مرات ما لدى أية دولة أخرى في العالم.

ولكن المهم هو أن موسكو كفّت أخيرا عن محاولة مناشدة الغرب، وكفّت عن المثابرة في إقناعه بمحاولة بدء الحوار. فسابقا كان هذا من امتيازات وأسلوب الغرب – التصريح بأمر ما، وإعلان الذريعة مهما كانت عبثية، وبعد ذلك، ودون السعي حتى لتأكيد أو إثبات أي شيء، البدء بالعدوان ضد الدولة التي وُجّهت الاتهام ضدها. فالأسد مثلا، حسب ادعاءات الولايات المتحدة وإنكلترا، لديه ميول مرضيّة لاستخدام الأسلحة الكيمياوية ضد عشرات المدنيين، وكل مرة بدون أية مكاسب حربية، مختارا في كل مرة اللحظة غير المناسبة لذلك، فتارة قبل يوم من وصول لجنة الأمم المتحدة للتحقيق باستخدام الكيماوي، وتارة أخرى قبل يوم من تسليم  المسلحين لمدينة دوما للجيش العربي السوري… إن الغرب لا يحاول إقناع أحد، والذريعة يمكن تماما أن تكون عبثية أو مفبركة.

روسيا، بما في ذلك الرئيس بوتين شخصيا، تحاول منذ أعوام وحتى منذ عقود إيصال صوتها إلى الغرب. فإذا راجعنا خطابات بوتين في المحافل الدولية خلال الأعوام الـ 18، فهي جميعها مدعّمة ببراعة بالحجج وبالمحاولات المنطقية لإقناع الغرب بأنه على خطأ. وبأنه يجب البحث عن الحل الوسط، وأن العالم آمن فقط عندما تُؤخذ مصالح جميع الأطراف بالحسبان. وإجابة الغرب كانت دائما إما الصمت التام أو التكرار الأوتوماتيكي للشريط القديم وللمونولوج دون أي سعي ولو شحيح لسماع الجانب الآخر. وبالمناسبة أنا أعتقد بأن الغرب ومرة أخرى لا يرى الطفل من دوما مع الفيديو المفبرك على أيدي “الخوذ البيضاء” وكأنه غير موجود أصلا.

والابتعاد عن هذه النهج وعن هذا النموذج لمحاولات الحوار مع الغرب جرى من قبل بوتين بصعوبة وبطء شديدين. فحتى زمن قريب، وحتى عندما انهالوا على روسيا بأطنان من الادعاءات العبثية والمجنونة، حافظ بوتين على ضبط النفس محاولا عدم الرد بالمثل ومستعرضا الاستعداد والرغبة بتطبيع العلاقات.

والآن أعتقد أن النخبة الروسية قد أدركت بأن تغيير نهج الغرب تجاه روسيا أمر أساسي ولا رجعة فيه. فهذا كالحملة الصليبية لا تتطلب أية أدلّة وأسس. فالذرائع تفصّل حسب الرغبات، وكراهية الغرب العمياء ورغبته بتدمير روسيا تبرر أية أفعال ضدها. فلو لم يكن لدى روسيا أسلحة نووية لتَبِع ذلك على الفور عدوان آخر من قبل الغرب عليها كغزو نابليون، وكعدوان هيتلر.

أعتقد بأن لهجة ومحتوى خطاب زاخاروفا يمكن أن تكون علامة على أن روسيا كفّت عن محاولة إقامة علاقات مع الغرب على أساس الحوار السلمي. إن بوتين مستعد للبدء بالرد بلغة الغرب وبلغة القوة، أو إنه على وشك ذلك، ولكن هذه مجرد وجهة نظري، لا أكثر.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.