حكي فلاحين / عبد الحليم المجالي

نتيجة بحث الصور عن حكي فلاحين

عبد الحليم المجالي ( الأردن ) الثلاثاء 24/4/2018 م …




سلفا ، كثير من مفردات هذا المقال ،المتعلق بالفلاح – تشديد اللام – ستكون عصية على الفهم ،فهم القارئ العصري ، وقد لا افلح في تقريب معاني مفردات لها معاني خاصة جدا ، كالفلاح والبركه وصاع الخليل ، سأحاول جهدي …الفلاح والفلاحه مصطلحات لا بد من الممارسة لفهمها ،مثلا ، قالوا في الفلاحة : الفلاحة حظ والزراعة عمل ، للتمييز بين من يفلح الارض ويزرعها بالحبوب والبقوليات وبين من يزرعها بالشجر ، وبين الحظ والعمل فروق في المعنى من الصعب شرحها ، العمل محدد المعنى والحظ كلمة فضفاضه لها اكثر من معنى . البركة ايضا لها اكثر من معنى محدد ، يرددها البائع للشاري عندما يسلمه البضاعة قائلا : الله يطرح لك البركة ، ويقصد فيما اشتريت ، اذن البركة من طرح الله رب العالمين ، قد لا نفهم معناها ولكن نشعر بأثرها . بركة ربي هانا – هنا – طبي من اهازيج الدراسين وهم يضعون شعابهم في قش البيدر طالبين البركة من رب البركات .

ما مناسبة هذا الحديث ؟ وما يهم القارئ به ؟ اقول : الفلاحون موجودون وهم جزء من مجتمعنا ، لهم حكي خاص بهم ، لكنه يهم الجميع . الم يقولوا لاخير في امة لا تأكل مما تزرع ؟ ولا تلبس مما تصنع ….من الذي يزرع ؟ انه الفلاح . الفلاحون اليوم تدور احاديثهم حول الموسم وبوادر انتاجه قبل الحصاد بعد شهر تقريبا من اليوم . الموسم واتكلم تحديدا عن  منطقتي ، سهل الربة والقصر ، مخيب للامال ، امطار كثيرة ومعدلات عالية في الشهور الاولى من الموسم ولكنها توقفت في شهر آذار ، قديما قالوا كانون فحلها واذار – نيسان محلها ،بيانا لا همية الامطار في آذار وتحديدها للناتج محل او غلال .

حكي الفلاحين يجب ان يسمعه المستهلكون – اغلبية الاردنيين- الذين اختصوا بهدر المال والوقت ، لاعمل ولا حرفة تملأ اوقاتهم ويمضي عمرهم دون ان يضيفوا قيمة انتاجية لوطنهم وبما يعرف بالناتج القومي . المستهلكون ، وبدلال من الحكومة ، صبغوا المجتمع الاردني بشكل عام بالضعيف المتذمر حتى جعلوا منه سياسيا فاقدا لحرية قراره ينتظر الفرج من البنك الدولي بقرض او الدول المانحة بشحدة . للفلاح نهج آخر وبناءا عليه له حكي آخر، اقوى عينا في النظر الى البنك الدولي وتوصياته ، مثلا ، في موضوع رفع الدعم عن الخبز ، لم يتأثر فهو ينتج القمح ويغربله ويأخذه الى بابور الطحين ويطحنه ويسلمه الى اهل بيته فيعجنوه ويخبزوه ، رغيف طابون لايحتاج الى غموس او رغيف شراك شهي او عربودا يفت بالحليب او المريس وهي ايضا من انتاج يمينه ومن حقله . الفلاح استفاد ماديا من رفع الدعم عن الخبز وغلاء اسعاره ، كيف لا وهو منتج ذلك الرغيف . الفلاح يحكي طز في البنك الدولي والى جهنم هو وتوصياته . هذ ما نعرفه عن الفلاح منذ كان لايسأل عن وزارة ولا برلمان فموضع سؤاله عمله وجهده والتصاقه بارضه .

للفلاح حكي في الايمان ىالله وفضائل الاسلام ، فهو يأخذ بالاسباب ونواميس  الكون الربانية ويؤمن بقوله تعالى : الذي أعطي كل شئ خلقه ثم هدى ….ويؤمن بقوله تعالى : وجعلنا لكل شئ سببا …ويؤمن بان احب الناس الى الله انفعهم لخلقه …ايمانه ايمان العالم العامل لا الدرويش المتواكل . كل هذه المعاني تبدأ معه منذ ان يذهب الى حقله لاعدادها الاعداد المناسب ويحضرها للبذار ، وهو يبذر يشاهد الطيور وهي تتناول حبات من بذاره فيقول الحمد الله اول المنتفعين من عملي يأخذ نصيبه المقسوم له من رب العالمين ، يبذر الحب وهو متوكل على الله وكرمه في امطاره وراضيا بكل النتائج ، هو متوكل وليس متواكلا او اتكاليا ، يرى الناس يمرون بحقلة بعد ان  لا ح خيره ياخذون منه جرزة قمح لفريكة او كف عدس او حمص اخضر

فيقول الحمد لله لا يأخذون الا نصيبهم ولا يبقى لي الا نصيبي وكله مقسوم من رب العالمين ،قمة الايمان والعمل به . يؤمن بالبركة وبانها من طرح الله ان شاء ومن حجبه ايضا ، ويؤمن ان لذلك اسبابا عرفها وخبرها من كثرة التجارب ، لا بد ان يكون لله  نصيب معلوم من انتاجه ، قديما كان يخرج صاع الخليل من راس العرمه ، ويخرج الزكاة حسب نصابها ، كان يفرح الاطفال – بالشرية – بضع حفنات من القمح يقايضها الطفل مع التاجر بما يعرف اليوم بالاشياء الزاكية . ما أود قوله واؤكد عليه ان الفلاح مؤمن بالفطرة وبالاخذ بالاسباب متميزا عن غيره من الدراويش والاتكاليين والمتواكلين ، وهذا واضح عمليا ا ن حكى به او سكت .

للفلاح حكي بالوطن والمواطنة والوطن والانتماء اليه والاستعداد للتضحية من اجله ، قديما عندما كان معظم الناس فلاحين ومنتجين كان لا داعي لهذا الحكي ، اما اليوم وبعد ان تغولت المدينة على البوادي والارياف وسرقت الابناء بما يعرف بالهجرة من الريف للمدينة وترك الفلاحة وزراعة الارض وظهور صراع الاجيال واضحا بين حافظ للارض ومفرط بها ، وبين منتج ومستهلك ، وبين مفهوم مواطن وساكن ، اصبح لا بد من دب الصوت من هذا الفلاح الذي تكالبت عليه الظروف من فعل فاعل او من اهمال مهمل وجهل الابناء بما قدمه الاباء وما يقدمه ما بقي منهم على قيد الحياة .

الفلاح يحكي  لمن باع ما ورثه من اهله من ارض زراعية ليشتري شقة في المدينة : انت تبحث عن سكن ، انت ساكن ، اما انا الحافظ لارضه ابحث عن وطن ، انا المواطن المنتمي لارضه والمستعد للدفاع عنها والتضحية من  اجلها ، انت تشكو من شقتك ، المغلقه عليك وعلى اولادك ، وتشكو من تفتت الاسرة وندرة التواصل حتى مع الوالدين . انت لو تتاح لك فرصة مشاهدتنا في الصباح الباكر وقد افاق الجميع صغارا وكبارا والكل لديه عمل حسب قدراته ، ستشم رائحة الدخان المنبعث من نار الصباح وتشم معها رائحة القهوة الساده ورائحة الشراك وقد ينالك شراكة مجانا .

الفلاح يحكي اقتصاديا بأنه بعمله مع اهله يخفف من التكاليف التي تذهب للايدي العاملة من الوافدين  ، وهو بذلك يحافظ على تلك المهنة الوطنية  ، في حين هرب منها الكثير . للفلاح حكي كثير في مجال عزوف الابناء عن الفلاحه والصبر عليها وايمانهم اليوم بان رأس المال قد حل محل الجهد في جني الارباح ويضربون الامثال باثرياء هو عاجز عن محاكاتهم وعاجز ايضا عن توفير ذلك الرأسمال , ويترك المتاح بين يديه ويذهب لينام منتظرا الفرص الضائعه , انه الفلاح المؤمن بربه وببركته  ، المتوكل غير المتواكل ، الاخذ بالاسباب ، الذي يأكل مما يزرع في ارضه المقدسة قداسة الجد والكد والحرية من ضغوطات من يوفر له لقمة عيشه ويلزمه بشروطها  المذلة .

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.