عن حكومة الكيان الجديدة / علي جرادات
علي جرادات ( فلسطين ) الأحد 17/5/2015 م …
بعد حوارات شاقة تخللتها ابتزازات ومساومات لم يتبقَ أمام رئيس وزراء الكيان الصهيوني، نتنياهو، سوى زيادة عدد الوزارات، وصرْف نحو 6 مليارات شاقل إضافي، لتقديم الرشاوى المالية والحقائب الوزارية، كي يتزعم حكومة «إسرائيل» الجديدة، ويضمن أن تكون حكومته الثالثة على التوالي والرابعة بالإجمال التي تتشكل من ائتلاف يضم غلاة العنصرية والتوسع والعدوان في الجناح الصهيوني العلماني والصهيوني الديني، حتى لو تطلب الأمر تشكيلها بتأييد 61 فقط من أعضاء «الكنيست» ال 120، كما حصل، وبقاءها عرضة للسقوط بصورة أسرع من حكوماته الثلاث السابقة التي حُلّت جميعها قبل إكمال مدة ولايتها القانونية. ما يعني أن اهتمام نتنياهو تركز على تشكيل حكومة استيطان وتهويد يخلو برنامجها، خلافاً لحكومات الكيان منذ إبرام اتفاق أوسلو، من أية إشارة إلى الحل السياسي لجوهر الصراع القضية الفلسطينية. هنا لا يحتاج المرء إلى عناء التفكير كي يكتشف أن ذلك يساوي العودة إلى خيار «الحل الإقليمي» و«السلام الاقتصادي»، وإنهاءً رسمياً، وإن كان غير معلن، لما يسمى «العملية السياسية» ل«تسوية الصراع مع الفلسطينيين»، وتصعيداً للسياسة الصهيونية الهجومية الشاملة لحكومات نتنياهو الثلاث السابقة.
هذا على المستوى السياسي، أما على المستوى الميداني، فإن يشكل نتنياهو حكومة جديدة يصفها بالعنصرية والفاشية أغلب المراقبين الأجانب، وغير قليل من المراقبين «الإسرائيليين»، علاوة على جميع المراقبين العرب، والفلسطينيون منهم بالذات، ذلك يعني أن ثمة بانتظار الفلسطينيين وأرضهم، سواء في مناطق 48 أو مناطق 67، المزيد من عمليات الاستيطان والتهويد والاستباحة الشاملة والتطهير العرقي المُخطط، بما لا يترك متسعاً للحديث عن «حل سلمي»، ولو في حدود تطوير «السلطة الفلسطينية» إلى دولة مستقلة على حدود 67 وعاصمتها «القدس الشرقية». ولا عجب. فنتنياهو هذا قال علناً وصراحة: «إذا فزت في الانتخابات لن يكون هنالك لا دولة فلسطينية ولا وقفاً للاستيطان ولا تقسيماً للقدس ولا عودة للاجئين الفلسطينيين». هذا يعني أن لا جديد لدى حكومة الكيان الجديدة سوى ما تمليه من تجديد لسؤال ما العمل؟
بعد أن ثبت بصورة قاطعة، وعلى مدى نحو 25 عاماً من التجريب والتنازلات المجانية المتسرعة أن حكومات الكيان كافة،(فما بالك بحكومة نتنياهو الجديدة)، في غير وارد تسوية سياسية للصراع على أساس مقاربة «مؤتمر مدريد»: «الأرض مقابل السلام».
أما إعلان الإدارة الأمريكية عزمها العمل مع حكومة نتنياهو الجديدة لاستئناف المفاوضات الثنائية المباشرة مع القيادة الفلسطينية، فأمر يؤكد من جديد، وبصورة قاطعة لا تقبل الشك أو التأويل، أن الولايات المتحدة ثابتة على مواقفها المعادية للحقوق الفلسطينية، وأنها لم تتزحزح عن استراتيجيتها الداعمة لمواقف حكومات الكيان، (أياً كان مستوى عنصريتها وعدوانيتها وتوسعيتها)، من مجمل الصراع، ومن جوهره القضية الفلسطينية بالذات، ما يثبت أن كل حديث عن تباين السياستين «الإسرائيلية» والأمريكية خارج ما هو تكتيكي إن هو إلا محض تمنيات، وأن كل حديث عن «حل سياسي» للصراع في ظل ميزان القائم ومشروع التسوية الأمريكي الجاري لا يعدو كونه ضرباً من الخيال وتجديداً للوهم. كيف لا؟ والإدارة الأمريكية تدعو الفلسطينيين إلى استئناف المفاوضات الثنائية بلا شروط مسبقة، أي إلى تجريب المُجرَّب، مع حكومة تصفها حتى أوساط سياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية صهيونية معارضة ب«دافن العملية السياسية واتفاق أوسلو»، وب«حكومة«إسرائيل» الوحيدة التي لم يأت برنامجها على ذكر الحل السياسي مع الفلسطينيين»، بينما تصفها الأوساط الصهيونية المؤيدة ب«الحكومة التي تتمسك بجوهر الصهيونية وبكامل أهداف«إسرائيل» الكبرى وحقوق الشعب اليهودي التاريخية في أرض آبائه وأجداده».
إن كان لما تقدم من أهمية، فهي الاعتراف بما يكفي من الحزم بأن حكومة نتنياهو الجديدة ليست مجرد حكومة ترفض، ككل حكومات الكيان السابقة، الانسحاب إلى حدود 67 ووقْف التوسع الاستيطاني، وتتمسك بالقدس بشطريها (عاصمة أبدية ل«إسرائيل»)، وتغلق الباب تماماً أمام حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، بل هي، علاوة على كل ذلك، حكومة ترفض حتى خطة الأحزاب الصهيونية التي أبرمت اتفاق أوسلو لإقامة كيان فلسطيني وظيفي ملحق ومجرد من السلاح على أجزاء من الأراضي التي أُحتلت في العام 1967، بهدف مقايضته بحق عودة اللاجئين وتقرير المصير للشعب الفلسطيني. إذاً، نحن إزاء حكومة هي، من فرط عنصرية وعنجهية وتطرف مكوناتها تؤمن بأن تحقيق هدف («إسرائيل» اليهودية الكبرى) ما زال إمكانية واقعية، وبأن توقيع «إسرائيل» على اتفاق أوسلو خيانة، حسب توصيف رئيسها، نتنياهو، الذي يقول في كتابه، (تحت الشمس)، «إن العرب يرضخون للقوة، وإن ما لا نحرزه منهم بالقوة نحرزه بالمزيد من القوة».
قصارى القول، ما دامت هذه هي مكونات وقناعات وأهداف وأطماع ومخططات حكومة الكيان الجديدة، فإن الرد السياسي على التحديات المترتبة على تشكيلها والرعاية الأمريكية الاستراتيجية لها، لا يكون باستمرار الرهان على إمكان تعديل الموقف الأمريكي منها، إنما بتجميع عوامل القوة العربية، واستعجال بناء استراتيجية فلسطينية وطنية جديدة وموحدة للمواجهة، لا تكون إلا بتوافر إرادة سياسة لمغادرة سياسة التفاوض والانقسام، كسياسة عبثية مدمرة طال أمدها، وتحبط الشعب الفلسطيني، وتصب الحب، بمعزل عن النوايا والتبريرات، في طاحونة سياسات الاحتلال الهجومية المتصاعدة لضرب البرنامج الوطني في العودة وتقرير المصير والدولة. تلك هي الشروط اللازمة والمفروضة لمواجهة هذه الحكومة الفاشية، وتفجير طاقات الشعب الفلسطيني الذي لم يُهزم، ولم يسلِّم، ولم يستسلم، وظل صامداً يقاوم ويقدم التضحيات تلو التضحيات لنحو قرنٍ من الصراع المفتوح، رغم التواطؤ الدولي والاختلال الكبير في ميزان القوى، وتدني مستوى الدعم الرسمي العربي واستفحال مأزق سياسة التفاوض والانقسام العبثية والمدمرة خلال العقدين الأخيرين، ما جعل مقاومته وهباته التي لم تنقطع بلا قيادة واحدة، وبلا أداء واحد، وبلا شعار سياسي ناظم واحد، بل وفي إطار أجندات متباينة لدرجة الاحتراب.
التعليقات مغلقة.