هل كان النفط نعمة أم نقمةً على شعوبه وجيرانه وما هي تأثيراته على الجغرافيا والسياسة العربية؟ / د. عبد الحيّ زلوم

د. عبد الحي زلوم ( الأردن ) الأربعاء 25/4/2018 م …




اصدق ما قيل في تأثيرات النفط على الشعوب العربية هو ما قاله وزير الطاقة الامريكي ريتشاردسون سنة 1999: ″ لقد كان البترول محور القرارات الأمنية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال القرن العشرين، والنفط كان وراء تقسيمات الشرق الأوسط إلى دويلات بعد الحرب العالمية الأولى. “

لعل عملي ما يزيد عن نصف قرن في عالم النفط مكنني أن افسر الاحداث بعيون نفطية. وهذه بعض ملاحظاتي :

1 – الانقلابات العسكرية العربية:

كان اول الانقلابات العسكرية في العالم العربي هو انقلاب العقيد حسني الزعيم سنة 1949 ، وكان فاتحة لعشرين انقلاب ومحاولة انقلاب في سوريا بعد ذلك.

تُبين الوثائق أن الانقلاب قد تمّ تخطيطه في محطة وكالة الــ CIA في دمشق واشرف عليه مايلز كوبلاند من القاهرة . كان البرلمان السوري يعارض مرور خط انابيب شركة التابلاين TAPLINE للنفط السعودي عبر الاردن وسوريا الى لبنان . بعد انقلابه على رئاسة الجمهورية نجّحَ نفسه رئيساً للبلاد بنسبة 99% ثمّ رقى نفسه من عقيد الى رتبة مشير دفعةً واحدة و حلّ البرلمان وتولى السلطات التشريعية عوضاً عنه، ووافق على مشروع الانبوب .

ساعده في الانقلاب سامي الحناوي ثمّ أديب الشيشكلي وبعد 4 شهور تمّ الانقلاب الثاني بقيادة سامي الحناوي ثم جاء الانقلاب الثالث بقيادة أديب الشيشكلي .

وصف المؤرخ باتريك سيل (المشير) حسني الزعيم بأنه “قليل الذكاء، ذو شخصية تآمرية ومتهور” . أشفقتُ على هذه المرتبة العسكرية أن تصل في عالمنا العربي الى هذا المستوى .

كان حسني الزعيم يعتمد على الاقليات اثناء حكمه. خدم الاستعمار الفرنسي اثناء احتلاله سوريا وحارب من اجله . ادعى انه من دعاة الوحدة والقومية العربية وللعلم كان حسني الزعيم كردياً وعين محسن البرازي رئيساً للوزراء وكان كردياً وخَلِفه في الانقلاب الثاني سامي الحناوي وكان كردياً ايضاً… يا مرحباً بالقومية العربية !

2- من اين جاءت كلمة التيفور:

ظهر اسم التيفور مؤخراً بعد قصف مطارها من الكيان الاسرائيلي . وهي كلمة معربة عن T4 فما هي هذه الـT4 .

بعد تناحر الدول الغربية على ميراث الدولة العثمانية في العراق وخصوصاً النفط كان الاتفاق بين بريطانيا وفرنسا في الحرب العالمية الاولى أن يحتل البريطانيون بلاد ما بين النهرين من البصرة وحتى بغداد وترك محافظة الموصل لفرنسا. غدر الانجليز بحليفتهم فرنسا فأكملوا احتلال الموصل وشمال العراق حيث أن التقارير الالمانية اثناء الدولة العثمانية اثبتت قطعياً وجود النفط فيه . وقبلت فرنسا ان تبادل شمال العراق بحصةً متساوية من النفط مع الانجليز . الا ان الامريكيين اصروا ايضاً أن يكون لهم حصة وهكذا تمّ انشاء شركة نفط العراق (IPC) من تآلف شركة بريطانية ( والتي اصبحت BP) وشركة فرنسية والتي اُسست خصيصاً لهذه الشراكة (وهي CFP) وشركة شل الهولندية الانجليزية الذي كان روثتشايلد احد كبار مساهميه.

اختلف الانجليز والفرنسيون عن خط سير انبوب نفط شركة IPC الى البحر الابيض المتوسط . اصرت فرنسا ان يمر الخط عبر سوريا التي كانت تحت الانتداب الفرنسي واصرت بريطانيا ان يمر عبر اراضي انتدابها عبر شرق الاردن وفلسطين . وتم الاتفاق على انشاء خطين احدهما يمر عبر اراضي الانتداب الفرنسي في سوريا والاخر عبر اراضي الانتداب البريطاني .

كان لخط IPC المار عبر سوريا محطات ضخ . و كان اسم محطة الضخ الرابعة T4 وحرف T هو اختصارا ً الى Tripoli (طرابلس) بالانجليزية وهي نقطة المصب على البحر الابيض المتوسط في لبنان.

3- ماذا عن خط IPC عبر شرق الاردن وفلسطين؟

حسب خارطة شرق الاردن كما تم تقديمها من وزارة المستعمرات البريطانية الى مؤتمر سميراميس بالقاهرة سنة 1921 لم يكن هناك اتصال بري بين العراق وشرق الاردن فتمّ اضافة شريط يربط بين البلدين الذي يمتد كالاصبع في شرق شرق الاردن وهكذا اتصلت مع الحدود العراقية . كانت محطات الضخ الثلاثة H1 .H2. H3 داخل الاراضي العراقية أما نقطتي الضخ H4 . H5 فكانتا عبر اراضي شرق الاردن.

محطة الـH4 كان يسميها البدو والسكان الذين تجمعوا حولها بالجفور بدلاً من اتش فور . واسموا محطة H5 بالجفايف . بقيت هذه التسميات لعشرات السنين الى أن قررت الاردن تغيير اسمهما الى الرويشد والصفاوي.

4- واحة البريمي

قبل سفري للولايات المتحدة سنة 1954 كانت الاخبار تتناقل عن اقتتال في وعلى ساحة البريمي .اعلمنا مُدَرسنا في المدرسة الرشيدية في القدس أن الماء عزيزٌ وخصوصاً في الصحراء ثم أن الاعراب بطبيعتهم لا يعرفون الجلوس على بساط البحث لان الغزوات والاقتتال هي طبيعتهم منذ الجاهلية . فوجئت في مراحل لاحقة أن سبب الاقتتال كان على حقول نفطية غنية في تلك المنطقة بين ما اصبح ابو ظبي والسعودية . كانت شركة ارامكو الامريكية تمتلك امتياز النفط على كافة الاراضي في السعودية وكان شركاء IPC يملكون امتياز النفط في ابو ظبي واسسوا شركة ADPC . وفوجئت من وثائق قرائتها بأن الاقتتال بين الاعراب كان بالوكالة عن الشركتين بل وان بعض الشاحنات والعربات المستخدمة من وكلاء شركة ارامكو من القبائل كانت ما زالت تحمل شعار شركة ارامكو. وبعد أن تفاهمت الشركتان في واشنطن ولندن توقف القتال. هل هذا يذكرنا بأي شيء هذه الايام ؟..

5- ماذا عن حرب 1967؟

كان التيار الناصري خطراً على احتكار الغرب للنفط العربي خصوصاً حين وصل المد الناصري الى اليمن . وحيث ان النظام الناصري قد اختار البقاء خارج الاحلاف الغربية وكان نظاماً وطنياً بالرغم من بعض اخطاءه القاتلة. عمل الغرب ووكلاءه على اسقاط هذا النظام .

في آواخر سنة 1966 حيث كنت حينئذٍ اعيش في ضواحي لوس انجلوس لاحظت ثلاث اشياء:

قرأت خبراً في مجلة Oil & Gas Journal أن شركات النفط الكبرى قد اعادت صيانة ناقلات النفط العملاقة التي استعملت اثناء اغلاق قناة السويس بعد حرب سنة 1956 وتمّ وضعها في الاستيداع بعد فتح القناة . فقلت لنفسي هل ستغلق قناة السويس ثانية ؟ كان ذلك قبل 7 شهور من حرب الساعات الستة سنة 1967.

قرات خبراً آخر يقول أن عائلة روثتشايلد قد مولت نفقات دراسة انبوب نفط يصل بين مدينة ايلات على خليج العقبة ومدينة اسدود على ساحل البحر الابيض المتوسط . فزادت شكوكي أن حرباً ستحدث قريباً ينتج عنها اغلاق قناة السويس

أما النقطة الثالثة فكانت انه اثناء متابعتي الى برنامج الاخبار المسائي(Evening News) كانت احدى لقطات الاخبار كانت عن موشه ديان وهو يدخل الى البنتاغون وساءه اكتشاف المصورين له واعرض عن الاجابة عن اسألتهم قائلاً أنه لا يحمل اي صفة رسمية وأنه ذاهب الى فيتنام لتحديث خبرته عن التنسيق بين القوات الجوية والمدرعة والبرية. ثم قرأت خبراً عن عودته في جريدة النيويورك تايمز بعد حوالي شهر من سفره. قلت لنفسي يبدو وأنها الحرب . ما جعل ذلك يقيناً ما قراته في مجلة التايم الامريكية قبل اسبوع من حرب حزيران والتي قالت حرفياً بان الجيش الاسرائيلي يستطيع هزيمة الثلاث الجيوش المصرية والسورية والاردنية في اقل من اسبوع . وهكذا كان !

6- حرب 1973 كانت لتتويج النفط بدل الذهب غطاءاً للدولار الامريكي:

في كتب لي عديدة بينت أن التخطيط السري لحرب 1973 قد تمّ بين كسينجر وحافظ اسماعيل وأن هنري كسينجر قد وضع خطة رفع اسعار النفط لاربعة اضعاف ضمن جزء من نظام مالي عالمي جديد يخلف نظام سعر الصرف الثابت كما كان في اتفاقية بريتن وودز.

في اجتماع المؤسسة الفائقة السرية بيلدربيرغ في السويد قبل ستة شهور من حرب اكتوبر 1973 قرر المؤتمرون والمتآمرون برفع اسعار النفط اربعة اضعاف . كان رؤساء جميع شركات النفط الغربية وبنوك وول ستريت من الحضور المئة لذلك الاجتماع كما قدم وولتر ليفي ورقته كيف يتم تدمير البترودولارات عبر شراء سندات الخزانة الامريكية والاسلحة في حروب لا تنتهي في المنطقة بحيث لا تغادر عائدات النفط عملياً البنوك الامريكية.

7- اسعار النفط كانت السبب المباشر لاحتلال صدام حسين الكويت :

كان شاه ايران محجاً ومرجعية لدول الخليج نفطياً وسياسياً كونه الحارس الامريكي للخليج.ولما اطاحت به الثورة الاسلامية اصبحت ايران فارسية بقدرة قادر. كانت اولى رحلات صدام حسين الى السعودية قبل اسابيع من شنه الحرب على النظام الايراني الاسلامي الجديد حيث اخبره الملك السعودي آنذاك ان الرئيس كارتر قد ابلغه بالضوء الاخضر لحرب عراقية ايرانية . اصحاب هوليود وواشنطن يبدعون في نسيج المسرحيات وما يلزمها من دوافع واحداثات .

خرج العراق مفلساً من تلك الحرب وبخسارة مليون قتيل وجريح وخسارة احتياطاته التي كانت بحدود 40 مليار دولار . كانت الكويت والامارات تنتجان اكثر من حصتهما حسب كوتا الاوبك مما اغرق الاسواق وتدني الاسعار . ومما زاد الطين بلة ان الكويت قد حفر اباراً افقية يدعي العراق انها تابعة لحقل الرميلة العراقي . طلب صدام حسين قروضاً فلم يستجب لطلبه بل تم مطالبته بالمساعدات التي قدمت له اثناء حربه على ايران . اعلمهم ان اغراقهم للسوق يكلف العراق في السوق مليار دولار بالسنة عن كل دولار هبوط في الاسعار. شجع الامريكيون الكويت بالتصلب في موقفها وشجعت السفيرة الامريكية ايربل غلاسبي ضمنياً صدام حسين بغزو الكويت حينما قالت ان الولايات المتحدة لن تدخل في النزاعات العربية . وكان ما كان.

8- سوريا :

اصبح معلوما ان هناك احتياطات نفطية وغازية كبرى تم اكتشافها حديثاً ولعلّ هذا احد اسباب الهجمة على سوريا . لكن عناك سببين رئيسين اخرين أحدهما رغبة الولايات المتحدة بإحلال الغاز القطري مكان الغاز الروسي الذي يغذي ويعتمد عليه اقتصاد الدول الاوروبية . وهذا يفسر اعطاء قطر الضوء الاخضر لقيادة الاضطرابات لاسقاط النظام السوري. كما أن السبب الاخر كان لضرب أو على الاقل تقليص قوة حزب الله في لبنان بعد الفشل الذريع لاجتثاثه في حرب 2006 التي انقلبت الى نصر لحزب الله وهزيمة للكيان الصهيوني. ولعل تفتيت المفتت بدأً بالعراق ثم سوريا كان سبباً هاماً آخر

9- إن النفط اصبح نقمةً لا نعمة

اصبح النفط وبترودولاراته نقمةً لا نعمة . اغلب الظن أن دوله ستؤول الى ما آلت له مدن مناجم الذهب التي انقرضت بعد نضوبه . عائدات النفط لم تستخدم في صالح الشعوب والامة بل اصبحت ادوات تدمير لا تعمير حتى وصل الامر بأن تفرض الولايات المتحدة الجزية على دول النفط جهاراً نهاراً .

10- ولي سؤال ؟

في عالمنا الرديء هذا اتساءل : كيف استطاع حزب خلال 20 سنة أن يحول حزب الله الطائفة المسلمة (الشيعية) في لبنان من طائفة مهمشة كانت تتعاون مع جيش انطون لحد في خدمة الاحتلال الى طائفة مجاهدة حققت اول انتصار على الكيان الصهيوني بل واجبرته قبل ذلك الى الانسحاب دون قيد أو شرط ثم فرضت قوة ردع يحسب العدو لها الف حساب. وبالمقابل كيف استطاع قادة منظمة التحرير الفلسطينية ان يحولوا المجاهدين في سنوات قليلة والذين دربوا حزب الله في جنوب لبنان من مجاهدين الى مقاولين للدفاع عن الاحتلال كما في سلطة رام الله؟

لو سألتموني لقلت لكم ما قاله الرئيس المكسيكي بورفيرو دياز عن مشاكل المكسيك واسبابها حيث قال : “مسكينة هي المكسيك … لبعدها عن الله … وقربها من الولايات المتحدة” .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.