الإسراء … النكبة … القلمون / د. يحيى محمد ركاج

 

د. يحيى محمد ركاج* ( سورية ) الإثنين 18/5/2015 م …

* باحث في السياسة والاقتصاد

لا يزال موضوع المواجهة المصيرية والمفتوحة بين كرامة أمة يمثلها شعب عربي سوري مناضل مقاوم، وهمجية بربرية تأبى التأقلم مع تحضرها بدون دماء يقودها حلف صهيوأمريكي يستخدم الأعراب أدوات قذرة للقتل والإرهاب، هي موضع الاهتمام الأكبر فيما كتبته وأتابع به، إلا أن تدافع الحوادث التي مرت على بلادنا في الأسبوع الماضي وبعض الذكريات الأليمة التي عايشنا أحزان مرورها علينا طيلة سبع وستون عاماً مضت، تأبى على عقولنا أن تمر دون الوقوف ولو بدقيقة حزن وخشوع على حال أمة ضيعتها ادعاءات أبنائها بالجهاد ونشر الدين وتطبيق شريعته بدل أن يكون الدين حافظاً للأمم التي اعتنقته ومبشراً بولادة أمم جديدة تحت شعار الرحمة والتسامح والإنسانية.

لذلك أثرت أن أتناول النكبة والقلمون تاركاً الجزء الثالث من المواجهة لأيام قليلة قادمة. وسوف أبدأ بلحظات الحزن التي كانت تحرقنا مع كل مرور لذكرى النكبة أو مع كل ذكر لأرضنا العربية المغتصبة والمسجد الأقصى، وما كان يتخلل هذه اللحظات الأليمة من لحظات فخر واعتزاز لأننا أصحاب القضية المصيرية مع أخوتنا الفلسطينيين الذين يقاسموننا رغيف خبزنا ودارنا وأصبح بيننا النسب والمصاهرة بالإضافة إلى الدم العربي والرابط الديني.

لقد أتت ذكرى النكبة هذا العام ومعها ذكرى إسراء نبي المسلمين إلى المسجد الأقصى ومنه المعراج إلى السماء، وقلوبنا تحترق ودمائنا تسيل على يد بعض الأخوة الفلسطينيين الذين يُفترض أن يجاهدوا لأجل استعادة مسرى النبي ومعراجه، وللأسف بعضهم قد قاسمناهم رغيف الخبز ومقاعد الدراسة وصاهرناهم وقاسمناهم بيوتنا، وهم رغم قلتهم بالنسبة للشعب الفلسطيني إلا أن جرحهم يعتبر الأخطر فيما تتعرض له بلادنا وأمتنا، ومكمن الخطورة هنا ليس في غدر فئة منهم بمن يدافع عن الأقصى والعروبة، إنما في حرف جيل أو أكثر من الفلسطينيين عن قضيتهم الأم وهدفهم الرئيس بستارات واهية، وبعيداً عن الأرض العربية الفلسطينية بضعة كيلومترات وفي بعض الأماكن بضعة أمتار فقط.

لقد استطاعت الآلة الصهيوأمريكية خلق جيل جديد من أبنائنا العرب والمسلمين بفكر جديد وسلوك متجدد قابل لأن يتحكم به الغرب عن بعد بواسطة جهاز اسمه الدين ويعمل بالفتاوى والتكفير عبر بعض ممّن يطلق عليهم اسم علماء، متناسين كليا هم وباقي العلماء –إن بقي لدينا علماء دين- أن الإنسان خُلق للرفاهية والعبادة والسعادة، وأن عمره في ميزان رب العزة لا يتعدى الدقائق القليلة إن تجاوز في تقويمنا الشمسي أو القمري مئة عام، وأن سفك دماء من ينطق بالشهادة يعتبر من الكبائر عند رب العزة سبحانه وتعالى.

أما الحدث الثاني الذي لا بد من الوقوف عليه فهو مرتبط كلياً بالحدث الأول وإن كان البعض لا يرى هذا الارتباط، وهو أحداث القلمون أو ما يجري بمنطقة القلمون، وما تخفيه المعارك الدائرة هناك من مشاركة ضباط ومقاتلين عرب وأجانب ضد الجيش السوري والمقاومة اللبنانية، وما تخفيه هذه المعارك من محاولة استنزاف عسكرية وسياسية وتغيير في البعد الجغرافي للمقاومة اللبنانية والجيش العربي السوري الذي يخوض معارك مركزة في أكثر من جبهة متباعدة.

إن الغلبة للجيش العربي السوري أولاً وأخيراً بإذن الله، وهي نتيجة -كما ندركها نحن ثقة ويقينا- يدركها أيضاً قادة الحلف المعادي لنا، إلا أن إصرارهم على تحقيق نقاط كسب مرتفعة التكلفة لا يبرره فقط -من وجهة نظري- أنهم لا يدفعون أية أثمان من أبنائهم وأتباعهم، أو تحقيقهم لأهداف لوجستية قد تطال الجانب اللبناني وتفرض على المفاوض السوري في الحل النهائي أجندات جديدة تستند على معادلات متجددة تقوم على ديموغرافيا تم استنزافها وتشويه أفكارها ومعتقداتها، بقدر ما أنها تخفي ما تخفيه من آثار على صعيد المقاومة عموماً، وفي الوقت نفسه تتناغم مع ابتزاز العرب عموماً واستباحة أعراضهم وصولاً إلى جعل زعماء العرب أنفسهم أدوات تقسيم جديد للمنطقة احتفاظاً ببعض المكاسب الواهية لهم، واستكمالاً لما شهدته المنطقة إبان الغزو العراقي للكويت، وهو ما يفسر الأحداث الأخيرة التي يشهدها الخليج والساحة المصرية واليمن والسودان وليبيا والعراق والجزائر، فالكل يسعى لتفتيت دولة أخرى بعيدة أو قريبة منه وتقسيمها حتى يسلم جانبه من التقسيم.

 إلا أنه مع هذين الحدثين وما يتبعهما من جدل أمريكي حول إنزال بري في سورية أو تدمير ما تبقى من معالم حضارية في سورية، يراودني سؤال لا أدري متى ومن سوف يعلن إجابته، لكني أتمنى من الشعب الفلسطيني الذي يستصرخ حق العودة أن يحاول التفكير بهم.

ما هو تفسير إصرار هجوم ما يسمى زوراً وبهتاناً جيش الفتح على تلة موسى التي ترتفع ما يزيد عن 2000 متر عن سطح البحر بعد ما تكبد من خسائر بشرية كبيرة فيها، فهل هو تطبيقاً لقوله تعالى كما ورد في قول فرعون لوزيره هامان:” وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى …..” وهو أيضاً موجه للأخوة الفلسطينيين عامة، وإلى علماء الدين، وإلى من يسفك دماء المسلمين تحت ستار الدين على وجه الخصوص, ويتناسى المواقع الأمريكية الداعمة لهؤلاء وحربها المعلنة على الإسلام.

 لن أفتح الجراح أكثر…، عشتم وعاشت سورية العربية الاسلامية قلب العروبة النابض وعاشت فلسطين أبية عربية بوصلتنا إلى يوم التحرير

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.