تقدير موقف … حراك مسيرة العودة … إلى أين؟ / إبراهيم مقبل
إبراهيم مقبل* ( الجمعة ) 4/5/2018 م …
*مشارك في البرنامج التدريبي “إعداد السياسات العامة والتفكير الإستراتيجي” …
3 أيّار/مايو 2018
لقراءة الورقة من موقع مسارات الإلكتروني اضغط/ي هنـــــااا
خرجت في 30 آذار في ذكرى “يوم الأرض” جموع فلسطينية، قُدرت بعشرات الآلاف، من قطاع غزة تجاه السياج الفاصل مع الأراضي المحتلة العام 1948 بشكل سلمي، تحت عنوان “مسيرة العودة وكسر الحصار”، المشابهة لحراك “العودة إلى الأراضي المحتلة” في أيار 2011، الذي لم يحظَ بمشاركة واسعة في القطاع.
يواصل حراك مسيرة العودة فعاليّاته ونشاطاته. فما الذي كان مستهدفًا من هذا الحراك، وما الذي تحقق بعد شهر، خصوصًا بعد اقتصاره تقريبًا على قطاع غزة؟غزة والحراك السلمي
ظهرت في كانون الثاني 2018 دعوات شبابية في قطاع غزة عبر مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)، تحت شعار “مسيرة العودة الكبرى”، تفاعلت شعبيًا قرابة شهر، ثم تشكلت “اللجنة التنسيقية العليا لمسيرة العودة الكبرى”، من شخصيات وطنية مستقلة ومنظمات المجتمع المدني.
دعا الحراك الجديد إلى اعتصام اللاجئين (رجالًا ونساءً وأطفالًا) في أقرب نقطة من بلداتهم المحتلة (700 متر عن السياج الفاصل)، وحدد 30 آذار نقطة انطلاق الحراك على طول خط الهدنة، وتشمل المسيرة في مرحلتها الأخيرة “تجاوز الخط وعودة اللاجئين بشكل فعلي إلى ديارهم، بطريقة سلمية وتحت راية العلم الفلسطيني”.[1]
حملت وثيقة المبادئ العامة لمسيرة العودة الكبرى التي نشرت بتاريخ 15/3/2018 الحراك الجماهيري العريض، إذ نصت أن “المسيرة حالة جماهيرية لا مركزية، تتطلع إلى مشاركة كافة القوى فيها مع مراعاة الطابع الشعبي” و”ألا تتخذ صبغةً فصائليةً ولا علاقة لها بالأجندة السياسية لأي جهة ولا ترفع أي شعار سوى شعار العودة”.[2]
انضمت الفصائل بقطاع غزة إلى الحراك بتاريخ 17/3/2018 وأُعلن عن مسمى جديد “الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار”.[3] وتظهر هذه التسمية التي تبنتها الفصائل وجود مطالب خاصة بقطاع غزة، لا تتشارك فيها مناطق اللجوء الأخرى، وهي “كسر الحصار”.
رافق هدف العودة وكسر الحصار أهداف تكتيكية أخرى، أعلنت عنها “الهيئة الوطنية” في مؤتمر صحفي في خيام العودة بتاريخ 17/3/2017، تمثلت بالتصدي للقرار الأميركي بشأن القدس، واستهداف اللاجئين عبر وقف دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا)، وإفشال ومناهضة مخططات التوطين الرامية إلى تصفية القضية، وعلى رأسها “صفقة القرن”.[4]
أدارت الفصائل في غزة بمشاركة منظمات المجتمع المدني نشاطات مسيرة العودة. وشارك الكل تحت العلم الفلسطيني، وغيبت أعلام الفصائل في مسعى لعدم تشتيت الجهد الفلسطيني بعد الإجماع الوطني على الفكرة.لماذا غزة وحدها؟
ربما بسبب ما يعانيه القطاع من الحصار وأحداث الانقسام منذ 2007، والاعتداءات التي تمثلت في شن ثلاث حروب على القطاع (2009-2008، 2012، 2014)، وما نجم عنها – جميعًا – من أوضاع اقتصادية صعبة؛ شارك أهالي القطاع بقوة في مسيرات العودة. وحسب تقرير الأمم المتحدة الصادر العام 2017 بعنوان “غزة بعد عشر سنوات”، فإن القطاع في طريقه إلى أن يصبح غير صالح للحياة في العام 2020 بسبب تدهور الأوضاع الإنسانية.[5]
يرافق ذلك، إجراءات فرضها الرئيس محمود عباس في نيسان 2017 ورفع حدتها في آذار 2018 بحجة “حماية المشروع الوطني”، فقد قال في مستهل اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير “بصفتي رئيسًا للشعب الفلسطيني، وتحملت ما تحملت في طريق المصالحة مع “حماس”، قررت اتخاذ الإجراءات الوطنية والمالية والقانونية من أجل المحافظة على المشروع الوطني”.[6]
أمام الأوضاع الاقتصادية الصعبة، سعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إلى توجيه “الانفجار المحتمل” في غزة تجاه الاحتلال، وهو الأمر الذي حذر منه عدد من قادتها.[7] ويعتقد أحمد أبو رتيمة، الناطق الإعلامي باسم الهيئة الوطنية، أن محفز التحرك في غزة أكبر، في ظل وجود “سلطة” داعمة للفكرة، وعدم ارتباطها في تعقيدات والتزامات سياسية كما هو في الشتات، بالإضافة إلى عوامل سياسية واقتصادية حركت الجماهير والفصائل معًا.[8]
ردود الفعل الإسرائيلية والدولية
ظهرت حالة القلق والانزعاج بين قادة الاحتلال قبل انطلاق حراك مسيرة العودة. وبعد أحداث اليوم الأول، أشاد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بجنوده في تغريدة له على موقع “تويتر” قائلًا: “كل الاحترام لجنودنا الذين يحمون حدود الدولة”.[9]
ودعا داني دانون، سفير الكيان لدى الأمم المتحدة، بتاريخ 6/4/2018 مجلس الأمن بالتدخل لدى الفلسطينيين لوقف مسيرة العودة في غزة. فهناك تخوف من انتقال الحراك إلى الضفة الغربية بما فيها القدس، إذ أبدى يورام يوفال، في مقال له بصحيفة “يديعوت أحرنوت” بتاريخ 7/4/2018، خطورة انعكاس آثار المسيرة على الضفة، وزيادة حجم المشاركة.[10]
أعرب أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، بعد انطلاق الحراك، عن القلق البالغ بشأن “الاشتباكات” في غزة[11]، ما يُظهر خلطًا بين الجمهور الفلسطيني الذي يطالب بحقه سلميًا وجنود الاحتلال الذين يرتكبون الجرائم.
أدانت منظمات دولية ورؤساء دول جرائم الاحتلال بحق المتظاهرين العزل بغزة في أول 48 ساعة من الحراك. وطالبت منظمات حقوقية بفتح تحقيق دولي مستقل في حالات القتل للمدنيين السلميين المشاركين في المسيرة. فقد طالب مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة “بتسيلم”، الأمين العام للأمم المتحدة بحماية أرواح المتظاهرين.[12]
ودعا الاتحاد الأوروبي إلى فتح تحقيق مستقل وشفاف، مشيرًا إلى أن “حرية التعبير والتجمع حق أساسي لا بد من احترامه”.[13]
أتى الموقف الأمريكي مخالفًا للآراء والمواقف الدولية السابقة، فقد اعتبر ما جرى دفاعًا عن حدود دولة إسرائيل. ودعا جيسون غرينبلات، المبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط، الفلسطينيين إلى “عدم الاقتراب من السياج الفاصل”.[14]
لم يتوقف الموقف الأميركي عند هذا الحد، بل أحبط مرتين خلال أسبوع مشروعي “بيان” (30 آذار و7 نيسان) 2018 حول المجزرة بغزة في مجلس الأمن، مع أنهما لم يتضمنا إدانة لاستهداف المسيرة، بل كانا يعربان عن قلق المجلس البالغ إزاء الوضع على حدود غزة.[15]
الحراك بعد شهر
بعد نحو شهر على الحراك، أثبت أنه ليس موسميًا يتزامن مع إحياء يوم الأرض، بل فعل يتصاعد في أيام الجمع، ويتدرج في باقي الأيام. ومع ذلك، غابت التصريحات الدولية المتعلقة بالحراك، ولم تعد تتحدث عن الضحايا والحقوق الفلسطينية رغم استمرارية الحراك السلمي وآلة القتل الإسرائيلية، ولم تُدن قوة الاحتلال ضد المتظاهرين في الأمم المتحدة. من جانب آخر، لم تتحرك الديبلوماسية الفلسطينية لاستصدار قرارات في هذا الشأن.
أظهر الحراك في الجمعة الأولى 30 آذار حضورًا كبيرًا لتوافقها مع يوم الأرض قتلت قوات الاحتلال 19 مواطنًا وأصابت 1517 آخرين. وحمّل الرئيس عباس، في خطابه في ذكرى يوم الأرض، الاحتلال المسؤولية الكاملة عن أرواح الشهداء، دون ذكر لاسم المسيرة.[16] كما أدان مجلس الوزراء خلال جلسته الأسبوعية في 3 نيسان، المجزرة التي نفذتها قوات الاحتلال، واعتبرها قد تمت مع سبق الإصرار.[17]
ابتكر المتظاهرون أدوات نضالية جديدة لحمايتهم من رصاص القناصة عبر إشعال الإطارات المطاطية (الكوشوك) في الجمعة الثانية 6 نيسان، إلا أنها خلفت 8 شهداء ونحو ألف إصابة. أما الجمعة الثالثة 13 نيسان فخلفت شهيدًا واحدًا، ما يظهر تراجع آلة القتل الإسرائيلية.[18]
قبيل الجمعة الرابعة، وفي اليوم العشرين لفعاليات الحراك، أقرت الهيئة الوطنية للمسيرة في بيان لها في 17 نيسان بنقل خيام العودة 50 مترًا تجاه السياج الفاصل مع الأراضي المحتلة[19]، إلا أن المسافات كانت متباينة ففي خيام العودة بالمحافظة الوسطى كانت لا تبعد سوى 300 متر، أما خيام غزة فكانت تبعد أكثر من 1700 متر.
ألقت قوات الاحتلال على الحدود في خيام العودة في 20 نيسان (الجمعة الرابعة)، ولأول مرة، منشورات تحذر المتظاهرين من الاقتراب من “السياج الحدودي”[20]، إلا أن قوات الاحتلال فتحت النار على المتظاهرين، ما أدى إلى استشهاد 4 فلسطينيين وإصابة 500 آخرين.
استمر التفاعل الشعبي في الجمعة الخامسة، 27 نيسان. وردًا على استمرارية الحراك، ومسميات الجمع لدفع الجمهور الغزي للتحرك والمشاركة؛ قصفت قوات الاحتلال 6 أهداف تابعة لحركة حماس ليلة 28 نيسان، ما يعكس الإحباط الإسرائيلي جراء التفاعل الواسع مع مسيرة العودة واستمراريتها.
كان من المتوقع أن يشمل الحراك مناطق التواجد الفلسطيني في الداخل والخارج، إلا أنه انطلق من قطاع غزة ولا يزال محاصرًا بداخله، ما يظهر أن الحراكات الوطنية باتت مناطقية، لا يشترك فيها الكل الفلسطيني لدعم تحقيق أهدافها.
من جانب آخر، لم يلق الحراك دعمًا عربيًّا على المستويين الرسمي والشعبي، فلم تشر القمة العربية الأخيرة في مدينة الظهران بالسعودية لمسيرة العودة وتحركها السلمي[21]، ولم تخرج مسيرات مناصرة كالتي كانت تخرج في الاعتداءات على غزة.
الاحتمالات المتوقعة
يواصل منظمو الحراك العمل والحشد الشعبي ليومي 14 و15 أيار، اللذين سيكونان يومين حاسمين في تاريخ الحراك. فقد نوه خضر حبيب، عضو الهيئة العليا للمسيرة، في تصريح صحفي إلى أن المسيرة ستصل ذروتها في 15 أيار بـ “حدث أضخم”.[22] كما دعا إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الاحتلال للاستعداد لطوفان بشري في ذكرى النكبة.[23]
أمام هذه التصريحات للهيئة الوطنية العليا للحراك، صرح عاموس يدلين، مسؤول شعبة الاستخبارات الأسبق، أن شهر أيار سيكون الأخطر منذ حرب الأيام الستة العام 1967 بالنظر إلى التقاء عوامل عدة، أبرزها تصادف مسيرة العودة منتصف أيار على حدود قطاع غزة مع نية الإدارة الأميركية نقل سفارتها إلى القدس.[24]
إن واقع الحراك وقيادته لا يظهران اقتناعًا رسميًا بفكرة اجتياز السياج الفاصل، وتحقيق ما عجزت عنه المنظومة الدولية، وحماية المتظاهرين من نيران الاحتلال، ومع ذلك لم توضح الهيئة الوطنية العليا للمسيرة ماذا بعد 15 أيار؟
من المحتمل خروج الجماهير الفلسطينية في ذكرى النكبة في أماكن تواجد الشعب الفلسطيني كافة. ومع اقتراب الموعد إلا أن الجهود لم توحد الجهود، وحتى لم تنسّق بين القيادة الفلسطينية والفصائل ومؤسسات المجتمع المدني، ما يعني خروج الجماهير في يوم واحد مناطقيًا. وقد تستمر مسيرة العودة على الحدود كفعل نضالي فلسطيني مستمر دون برنامج ورؤية متكاملة.
باتت الحراكات الوطنية مناطقية، إذ لا يشترك الكل الفلسطيني في برنامج ورؤية نضالية متكاملة.
تؤيد جميع الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني المقاومة السلمية. كما أكد الرئيس محمود عباس، في جلسة المجلس الوطني بتاريخ 30/3/2018، على المقاومة السلمية، وما يدور بغزة قائلًا: “ربما هي الطرق الوحيدة في مقاومة الاحتلال، لكن لا نريد إصابات ولنحمي أطفالنا على السياج الحدودي”.
خلاصة
يواصل الغزيون حراكهم السلمي في ظل ظروف سياسية واقتصادية صعبة، مستخدمين وسائل نضالية سلمية نالت إجماعًا فصائليًا في هذه المرحلة، لكن من دون تنسيق في المناطق كافة.
ويأمل منظمو الحراك أن يتفاعل الكل الفلسطيني في أماكن تواجدهم، لترسيخ فكرة تحقيق الأهداف الوطنية الجامعة، في مسعى لإرضاخ إسرائيل لتطبيق الحقوق الفلسطينية المشروعة.
حتى الآن، أهداف الحراك المركزية والآنية غير معممة، فهي تتحدث عن حق العودة بلا إستراتيجية، وعن فك حصار بلا خطة وطنية.
إذا كان الهدف هو استدامة الحراك وتوسعته، يجب على الحركة الوطنية توحيد مساراتها النضالية على أقل تقدير وفق برنامج ورؤية واضحة، فلا يوجد ما يمنع من تظاهر الفلسطينيين ومواءمة النشاطات والفعاليات الناجحة حسب أماكن تواجدهم، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها القضية الفلسطينية.
التعليقات مغلقة.