الكذب المخصّب .. ! / د. عمر الحضرمي
في أواسط سبعينات القرن العشرين، دشّن شاه إيران السابق محمد رضا البهلوي مشروعه الطموح للطاقة النووية، واصفاً ذلك بأنه الدعامة الأساس لإرساء ما سّماه ‘الحضارة الإيرانية الكبرى’ التي تعتبر التكنولوجيا النووية أحد أركانها الأساسيّة.
قبل ذلك، وفي أوائل السبعينات من ذاك القرن، كانت الولايات المتحدة الأمريكيّة تسابق الناس، كل الناس، ملوّحة بتقديم الطاقة الكهرونووية للشاه، وذلك على إثر هِبَتِها لإيران مفاعلاً للأبحاث تمّ الانتهاء من تشييده وتشغيله في جامعة طهران عام 1967، إذ عرضت واشنطن على طهران بناء ما بين خمسة وسبعة مفاعلات كهرونووية، إلا أن الشاه فضّل التعامل مع المانيا كون سعرها أقلّ من السعر الأمريكي، لذلك وقّعت إيران اتفاقاً مع الشركة الألمانية ‘كرافتورك يونيون سيمنس’ لبناء مفاعليْن في مدينة بوشهر جنوبي البلاد، وبدأ العمل فيهما عام 1974، وما أن قامت الثورة الإيرانية عام 1979 حتى الإنجاز قد بلغ ما نسبته 85% من البناء.
تواصلت المحاولات الإيرانية وتطوّرت في توجّه لبناء قدرات نووية، تقول إيران: إنها ساعية نحو نووية سلميّة، بينما الولايات المتحدة وإسرائيل تصرّان على أن سعيها هو الوصول إلى نووية عسكرية، وفي ذلك كوميديا سياسية عجبية، إذ تحوّلت الولايات المتحدة من الوقوف إلى الصف الإيراني وهي تبني من الشاه شرطياً للشرق، إلى اعتبار ذات الدولة أحد مراكز محور الشر بعد الإطاحة بالشاه.
منذ عام 1996 باشرت إيران ببناء منشأة لإنتاج الماء الثقيل. وفي عام 2004 بدأت بإنشاء مفاعل من تصميمها بقدرة 40 ميغاوات. بعد ذلك بدأت التطورات تتوالى من طرفي المعادلة، إلى أن وصلت إلى يوم 24/11/2013 حيث وقعت طهران ومجموعة (5 + 1) التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى المانيا، الاتفاق المشهور الذي ينظم الملف النووي الإيراني، على أن يبدأ تنفيذه في كانون الثاني عام 2014.
هذا الاتفاق الذي يقلق راحة ترامب، ويجعله ينتفض من نومه ليل نهار. ويوم الأثنين (30/4/2018)، وقف نتنياهو أمام الكاميرات وهو يعيد ما قاله قبل عام:إنه أصبح يمتلك وثائق هامّة (يقال أنه وجدها في مستودع مهمل في طهران) تثبت أن إيران تمتلك سلاحاً نووياً منذ عام 2015، وظل يؤكد ذلك في استهتار واضح لكل آراء المعارضة.
سارعت أمريكا إلى تصديق الرواية الإسرائيلية، وقالت: إن خبراءها بدأوا بفحص الوثائق، والغريب أنها أعلنت تأييدها لفرضية امتلاك إيران للسلاح النووي قبل انتهاء ‘الفحص’ الذي يجريه خبراؤها للوثائق.
بنفس السيناريو الفاشل استمرت أمريكا بالاستهزاء بالناس. وهنا نعيد إلى الذاكرة كذبة ‘باول’ حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، ثم قصف سوريا بتهمة استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في دوما، قبل أن يصل الخبراء إلى تلك البلدة السورية، وقبل أن يُصدروا تقريرهم.
المثير للسخريّة في كل ما سبق، هو أن إسرائيل وأمريكا هما أكبر دولتين تتصديان للمشروع النووي الإيراني، مع أنهما دولتان تملكان سلاحاً نووياً، ليس هدفه الاستخدام السلمي، ولكنه مستخدم بصورة أو بأخرى عسكرياً، فأمريكا ضربت به هورشيما ونكازاكي’في اليابان’، بينما إسرائيل تملك رؤوساً نووية متفجرة منذ 35 عاما … وهي تمارس التحديد باستعمال كل لحظة.
وبعد ذلك ما نقول غير: إن لم تستحِ فافعل ما شئت … وعلى من كان بيته من زجاج أن لا يقذف بيوت الناس بالحجارة.
نحن لسنا مع أيّة دولة تسعى لامتلاك أي من أسلحة الدمار الشامل، ونحن لسنا مع دول تعتمد تدمير الحضارة الإنسانية، ونحن لسنا مع كيانات تهدف إلى القتل والحرق، ولكننا قطعاً مع عدم اعتماد سياسة العُهْر الخصب.
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم.
التعليقات مغلقة.