الحرب على الإرهاب ليست حربا دينية / ابراهيم غرايبة

 

 

ابراهيم غرايبة ( الأردن ) الإثنين 5/1/2015 م …

 

ربما يعتقد الإرهابيون والمتطرفون أنهم يخوضون حربا دينية أو باسم الدين. لكن الدول لا تحتاج إلى حشد الدين والمؤسسة الدينية في الحرب على الإرهاب. وسوف تكون حربا خاسرة تلك الجهود الدينية الرسمية والمؤيدة للدولة لتقديم مبررات دينية للحرب على “داعش” والجماعات الإرهابية، أو لبيان انحرافها عن الدين، فهذه مسألة لا تضيف ولا تنقص شيئاً. إذ إن العدو هو من يهدد الدول والمجتمعات ومصالحها، والصديق هو من يشارك الدولة في حماية مصالحها ومواطنيها؛ وأن يكون العدو متديناً لا يغير ذلك من صفته واعتباره عدواً، ولا حاجة ولا ضرورة أن يكون خارجاً على الدين أو لنفي انتمائه إلى الدين، لأجل محاربته.
في توظيف الدين في الصراع مع “داعش” والجماعات المسلحة الخارجة على القانون، نلحق أضراراً كبيرة بالدين والدولة والمواطنين والعقد الاجتماعي. فالتنافس الديني مع الجماعات الدينية حرب خاسرة، لأنه لا يمكن منافستها في ذلك؛ فهي جماعات ملتزمة دينياً على مستوى لا يمكن الزيادة عليه، وتملك أيضاً رؤية دينية متماسكة وتؤمن بها، ولا يفيد الجدل معها ومحاججتها، وخاصة عندما يكون الطرف المحاجج من جهة الدول مؤمناً ومقتنعاً بما تؤمن به هذه الجماعات، فلا فرق بين الطرفين في ذلك سوى مبررات واهية تقدمها النخبة الدينية الرسمية عن التحوط والتدرج، وشروط الفتوى والعلم؛ إنها في الحقيقة تزيد التأييد والمصداقية لهذه الجماعات، وتزيد القلق والخوف من الإسلام والمسلمين. وسوف يكون لسان حال العالم: إذا لم تكن المؤسسة الدينية الرسمية مختلفة عن “داعش” في شيء، فليس ثمة فائدة في محاربة “داعش” وحده، ولكن يجب النظر إلى الإسلام وجميع المسلمين باعتبارهم خطراً يهدد السلم العالمي.
وردّ السياسة العامة، ومنها السياسة الخارجية، إلى فتاوى الفقهاء، يلحق ضرراً كبيراً بالسياسة العامة للدولة، وببناء العقد الاجتماعي للدولة والمجتمع، ويفوت الفرصة على الارتقاء بهما. فبدلاً من بناء وعي وطني عام بالمصالح والسياسات، والجدل حولها، تصبح هذه فتاوى يقدمها رجل دين يجتهد في البحث عن أدلة وشواهد من العصور الوسطى، لصياغة فهم ورأي لمسائل تفصل بينها وبين فهمها مئات السنين. وهذا يشجع على الغموض والفساد في بناء وإدارة السياسة وتوضيحها. وسيكون بمقدور السلطة أن تقدم فتوى دينية لتأييد موقفها وإدارتها السياسية والعامة، ولا يعود ثمة مجال لجدل سياسي حقيقي يتشكل فيه المواطنون حول تقديرهم للسياسة والمصالح.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.