القلمون تحوّل استراتيجي / غالب قنديل
غالب قنديل ( لبنان ) الأربعاء 20/5/2015 م …
يتواضع حزب الله في عرض إنجازاته ويتكتم عامدا على أبعادها وهو أخلاقيا يتبع سلوكا بعيدا عن الاستعراض فيترك الوقائع تتكلم ولو متأخرة قليلا عن مغزى ما يقوم به من خطوات عملية في دفاعه عن الشعب والوطن وبالقدر ذاته تميز الجيش العربي السوري من بين جميع الجيوش العربية بعدم استعراض قواه وإنجازاته وبسلوك إعلامي شديد المحافظة وبالتزام الصمت في معظم الظروف.
لكن العين الإسرائيلية التي تراقب وتتابع وتحصي الأنفاس تلتقط من موقعها البعد الاستراتيجي في كل خطوة للمقاومة وللقوات السورية مؤخرا ولذلك شهدنا خلال معارك جرود السلسلة الشرقية موجة مكثفة من عمليات الاستطلاع الصهيونية التي ردعتها المقاومة برسائل ميدانية أفهمت القيادة العسكرية الصهيونية ان أي خطوة عدوانية ستكون عالية الكلفة.
اولا تدرك إسرائيل أهمية جرود السلسلة الشرقية ومرتفعاتها في حساب المقاومة وضمن خارطة المواجهة الاستراتيجية المستمرة مع حزب الله وسوريا منذ عام 1982 فعبر هذه السلسلة ارتسمت خطوط إمداد المقاومة من سوريا وتواصلت حتى التحرير في العام 2000 وصولا إلى حرب تموز 2006.
ومن هذا المنطلق ينظر الإسرائيليون بقلق إلى المسار الاندماجي للقوة المقاتلة التي تضم الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية وفي هذه الرقعة الجغرافية بالذات بحيث يمثل تحريرها من الجماعات التكفيرية حسما وتثبيتا لمنظومة التمركز والإمداد والتواصل اللوجستي بين الجيش العربي السوري ووحدات المقاومة الموجودة في سوريا من جهة وقوات المقاومة في لبنان من جهة ثانية وعبر هذه السلسلة يحقق حزب الله المبدأ الردعي الذي اعلنه السيد حسن نصرالله منذ عملية مزارع شبعا وهو وحدة الميادين والساحات في استراتيجية الصراع ضد الكيان الصهيوني .
ثانيا قمم جرود القلمون بذاتها تتسم بقيمة استراتيجية نتيجة ارتفاعها الشاهق في الجغرافية اللبنانية السورية المطلة على العمق السوري والفلسطيني واللبناني معا وهذا ما يكسبها اهمية مضاعفة ويسهل على الجيش العربي السوري والمقاومة تثبيت منظومات ردعية بعيدة المدى تخشى إسرائيل انعكاسها على توازن القوى وهي سبق ان أعطت للعديد من غاراتها في الجرود عناوين التصدي لنقل وتثبيت ما تسمية بالأسلحة الكاسرة للتوازن أي الصواريخ الحديثة وبعيدة المدى بصورة خاصة فمن جرود القلمون يمكن تهديد عمق الكيان الصهيوني كما يمكن إصابة اهداف لعصابات التكفير في أقصى الشمال السوري وهذا ما يعني تحولا ثمينا في قدرات منظومة المقاومة ويضيف رصيدا في العمل لحسم التوازنات على أرض سوريا ويطرح تحولا جديا لصالح سوريا ولبنان في أي مجابهة مقبلة مع العدو الصهيوني الذي يعرف ماذا بمستطاع الجيش السوري والمقاومة إنجازه بعد التمكن والتثبيت في قمم السلسلة الشرقية .
ثالثا النتيجة المباشرة لمعركة جرود القلمون هي تطور مهم في التوازن الميداني بين الجيش العربي السوري والمقاومة من جهة وعصابات الإرهاب من جهة ثانية فقد ترتب على الإنجازات المحققة في جرود القلمون تغيير في التوازن لصالح الجيش السوري والمقاومة في مجمل ريف دمشق وذلك نتيجة السيطرة النارية بعيدة المدى التي تتيحها الجرود في المعارك الهادفة لتعزيز حماية العاصمة السورية ولاستكمال طوق الأمان وفي منظومة الدفاع عن الطرق الاستراتيجية بحيث يمكن للأسلحة المدفعية والصاروخية متوسطة المدى إقامة جدار حماية لطريقي دمشق إلى كل من حمص وبيروت وهي قدرة تتيح استهداف اوكار الجماعات المسلحة ومنع تقدمها في اكثر من اتجاه خصوصا مع توافر كمية من الأسلحة الذكية والطيران الاستطلاعي في حوزة المقاومة كما برهنت معارك تحرير الجرود بذاتها .
رابعا إن جميع المعطيات العسكرية التي يتداولها الخبراء تشير إلى ان إنجازا كبيرا تحقق بوثبة نوعية مهمة قام بها مقاتلو حزب الله والجنود السوريون وستكشف التطورات ان معركة تحرير جرود القلمون وضعت بيد حزب الله وسوريا مفتاحا لأكثر من بوابة في المنطقة وما بعدها لن يكون كما قبلها في حساب المسار السوري للتخلص من عصابات التكفير والإرهاب التي يستخدمها حلف العدوان الاستعماري على سوريا وكذلك في رصيد توازن الردع الاستراتيجي الذي يكرسه محور المقاومة ضد الكيان الصهيوني ففي السلسلة الشرقية حلم وطنيون لبنانيون يوما ما بجدار صاروخي يحرم اجواء لبنان على طائرات العدو وهناك حلم المقاومون بتثبيت منظومات الدفاع الرادعة التي نقلوها لعشرين عاما من سوريا عبر الدروب الوعرة واليوم تتوحد الجغرافيا وتندمج القوى البشرية والخبرات المكونة لقوى الدفاع عن الشرق العربي من رأس الناقورة حتى أقصى الشمال السوري.
التعليقات مغلقة.