«الإقالة الثلاثية» لجنرالات الأمن… الخلفيات والجزء المخفي من القصة وجرعة «الغضب» / بسام البدارين

 

بسام البدارين ( الثلاثاء) 19/5/2015 م …

قبل ساعات فقط من إطلاقه تصريحات حول استعادة «هيبة الدولة» في مدينة معان تم الإعلان مساء الأحد في عمان عن «استقالة» وزير الداخلية حسين المجالي أحد الشخصيات البارزة بطريقة أقرب إلى «الإقالة» وليس الاستقالة، خصوصا ان من يشغل حقيبة الداخلية السيادية في العادة ليس من النوع الذي يمكنه التقدم باستقالة حقيقية.

تفاصيل البيان الحكومي، الذي أعلن استقالة المجالي وإحالة اثنين من أبرز جنرالات الأمن في البلاد على التقاعد بالتزامن، توحي بجرعة كبيرة من «الغضب» بسبب مغادرة المألوف في قرارات الاستقالة من هذا النوع حيث اتهم الجنرالات الثلاثة معا بـ»التقصير» وتم تحميلهم مسؤولية «الخلل في المنظومة الأمنية». مثل هذه اللغة لم تستعمل قط في الماضي وعبورها حتى على خلفية الغضب من عند رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور حصريا يعني أن رئيس الوزراء مرر التفاصيل واتخذ إجراءات على حجم المسألة واستعمل ما يمكن وصفه بالملاحظات الملكية للتخلص من ركن بارز في حكومته كان من أبرز المرشحين لخلافة النسور نفسه وهو الوزير المجالي. الروايات المتعلقة بصدمة «الإقالة المفاجئة» لثلاثة مسؤولين كبار في سوق السياسيين متعددة، لكن خلفية الحدث لم تكشف بعد بصورة مفصلة وإن كان القرار قد أنتج «صدمة» سياسية وبيروقراطية على كل المستويات وخلط الأوراق حتى في ذهنية الرأي العام.

لذلك رسم المشهد فيما بعد الإعلان عن الإقالة الثلاثية على النحو التالي: صمت واسترخاء على جبهة رئيس الوزراء والحكومة واحتفالات في مدينة معان نفسها وترحيب شديد عند الإسلاميين ومؤسسات ونخب تنشغل في الدلالات وتغرق في السؤال: ماذا بعد؟ المقدمات أو الأحداث «الأمنية» التي حصلت قبل الإقالة الثلاثية كانت في غاية الإثارة، لكنها ليست من النوع الذي يطيح في العادة بثلاثة مسؤولين دفعة واحدة، خصوصا ان الغضب على الوزير المجالي أطاح معه بمدير الأمن العام الجنرال توفيق طوالبة وبمدير الدرك الوطني الجنرال أحمد سويلميين.

الحادث الأول الذي أثار ضجة الشهر الماضي تمثل في مقتل شاب بمركز أمني في مدينة الرمثا شمال البلاد خلال التحقيق معه بتهمة تعاطي المخدرات حيث فتح تحقيق رسمي بالحادث واحتجت عشيرة الشاب.

لاحقا بدأ الأطباء في البلاد التهديد بالرحيل أو بالإضراب بعد مقتل جراح شاب على يد متعاطي مخدرات مطلوب وبعدما قدم الضحية قبل مقتله شكوى رسمية في أحد المراكز الأمنية من المرجح أنها لم تتابع. بالتزامن تداولت الأنباء العديد من الأحداث الأمنية التي لم يتم التعامل معها بحزم مثل الاعتداء بالهراوة على الملحق الثقافي الصيني في سفارة الصين في عمان وضرب مواطن سعودي في الشارع العام وتسريبات عن «انزعاج قضائي» من هيئة المطلوبين الجنائيين الذين يتم إحضارهم للتحقيق القضائي بعد ضربهم.

المشكل الأمني الأبرز ظهر في معان حيث «احتكاكات» بين الأجهزة الأمنية في الميدان وتقديرات متفاوتة وأداء غير مهني وضعف تنسيق واعتداءات دركية يشتكي منها الأهالي وتخدم التنظيمات الجهادية المستقرة نسبيا.

كل ذلك حصل وجميع السياسيين يعرفون أن العلاقة الشخصية كانت «مضروبة» تماما بين مدير الأمن العام ووزير الداخلية، الأمر الذي ترك لعدة أشهر بدون معالجة وساهم في التأثير بالصورة السلبية التي تحدث عنها البيان الرسمي حول التقصير وضعف التنسيق بين الأجهزة.

في كل الأحوال وبسبب حساسية الظرف الإقليمي لم يكن من الممكن لأصحاب القرار إظهار المزيد من المرونة والصبر، خصوصا في مدينة معان وعلى المستوى الأمني، الأمر الذي قاد لإخراج الجنرالات الثلاثة من المستوى الإداري. في المقابل وعمليا لا توجد ضمانات بأن الجنرالات الثلاثة مسؤولون وحدهم فقط عن مظاهر التقصير الأمني ولا دلالات على أن مغادرتهم على النحو المثير الذي حصل يمكنها ان تعالج مؤشرات التقصير أوالخلل في المنظومة الأمنية.

الجديد هو أن اللغة الرسمية تستخدم لأول مرة عبارات قاسية بالاعتراف بالتقصير وتغادر منطقة «الإنكار» المألوفة وهي تعترف بحصول خلل كبير في منظومة الأمن التي لا تشمل المسؤولين المقالين فقط.

هل يعكس الاتجاه الجديد ثقافة رسمية جديدة ستغادر منطقة الإنكار دوما وتبدأ بالمعالجة على أساس الاعتراف بالمشكلات؟ لا أحد يمكنه الآن الإجابة على مثل هذا السؤال وإن كان الإجراء قد حقق قدرا من الاسترخاء لدى النبض والرأي العام وأوحى بأن المرجعيات تتصرف في اللحظة المناسبة لإن «إقالة» مسؤول بارز بتهمة التقصير وعلنا «حدث كبير» ونادر وغير مسبوق ويخالف تقاليد النخب والإدارة في بلد كالأردن.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.