انسحاب مشروط .. / د. عفيف دلا
د. عفيف دلا ( سورية ) الجمعة 11/5/2018 م …
نعم فعلها ترامب .. ولم لا ؟! أعلن انسحابه من الاتفاق النووي مع ايران .. وهي خطوة متوقعة لأسباب عدة .. فهو في حملته الانتخابية كان يؤسس خطابه على نقد سياسة أوباما الداخلية والخارجية .. وبالتالي لا بد من الانقضاض على الاتفاق الذي أبرمه أوباما مع إيران .. وهو بذلك يطبق ما ذهب إليه في حملته الانتخابية .. ويتقرب أكثر من اللوبي الصهيوني في أمريكا الذي يعتبر إيران الخطر الأول على وجوده وخاصة بعدما وصلت إيران إلى المتوسط من البوابة السورية وبالأخص في المرحلة التي بات انتصار سورية وحلفائها قاب قوسين أو أدنى .. وبالتالي بدأت منظومة حلفاء سورية تبلور وجودها في الساحة السورية وترسم بذلك حدوداً جديدة للاشتباك وقواعد مستجدة للصراع على خلفية انهزام المشروع الصهيو أمريكي القائم على الإرهاب ، وهذا دافع قوي جداً لفتح جبهة جديدة على المستوى الإقليمي تستنزف فيها منظومة حلفاء سورية مباشرة ، ويتم بالتوازي استنزاف الأموال الخليجية وصبها في جيوب الخزانة الأمريكية ..
لقد أعلن البيت الأبيض فور خبر الانسحاب من الاتفاق أن أمريكا تسعى لفرض قواعد تفاوض جديدة أمام إيران .. بمعنى أن هناك أسس جديدة للعلاقة مع إيران غير تلك التي أرساها الاتفاق النووي، وبالتالي على إيران تقديم المزيد ، وعلى أعداء إيران تقديم المزيد وعلى رأسهم النظام السعودي الذي يحاول شراء سيادته على المنطقة بالمال من جهة وبالانبطاح العلني للشريك الإسرائيلي من جهة أخرى، وهذا أمر جيد لترامب فهو سيسمح بتدفقات مالية جديدة للخزانة الامريكية التي باتت استراتيجيتها تقوم على إدارة الصراعات العالمية عن بعد دون الحاجة لأي تدخل مباشر ، فيكفي أن تدير الولايات المتحدة ملفات الصراع عن بعد لتبدأ تدفقات المال إلى جيوبها ..
أما الموقف الأوروبي الرافض للخطوة الامريكية فهو يجد نفسه خارج حدود الاستفادة من هذه الخطوة، فلا مصلحة أوروبية من خسارة ما تبقى من الشرق الاوسط وخاصة بعد فشل الرهان الكبير في سورية ، فضلاً عن أن أوروبا تشعر اليوم أن الولايات المتحدة على وشك استنزاف المنطقة بالكامل وتركها حطاماً لا قيمة له ، وبالتالي الاستفراد بالكعكة الخليجية دون أي حصة أوروبية وهو ما تعارضه حكومات الدول الأوروبية في الحقيقة ، وليس من منطلق الحرص على ايران ودورها في المنطقة .. فهم يعلمون أن النظام السعودي سيذهب أبعد ما يكون في تمويل أي حرب ضد إيران ولكن أمواله هذه المرة ستذهب للجيب الامريكي فقط.
إن توقعات وقوع حرب إقليمية كبرى على الرغم من كل هذا التهويل والتصريحات يبدو غير واقعي ؛ فالهدف ليس الحرب في الواقع بقدر ما هو استمرار حال الاستنزاف بما لا يسمح للقوى الإقليمية والدولية الحليفة لسورية أن تتموضع على ضفة انتصارها على مشروع الارهاب وبالتالي أن تشكل خارطة مصالح جديدة إقليمية ودولية، فالحرب الإقليمية لا يمكن أن تقف عند حدود ضيقة بل لا بد أن تتوسع لتصبح حربأ أشمل وبالتالي يصبح فرز القوى المتصارعة أكثر حدة وتمسي منظومات المصالح الاستراتيجية لكل الأطراف في دائرة الخطر الداهم ..
إن الولايات المتحدة اليوم تسعى لتخريب واسع النطاق على مستوى المنطقة ، تخريب لا يبقى ولا يذر ، ولا يسمح بدوره لأي قوى إقليمية أو دولية أن تستطيع الخوض في مرحلة إعادة الإعمار بمفردها ، وبالتالي تكون الولايات المتحدة قد استثمرت في الخراب وفرضت نفسها على طاولات التفاوض لاحقاً كشريك في الاعمار، ولا يهم إذا ما قتل الملايين من البشر وجاعت شعوب بأكملها وأبيدت جغرافيات عن بكرة أبيها .
وفي الحقيقة إن إسرائيل اليوم لا تقوى على خوض حرب على غرار حرب تموز في لبنان رغم كل ما تقوم به من استفزازات على طرفي الحدود السورية واللبنانية وحتى باعتداءات على مواقع معينة في العمق السوري أو اللبناني ، فهي تريد أن تستعيد هيبتها المسفوكة على صخرة المقاومة مستفيدة من الواقع الحاصل اليوم وإمكانية استهداف مصالح إيرانية في سورية لإيصال رسالة مفادها أنه من غير المسموح لإيران الاقتراب من الحدود مع فلسطين المحتلة من البوابة السورية أو اللبنانية، وبالتالي تضع قواعد اشتباك جديدة امام منظومة المقاومة، فالاستعداد الاسرائيلي للحرب هو استعراض عضلات لإعادة تعويم القدرة الاسرائيلية على ردع محور المقاومة ، وبالتالي هو استعراض مسقوف سلفا بالمعنى العسكري لأن استراتيجية إسرائيل الأمنية والعسكرية اليوم لا اعتقد انها تسمح بخوض حرب توضع فيها مجدداً على محك مواجهة مع ايران فضلاً عن تلك التي خاضتها مع حزب الله في 2006 بتداعياتها الكارثية .
لذلك إن الصراع اليوم هو على رسم حدود القوى الاقليمية والدولية في الشرق الاوسط وتحديد مناطق نفوذها الاستراتيجية وخاصة في مرحلة قرب حسم الساحة السورية ، ولا ضير من مناوشات عسكرية هنا او هناك وتهديد ووعيد على المنابر ووسائل الاعلام فذلك جزء لا يتجزأ من جوهر الصراع نفسه .
التعليقات مغلقة.