المراحل الأولى من صراع القدس / يحيى محمد ركاج

نتيجة بحث الصور عن يحيى ركاج

يحيى محمد ركاج* ( سورية ) الجمعة 11/5/2018 م … 

*باحث في السياسة والاقتصاد …




أتى توقيت الرابع عشر من نيسان للعام الحالي أو أبريل كما يتم تسميته في بعض الدول بمثابة مؤشر عصر جديد أرخى بظلاله على كل ما يجري من أحداث على مستوى المنطقة والعالم، إنطلاقاً من ارتباط السيطرة على العالم بالسيطرة على المنطقة، ولعل الحدث الأبرز في تأثيرات هذا اليوم الفاصل في حياة الصراع على منطقة شرق المتوسط يتجلى في أمرين مترابطين بأسلوب غير مباشر، الأول النتائج الأولية للانتخابات اللبنانية التي ينظر إليها البعض بصورة أحادية الجانب على أنها ذريعة لتغيير الأسلوب الصهيوأمريكي في الاعتداء على المنطقة أسوة بأحداث 2006 في لبنان و2007 في غزة، والثاني هو تبلور الصراع حول القدس في صورة جديدة، نجم عنها خروج الدبلوماسيات الدافئة عن طورها المعهود في دس السم في العسل، كما نجم عنها أيضاً تضييق الخناق أكثر على الفلسطينيين المؤثرين في دعم النضال الفلسطيني في القدس من قبل الكيان الصهيوني المحتل، الأمر الذي تبلور في شرذمة القضية الفلسطينية في فوضى الصراعات المفتعلقة أولاً، ثم محاولة تقزيمها لتصبح قضية أحزاب متنافرة ومتناحرة، ومجالس تسعى لكرسي الحكم المتصهين بمسميات مختلفة، وصولاً إلى جعلها في مرحلتها الحالية قضية ترسيم حدود وهياكل حكم، حتى يتسنى الانتقال لمرحلة جديدة من الصراع تصبح فيه هذه القضية من قضايا الاقتراع في المجالس الأممية بحماية التراث من خلال المحافظة على الكوفيه الفلسطينية أو السماح للنائب العربي بالبرلمان أن يلبس الزي الفلسطيني.

وقد تبدو القصة للوهلة الأولى من نسج الخيال، لكن تسارع وتيرة الأحداث التي تشهدها المنطقة لم تعد تستبعد أي شيء، فعندما كتبت مقالتي صراعات الفوضى: الصراع الصهيوماسوني الأخير كنت أتوقع أن ننتقل إلى الصراع التالي وهو الصراع الدائر حالياً حول القدس خلال عقد من الزمن أو أقل من عقد بقليل،إلا أن الأمر لم يستغرق سوى ثلاث سنوات ونيف حتى أصبح واقعاً مريراً يحاول البعض التهرب منه بطيه أو باستبعاده أو حتى إنكاره.

فإذا مانظرنا إلى تسارع وتيرة الأحداث التي شهدتها الألفية الجديدة وترابطها بما فيها الأزمة المالية العالمية التي يعتبرها البعض أنها الوحيدة التي أثرت في الاقتصاد الأمريكي، فإننا نجد أنها في بعض جوانبها السلبية جميعها مرتبطة بإنهاء قضية القدس أولاً وأخيراً، من خلال عدة سناريوهات متجددة ارتبطت بتحقيق عدة أهداف فرعية متجددة أيضاً فرضها عليهم خروج أو تحرر البعد القومي بقيادة سورية عن السقف المرسوم له ليكون مطية لتنفيذ أهدافهم، حيث عملوا على:

–          تعظيم قوة الجماعات الإسلامية المزيفة بغية تشويه الإسلام واختراقه، وإضعاف القومية العربية وتقزيمها، ومن ثم توجيه هذه الجماعات لاستنزاف القوى التي تحكمها عقيدة أن القدس هي بوصلة الصراع العربي الصهيوني، وأن صراع فلسطين هو صراع وجود وليس صراع حدود.

–          السيطرة على مكامن الثروات العربية خشية أن يتم استثمارها في الصراع العربي الصهيوني من جهة، ولأنها استراتيجية الغرب المستعمر القائم على تجديد المجدد من جهة أخرى.

–          اختراق الجماعات التي لم تكن مخترقة سابقاً عبر مغريات الحكم وضروراته لتحقيق النصر بعد تصفية القادة الذين يدركون حيثية الصراع.

–          تعظيم مكامن الخطورة لكل من ينادي بالقدس عاصمة عربية إسلامية بما فيهم خطورة الملف النووي الإيراني بغية تقديم الذرائع لإحياء استراتيجيات قديمة تبيح التعامل معها.

–          إظهار القوى الفارغة في المنطقة وكأنها هي القوى السيادية التي تحرك ملفات المنطقة عموماً، سواء أكان ذلك بالإعلام أم الأموال أم المعونات المقدمة لها كنوع من بيع السيادة.

–          تشويه المفاهيم القيمية واختراقها عبر بعبع الماسونية الخفي، من خلال إظهار كل ما يخص الحضارة بأنه مرتبط ماسونياً مع إظهار بعض مراسم المحفل الماسوني للعلن في سابقة غير متوافقة إطلاقاً مع المارد المرسوم للماسونية نفسها.

–          التحكم بمعايير جودة الحياة التنموية التي تنال من صمود الشعوب، كما يحدث حالياً في القدس، وفي البلدان التي لا تزال تعتبر القدس بوصلة الصراع (سورية والجزائر كنموذج).

ونجد أيضاً في بعض جوانبها الإيجابية أنها تشير إلى اضطرار الدول الاستعمارية المعتدية بعد أحداث الرابع عشر من نيسان (ابريل) للعام 2018 في جعل أهم ركائز الصراع الحالي من وجهة نظر المعتدين تتجسد:

1-      إنهاء قضية حق العودة عبر وطن بديل يتم العمل عليه ليكون بين مصر والأردن كما كان يتم التخطيط له أن يتم عبر لبنان والأردن في ماقبل العام 2005.

2-      إلهاء الشعوب الصامدة في معركة جودة الحياة التي تخضع كلياً للسيطرة الغربية في ظل تغافل الشعوب العربية عن أهمية البناء من جهة، وفي ظل توجيه الأموال العربية لخدمة التصور الصهيوأمريكي من جهة أخرى.

وعلى الرغم من إدراكنا أن ماحدث في العدوان الثلاثي على سورية لم يخرج عن إطار دراما صهيوأمريكية لاستعراض القوة وسرقة أموال العرب، إلا أن ما قبل صد هذا العدوان ليس كما بعده حتماً، فسيناريو الإخراج والبصمة السورية عليه قد صدما القوى الصهيوأمريكية المعتدية، الأمر الذي يجعلنا أمام خيارين لا ثالث لهما:

–          الأول تكرار تجارب الحقبة الخمسينية والستينية الماضية بتسهيل قيام دولة وحدة عربية لن يتاح لها الإنسجام والانصهار في بوتقة قومية واحدة ليعقبها تفكك ومن ثم نكسة وإندحار.

–          الثاني صحوة عربية قومية قوامها العدالة والنزاهة في مؤشرات التنمية والحكم الرشيد على مستوى الوطن العربي من محيطه إلى خليجه يقود –بغض النظر عن قيام دول عربية متحدة- الحلف المعتدي إما إلى مواجهة شاملة تنهي أطماعه في المنطقة، أو إلى البحث عن بديل يحقق له وجوده بعيداً عن منطقتنا وهو ما يتم العمل عليه من قبل الصهيونية العالمية في إفريقيا تحسباً لأي طارئ يواجههم.

ليبقى أمامنا أن نتذكر في المرحلة القادمة أن نيل المطالب لن يتحقق بمجرد الأمنيات.

عشتم وعاشت الجمهورية العربية السورية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.