الابداع التقليدي والابداع الفجائي ! / هاشم نايل المجالي
هاشم نايل المجالي ( الأردن ) السبت 12/5/2018 م …
الابداع فعالية انسانية نتجاوز من خلالها المعتاد ونتخطى ما هو مألوف وسائد من اجل انتاج افكار مغايرة لما هو تقليدي ، وهو يرقى بالمجتمعات ويواجه تحديات المستقبل فهو رمزي وجمالي ، فهناك ابداع الصانع التقليدي يبرز من خلاله قدراته الابداعية مثلاً عندما يزخرف طاولة ويبين مهاراته الابداعية او ينسج السجاد بألوان حديثة وجميلة أو زخرفة الاواني والنحاسيات والديكورات الخشبية وغيرها حيث تصبح الاشياء جميلة .
فالابداع يجب ان يتم تطويره كبرهان للمستقبل وتحدي له علينا ان نتجاوزه فلقد اصبحت دولة مثل الصين تصنع سجادة الصلاة باشكال والوان متعددة وعليها احياناً بوصلة ، كذلك المسابح باشكال والوان زاهية ، حتى المظلات الخاصة بالحجاج ومن يذهبون الى العمرة ، وهكذا فعلينا ان نركز ايضاً على الابداع التقليدي وللمصنوعات الحرفية والصناعات الخفيفة والتي تستهلك اموالاً طائلة ولا تحتاج الى اجهزة حديثة ومتطورة مكلفة ولا الى عقول نابغة بل الى امكانيات بسيطة وتدريب وتأهيل .
فسجاد بني حميدة كان يباع بالدول الاوروبية بمبالغ كبيرة ، كذلك الحلي التقليدية وكانت تصنع بأجهزة بسيطة غير معقدة فهناك ابداع فردي وهناك ابداع جماعي ، فالانسان لديه قدرات وجهد ذاتي يولدان اتجاه نفسي لقدرات ابداعية من اجل الابداع الفني والحرفي ، خاصة اذا وجد من يدعم ويتبنى ذلك ، فهذا مجال مفتوح للابداع وتفجير القدرات الابداعية ، كذلك الابداع الجماعي لتغطية وتلبية الاحتياجات الداخلية والخارجية ، فالصناعات التقليدية اذا ما تم تطويرها بابداعات عصرية ودعم القائمين عليها وتسهيل حصولهم على الوسائل والمعدات بكل يسر لتطوير هذه الصناعات فانهم سوف يحتضنون المستقبل بكل تحدياته وفي الدول المتحضرة هناك قرى حرفية تمتاز بصناعتها التخصصية .
فالابداع قدرات وابتكارات ومهارات كذلك فان الدول المتحضرة تركز على الابداع التدريجي المتسلسل منذ الطفولة والمدرسة والجامعة والتدريب بكافة المراحل العمرية ، وليس الابداع الفجائي الكثيف بطفرة واحدة كذلك استكشاف القدرات الابداعية لدى الموظفين والعاملين من خلال تفكيرهم وبناء تصوراتهم لتطوير الاداء اثناء عملهم .
ومن ثم الابداع في ترجمة ذلك عملياً بحيث يكون ذلك من خلال منصة داخلية واحدة فرعية ، داخل المؤسسات والشركات واخرى منصة ذات مظلة شمولية ، تتلقى هذه الابداعات وتتبناها لتعممها حسب حاجة الجهات منها خاصة في مجال البرمجيات ودورها في ادارة العمليات واتخاذ القرارات السليمة وانعكاسها على التطبيقات المختلفة لتحقق مردوداً ايجابياً في ظل المنافسة في تقديم الخدمات المميزة .
وكما نعلم فان الابداعات الفجائية في الدول المتحضرة والمتطورة من السهل ان تكون سريعة لتوفر القدرات والامكانيات المساندة والمساعدة لذلك كما نشاهد ذلك بالهواتف الخلوية واجهزة التلفزيون والسيارات والكمبيوترات بانواعها والريبوتات والاجهزة الكهربائية الاخرى المختلفة وغيرها ، حيث ان صناعتها لدى هذه الدول والمنافسه بينها تكون بحجم الابداع الفكري والتقني لها ، ليقبل عليها المستهلك في دول العالم الثالث الذي يعتبر الزبون والمستهلك الرئيسي لها ، فهناك بالدول المتحضرة الذكاء الصناعي ، التي تحدد احتياجات السوق وطلباته ونوعية رغباته ومتى يتم اتخاذ القرار لانتاج المنتج على مراحل .
فهناك خطط تسويقية كذلك هناك الابداع التعاوني بين مخرجات الجامعات ومختبراتها وابحاثها مع الشركات والمؤسسات المختلفة خاصة الصناعية وشركات الخدمات ، حيث يتم تبني الافكار الابداعية لتطويرها لتحقيق بيئة متكاملة تجعل من الابداع مردوداً مالياً وفكرياً تطويرياً ، والتقليل من العبء بالاستهلاك والجهد البشري او المخاطر من الوضع التقليدي بتطوير عوامل الآمان والسلامة العامة لتوفر مختلف انواع الحمايات من سوء الاستعمال والاستخدام خاصة بالمصانع والكثير من المنتوجات الصناعية ، وكما نلاحظ ذلك بالسيارات التي اصبح فيها الكثير من عوامل الآمان والسلامة العامة والاستشعار عن بعد للرؤية والكوابح التي تعمل لوحدها بوجود حساسات استشعار عن بعد والتحكم عبر طارة الاستيرنج بكل شيء وغيرها .
لذلك علينا ان نتبنى استراتيجية وطنية ليشمل الابداع وتطويره كافة المراحل التقليدية والحديثة وان توفر الوسائل والامكانيات لكافة الاعمار ولكافة المراحل ، وان لا يبقى محصوراً في مؤسسات محددة فقط بل التعميم لزيادة الفائدة لتحقيق فرص النجاح المختلفة هنا وهناك ، الدول الاوروبية والكبرى تعتبر الصين ( مصنع العالم ) ، حيث ان اقتصادها من اكثر الاقتصادات نمواً وصلابة وقدرة على المنافسة وعلى مواجهة الازمات ، لكن الصين من اقل الدول احتراماً للبيئة وفيها اختلالات عميقة اجتماعية وصناعية وتكافؤ للفرص .
لذلك قامت الحكومة بمراجعة عميقة من اجل اصلاح الخلل حتى لا تنتظر الانهيار حيث يعتبرون من المقلدين البارعين للصناعات ، ويستنسخون العلوم وغيرها مسوقين لأنفسهم على اساس كونهم الاكثر قدرة على الابداع والابتكار ، وهم الاقدر على الابداع والابتكار بسبب توفر الطاقات البشرية المؤهلة لذلك .
فهناك حقيقة المستقبل التي لا تقبل المهادنة لذلك تعمل جاهدة على مراجعات عميقة وتضحيات جسيمة ليخرجوا باقتصادهم من دائرة التصنيع للاجهزة والبضائع المقلدة الى دائرة خلق الابداع في التصنيع ، خاصة ان هناك غارات صامتة موجهة الى الصين ، لذلك تعمل الصين على استراتيجية تسمى بقوة التنين الناعمة وهذه القوة القادمة تحمل في طياتها جوهر الابداع الذي هو قائم على الاقناع ومن ثم الاقلاع نحو العالم بصناعة الاسلحة العابرة للقارات والصناعات المختلفة .
فهل سنعمل نحن في هذا الوطن والذي تتوفر فيه طاقات بشرية مبدعة وخلاقة على استثمار الابداع في التصنيع بانواعه وكثقافة ، ام سنبقي هذا الابداع ضمن دوائر مغلقة تحظى بالاهتمام دون الغير ، وهل سنبقى مقلدين ام مبدعين ، حتى نقلع خاصة ان هناك دولاً مجاورة تحتاج لكل شيء ولا تقبل الا بالصناعات الحديثة المبتكرة والمبدعة والمتطورة ، فهل سيتحقق ذلك على مستوى فردي ام جماعي ام وطني ، ونستغل الدعم الحكومي او الخاص او الخارجي .
المهندس هاشم نايل المجالي
التعليقات مغلقة.