أيها الفقراء إذا لم تجدوا خبزاً فلتأكلوا بسكويتاً / د.حسين عمر توقه
د.حسين عمر توقه* ( الأردن ) الأربعاء 20/5/2015 م …
*باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي
من أقوال جان جاك روسو “الناس الذين يعرفون القليل يتحدثون كثيراً . أما الناس الذين يعرفون الكثير فلا يتحدثون إلا قليلاً “.
وفي كتابه (الإعتراف ) أورد مقولته المشهورة ” إذا لم يكن هناك خبز للفقراء … دعهم يأكلون كعكاً ” على لسان الملكة ماري أنطوانيت آخر ملكات فرنسا بالرغم من أنه لا يوجد دليل على ذلك .
في العصور المظلمة من التاريخ وبالذات في عصر الإقطاع في ظل النظام السياسي والإقتصادي الذي ساد أوروبا منذ القرن التاسع وحتى القرن الرابع عشر. كان الملوك والأمراء من خلال قلاعهم وقصورهم المحصنة يعمدون الى فرض الضرائب والخاوات والأتاوات والجزية على القرى الزراعية . وفي حال تأخر أفراد الشعب في دفع هذه الضرائب كان الملوك والأمراء يبعثون بجيوشهم وفرسانهم ليحرقوا المحاصيل والأكواخ في القرى وليعودوا ببعض الرهائن. واستمرت هذه الظاهرة قرنا بعد قرن حتى شهدت أوروبا مرحلة جديدة في مدلولاتها ومعانيها ونتائجها حيث برزت الثورة الفرنسية والتي تعتبر من أعظم الثورات في تاريخ الشعوب لا سيما في المرحلة الأولى والتي امتدت من شهر يوليو 1789 لغاية أغسطس 1792 إبان الفترة الملكية وهي في نظر الكثيرين قد حققت نقلة سياسية نوعية من نظام ملكي مطلق إلى نظام جمهوري عادل أُقر بموجبه مبدأ فصل السلطات وفصل الدين عن الدولة وتحقيق المساواة بين أبناء الشعب في الحقوق والواجبات والتأكيد على حرية التعبير
وتم القضاء على النظام الفاسد من استئثار فئة قليلة من المقربين الفاسدين المستأثرين بثروات الوطن ومن فرض ضرائب لا أول لها ولا آخر وتم إلغاء الإمتيازات لطبقة النبلاء ورجال الدين ومصادرة أموال الكنيسة كما أقرت الثورة مبدأ مجانية وإجبارية التعليم والعدالة الإجتماعية .
كانت الملكة ماري أنطوانيت ملكة فرنسا وزوجة الملك لويس السادس عشر إبنة الملكة ماريا تيريزا ملكة النمسا . كانت صغيرة جميلة وذكية وقد ملت رتابة الشكليات الرسمية لحياة البلاط الملكي واتجهت للترويح عن نفسها بالحفلات وفي البذخ والترف لا سيما في إنتقاء الملابس الفاخرة والغالية حيث أصبحت رمزا للأناقة في أكثر من بلاط ملكي في أوروبا . كانت دائمة السفر وهداياها باهظة الثمن .
وتدخلت في الحكم فعمدت إلى عزل الكثيرين من الوزراء المصلحين الذين طالبوا بتخفيض النفقات الملكية وقامت بتعيين وزراء من المحسوبين عليها من أجل زيادة نفقاتها وتلبية متطلباتها عن طريق فرض ضرائب جديدة مثل ضرائب العشور التي فرضت على الفلاحين من أجل مقاسمتهم في أثمان المحاصيل .
وكانت تتفاخر دوما بجنسيتها النمساوية ولا ننسى أن هناك عداء تاريخيا بين فرنسا والنمسا وأن الشعب الفرنسي كان يكره الملكة النمساوية أصلا ولكنها في نهاية المطاف أصبحت صاحبة الكلمة العليا في فرنسا قبل الثورة لا سيما وأن الملك لويس السادس عشر كان حسب ما وصفته زوجته الملكة ماري أنطوانيت بأنه ضعيف الشخصية متردد غير متوازن مما أفسح لها المجال لتكون السيدة المطاعة وصاحبة الكلمة العليا في فرنسا لا هم لها سوى الترف والسلطة .
لقد واجهت فرنسا أزمة اقتصادية كبيرة نتجة التكاليف التي تكبدتها فرنسا جراء تدخلها في حرب الإستقلال الأمريكية وجراء الجهود المتواصلة من أجل غزو بريطانيا . وتفاقمت هذه الأزمة نتيجة النظام الضريبي غير العادل صاحبه سؤ في الأحوال الجوية وتعرض البلاد إلى عواصف ثلجية باردة قضت على المحاصيل الزراعية وأحرقت الأرض ولم يعد بإمكان المزارعين شراء البذور وتوجه الكثيرون منهم إلى باريس يستجدون لقمة العيش من الأغنياء في المدينة .
وكلما زادت الضرائب زاد الفقر وكلما زاد الفقر زاد الجوع والجوع كما تعرفون كافر . وكلما حاول رجالات الدولة المعتدلين إسداء النصح إلى الملك لويس عمدت الملكة إلى استبدالهم .
وبتاريخ 11/7/1789 قام الملك لويس بتأثير من زوجته ومن النبلاء المحيطين به بعزل ونفي وزير المالية ( جاك نيكر ) الذي اقترح على الملك أن يقوم بحركة إصلاح ضريبي يقوم من خلاله رجال الدين وطبقة النبلاء بدفع الضرائب للتخفيف عن طبقة الفلاحين نظرا لسؤ أوضاعهم وضياع موسمهم في ذلك العام .
وفي اليوم التالي بدأت الثورة على أيادي الشباب من أبناء المزارعين حال سماعهم نبأ إقالة ( جاك نيكر ) وقاموا بمهاجمة المراكز الجمركية وبدأ سكان باريس ومئات الفلاحين بسلب اماكن تخزين المواد الغذائية وهاجموا أماكن تخزين السلاح وأخذوا يبحثون عن االبارود وقام الملك بحشد الجنود حول قصر فرساي وتم فرض حصار على مدينة باريس من قبل 25 ألف من القوات الفرنسية وخشيت الجمعية الوطنية التأسيسة أن تقوم هذه القوات بإغلاق الجمعية الوطنية التأسيسية وتم عقد إجتماع حاشد تجاوز في عدده عشرة آلاف من أفراد الشعب قام فيه عضو الجمعية ( كاميل ديمولين ) بإلقاء كلمة حماسية وهو يحمل المسدس بيده قال فيها ” أيها المواطنون لا يوجد وقت لنضيعه إن عزل نيكر هو دق ناقوس سانت بارثولومو للوطنيين هذه الليلة بالذات ولم يبق لدينا غير خيار واحد وهو حمل السلاح.
ونحن في هذه العجالة لا نريد استعراض مراحل الثورة الفرنسية ومجرياتها ولكن مرحلتها الأولى انتهت خلال ثلاثة أيام بعد عزل جاك نيكر وزير المالية أي منذ 12/7/1789 لغاية 14/7/1789 حيث تم اقتحام سجن الباستيل رمز الإستبداد وتبعه قيام مندوبي المجلس الوطني المطالبة بإسقاط نظام الحكم الملكي المطلق واستبداله بنظام ملكي دستوري والعمل على إلغاء امتيازات رجال الدين والنبلاء . وأعلنوا أن البشر ولدوا أحرارا متساوين في الحقوق وأن القانون هو المعبر عن إرادة العامة ولكل مواطن الحق في المشاركة في تأسيس هذا القانون . وفي أيلول عام 1792 ألغيت الملكية وأصبحت فرنسا جمهورية وبكل أسف فلقد شهدت الثورة الفرنسية إنشاء محاكم ثورية ولقد تم منذ أيلول 1793 حتى آب 1794 إعدام أكثر من 16 ألف من أتباع النظام السابق وتم حبس المسجونين السياسيين والنبلاء والكهنة والوزراء والجنرالات السابقين ووصفت هذه الفترة بالإرهاب لأن الثورة أخذت تلتهم أبناءها . وفي عام 1804 ظهر الدستور الشرعي الجديد المدني وبعد مائة عام أي بتاريخ 14/7/1889 تم الإحتفال بهذا اليوم بإعتباره العيد الوطني لجمهورية فرنسا.
إن ما يهمنا هنا أنه بتاريخ 20/6/1791 خرجت العائلة الملكية متنكرة في عربة متجهة للحدود الشرقية لفرنسا ولكن أحد المواطنين تعرف على الملك من خلال صورته المطبوعة على العملة الورقية وتم إيقاف الملك والملكة وأعيدا تحت الحراسة إلى باريس . وبتاريخ 10/8/1792 أوقف الملك عن تولي أمور مملكته ونقل هو عائلته إلى سجن ” المعبد “ وتمت محاكمته وحكم عليه بالموت بقطع الرأس ونفذ الحكم بتاريخ 21/1/1793 في ساحة الكونكورد . بينما تم إعدام الملكة ماري أنطوانيت بتاريخ 16/10/1793 بعد أن قيدت بعربة مكشوفة دارت بها في شوارع باريس وقصوا شعرها الطويل ثم وضعوا رأسها الصغير في المكان المخصص في المقصلة التي أطاحت برأسها . وتم دفنها ولم تأخذ معها أيا من مجوهراتها أو فساتينها
التعليقات مغلقة.