فلسطين تكشف الحقيقة من الرفض الى التطبيع / إيمان شمس الدين
إيمان شمس الدين ( الثلاثاء ) 15/5/2018 م …
الكتابة عن شخصيات رمزية من جهة وثقيلة من جهة أخرى تجلب لصاحبها العناء، كونه لا يريد أن يمجد أحد ولا يريد في ذات الوقت الانتقاص من رمزية وموقع أحد، وعندما يكون الكلام عن شخصية كشخصية الشيخ عيسى قاسم يزداد العناء لثقل هذه الشخصية من حيث التاريخ وصناعة أحداثه، ولرمزيتها المتقدمة في وسط أتباعها، وهو ما يتطلب حذر واتزان في البين حتى لا نقع في إفراط أو تفريط.
ولأنني أريد تسليط الضوء على فلسطين فسأكتفي بإضاءة هذا الجانب من شخصية الشيخ عيسى قاسم ودوره في الساحة البحرينية وغيرها في إبقاء هذه القضية التاريخية حية ونابضة في قلوب الجماهير ، رغم التقادم الزمني و التواطؤ الكبير من قبل الأنظمة والتخب، بل من قبل كثير من أصحاب هذه القضية.
وقد جاءت زيارة الوفد البحريني الأخيرة للكيان الصهيوني لتتوج مسار التطبيع العلني للبحرين، خاصة أنها كانت في نفس الفترة التي أعلن فيها ترامب عن القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وقام النظام البحريني بمنع البحرينيين من التطاهر تعبيرا عن رفضهم لهذا القرار الخطير.
هذا فضلا عن موقف وزير خارجية البحرين الأخير الذي أعلن فيه صراحة حق الصهاينة في الدفاع عن أنفسهم بعد أن قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقصف مواقع استراتيجية في الجولان المحتل، وشجب القصف الإيراني في موقف تطبيعي خطير كسابقة في الوطن العربي والخليجي بالذات، حيث باتت المواقف الانبطاحية علنية أمام كل الشعوب، وخاصة الشعب البحريني الذي رغم ما يتعرض له من قمع إلا أنه لم ولن ينس فلسطين، بل هي من قضاياه المصيرية.
وعادة في معالجة القضايا المصيرية نسلط الضوء على المحرك الرئيسي فيها لا الأدوات، كي نكشف مواقف الشخصيات من المحركين فينكشف لدينا حقيقة كثيرين وتسقط أقنعة كثيرة، خاصة الأنظمة التي تمارس وجهين في سياساتها الداخلية والخارجية.
و كلنا يدرك أن المحرك الرئيس للكيان الصهيوني بل الداعم له بالمال والسلاح والتكنولوجيا والتدريب هي أمريكا.
وقد كان للشيخ عيسى قاسم موقفا واضحا من الولايات المتحدة الأمريكية صرح به غالبا في خطب الجمعة فقال في أحدها ” “أميركا لها ميزان واحد ومقدس واحد ليس هو إلا مصلحتها المادية وقبل ذلك المصلحة المادية لكبار ساستها والطامعين في رئاستها والمراكز السياسية العليا فيها”.
وفي يوم القدس العالمي كان للشيخ عيسى قاسم دعوته العامة لتعبئة الجماهير رغم حجم معاناتهم الداخلية من ظلم النظام البحريني لهم كشعب، إلا أنهم رغم آلامهم لم يحيدوا أبدا عن نصرة القضية الفلسطينية في كل ساحة وميدان تحتاج فيه القضية إلى ذلك، وكلنا يتذكر الشاب البحريني محمود الجزيزي الذي قتل بيد القناصة بسبب مسيرة غضب لأجل فلسطين عبر فيها الشاب عن غضبه عند السفارة الأمريكية فقتلته رصاصات الغدر.
وقد قال الشيخ عيسى قاسم في يوم القدس العالمي ذات مرة : ” يوم القدس العالمي هو يوم فلسطين التي نسيتها الأكثرية من الحكومات العربية أو باعتها رخيصة لحساب تبعيتها لخارج الأمة وتنكرا لها”
وطالما ناقش الشبخ عيسى قاسم قضية الاضطهاد والظلم الذي تعانيه الشعوب العربية والإسلامية وطالب بعملية إصلاح وتغيير شاملة ترفع ظلم الأنظمة عن شعوبها، و تنهض بالأوطان لتضعها على سكة التقدم والتطور.
فكان يرى الشيخ عيسى قاسم أن القضية الفلسطينية ذات أبعاد إشكالية متعددة تحتاج مقاومة ونهضة:
- البعد الخارجي المتعلق بأمريكا والغرب ودعمهم للكيان الصهيوني دعما متحيزا ضد الفلسطينيين.
- البعد الداخلي المتمثل في :
- تواطؤ الأنظمة الحاكمة مع أمريكا والغرب في دعم الكيان الصهيوني وبيع القضية الفلسطينية في قبال البقاء في الحكم. وكانت أمريكا تشكل غطاء داعما لهذه الانظمة رغم جرائمها الحقوقية بحق شعبها، وقد أشار الشيخ عيسى قاسم ذات مرة متسائلا : “ما تفسير الموقف الأمريكي المتباين من حكومات تتساوى ظلما وتسلطا ودكتاتورية واستبدادا ونهبا وسرقة وعبثا بمصير الشعوب، ومن شعوب تشترك في المعاناة والمأساة من هذه الحكومات وتصادر حريتها وتؤد إرادتها وتحارب وتجهل وتمزق بثرواتها على يد الساسة المتسلطين عليها”، وقال إن “حكومة من هذه الحكومات تدان علنا وتناصر خفاء “موقف أمريكي” حتى يتم اليأس منها ويعثر على بديل مناسب لها، وحكومة أخرى يتدخل ضدها بالسلاح وبالصورة المكشوفة، وثالثة تغازل وتدلل وتكرم لقمع شعبها، وشعب تؤجج مشاعره ويلهب حماسه ضد حكومته وربما مد بالمال والسلاح، وآخر يغازل بكلمة، ويلام بكلمة، وثالث يغرى بالوعود الزائفة، ورابع ييأس من أجل أن يركع”.
- تواطؤ هذه الأنظمة على شعوبها من خلال الظلم والاستبداد والاضطهاد ومنع أي حركة تصحيحية وتغييرية حقيقية لنهضة الأوطان، وهو ما يدخل هذه الشعوب في دوامة الذات و حاجاتها، ويفرغها من حس المسؤولية اتجاه الآخرين في الأمة واتجاه قضايا الأمة المصيرية وعلى رأسها فلسطين.
فكان الغرب وأمريكا يدعمان الكيان الصهيوني من جهة ويدعمان الأنظمة المستبدة من جهة اخرى، و التي فقط تعزز من وجود هذا الكيان الغاصب وتقتل قضية فلسطين في ضمير ووجدان شعوبها.
وكانت هذه الانظمة تتبع أشكال عديدة للتطبيع:
- التبادل الدبلوماسي المباشر بين الدول والكيان الصهيوني.
- التبادل التجاري
- زيارات متبادلة لمسؤولين من الجهتين.
- التنسيق الأمني ونقل الخبرات وهو ما شاهدناه بشكل جلي في السجون البحرينية، التي مارست ممارسات شبيهة بشكل كبير لتلك التي يمارسها الكيان الصهيوني في سجونه ضد الفلسطينيين، بل تعدى النظام البحريني الكيان الصهيوني في ممارساته، وهو ما أوضحه الشيخ عيسى قاسم في أحد خطاباته قائلا: “لقد فرغت السجون الإسرائيلية من عدد من أحرار فلسطين وبقي منهم الكثير في ظلماتها وفرغت أو كادت تفرغ من الحرائر الفلسطينيات المجاهدات ، وهذا خير والحمدلله ، ونسأل الله عز وجل أن تفرغ سجون الظالمين من كل المظلومين ، في كل مكان وما حصل للأخوة الفلسطينيين والفلسطينيات من استعادة للحرية إنما كان على رغم أنف إسرائيل ، وتحت ضغط الجهاد والمقاومة التي تتحمل أتعابها الساحة الفلسطينية مجاهدوها وأهلها الأحرار”.
واضاف آية الله قاسم “إذا جئت لسجوننا في البحرين فإن نزالها يزيدون يوما بعد يوم والتدفق عليها من أبناء الشعب في استمرار وهي لا تشبع منهم ولا تكتفي والجديد في سجوننا التي لم تر المرأة المؤمنة لها ظلا من قبل أنها صارت تغيب الحرائر المسلمات ويحكم عليهن في الخلود فيها وكل الذنب إبداء الرأي السياسي والمطالبة بالحق والإعتزاز بالحرية والكرامة”.
فالشيخ عيسى قاسم له مواقف كرجل دولة تأسيسية في وطنه البحرين ، فهو من المؤسسين الذين وضعوا الدستور البحريني حينما كان عضوا في البرلمان، وهو كرجل دين من المناضلين لأجل شعوبهم وقضايا الأمة المصيرية كفلسطين والكاشفين بشكل علني لمواقف الأنظمة وأمريكا والغرب، و له تأثيره الواسع في وجدان الشعب البحريني وفي وجدان كثيرين من الشعوب العربية والإسلامية، وقد بدا ذلك جليا بعد طرد فلسطينيي غزة للوفد البحريني الأخير، فقاموا وقتها برفع صور الشيخ عيسى قاسم الذي يعرفونه من خلال نصرته لقضية فلسطين ومواقفه العلنية الجريئة من أعداء فلسطين والشعوب العربية.
بينما لو جلنا في مواقف النظام البحريني وعلى رأسه ملك البحرين من القضية الفلسطينية، نجد التالي:
- قبوله بالتطبيع العلني مع الكيان الصهيوني، والاعتراف به كدولة.
- تبادل الزيارات العلنية في عهده من خلال زيارة علنية لوفد صهيوني إلى البحرين، وزيارة علنية لوفد بحريني إلى الكيان الصهيوني، دون أي تجريم منه كسلطة رغم الممارسات التعسفية لذات السلطة ضد شعبها والمعارضة لمجرد مطالبتهم بالاصلاح.
- تبادل الزيارات على مستوى المسؤولين في البحرين والكيان الصهيوني في عهده ، وهو ما أعلنت عنه مرارا القناة العاشرة الصهيونية وبعض الصحف الصهيونية، وتبادل الخبرات الأمنية.
- عدم الاهتمام بقرار ترامب الأخير رغم مصيرية القرار بالنسبة للفلسطينيين وفلسطين وللشعوب العربية والاسلامية. ومنعه لخروج تظاهرات بحرينية منددة بالقرار، وقمعه لكل من حاول التطاهر والتعبير عن الرفض للقرار.
- تغيير بوصلة العداء في النظام البحريني، فبعد أن كانت بوصلة العداء متجهة ضد الكيان الصهيوني، باتت البوصلة متجهة ضد إيران وهي ذات بوصلة عداء الصهاينة، فإيران باتت عدو مشترك للنظام البحريني وللكيان الصهيوني، وهو ما حدا بالنظام الاعلان مرارا وتكرارا أنه على استعداد أن يتعاون مع الكيان الصهيوني ضد إيران. وهذه محاولة لكي وعي الشعب البحريني وإيهام الأمة بخلق عدو جديد يبعدها عن عدائها للكيان الصهيوني ويهيئ قابليتها للتعايش مع هذا الكيان تحت شعارات محاربة الإرهاب والعداء لإيران.
- موقف وزير الخارجية البحريني مؤخرا في إعطاء الحق للصهاينة في الدفاع عن أنفسهم في وجه محور المقاومة. وهو اصطفاف صريح مع الصهاينة ضد الشعوب الحرة.
فتكون بذلك فلسطين جهاز الكشف الواضح لكل الشعوب المتفقة على فلسطين كقضية، جهاز يكشف حقيقة الأنظمة من جهة وحقيقة الشخصيات والرموز من جهة أخرى، ويكشف زيف ادعاءات النظام البحريني ضد زعيم المعارضة الشيخ عيسى قاسم وما تم تلفيقه له وللمعارضة، ومن يقف وراء هذا التلفيق ويدعم هذا النظام ولماذا يدعمه.
فالثمن الذي دفعه هذا النظام ليبقى على سدة الحكم هو بيعه لفلسطين و للقدس، واعترافه بالكيان الصهيوني كدولة.
وكان مقابل هذا البيع البخس، الضوء الأخضر للنظام البحريني من أمريكا بعد زيارة ترامب للرياض الأخيرة، للانقضاض على آخر معاقل المعارضة البحرينية في الدراز، ولوضع زعيم هذه المعارضة ذو المواقف الواضحة من مطالبات الاصلاح الداخلي من جهة، والمواقف الصريحة والجريئة من جهة أخرى اتجاه قضايا الأمة كفلسطين، وموقفه الرافض لوجود كيان غاصب هو الكيان الصهيوني.
فكان لزاما إسكات الشيخ عيسى قاسم لعدة اعتبارات:
- الانقضاض على آخر معاقل المعارضة وأقواها لإضعاف الحراك والقضاء عليه، والتفرد أكثر بالمعارضين.
- إسكات صوت الشيخ عيسى قاسم الشخصية المؤثرة داخليا وخارجيا، تمهيدا للمزيد من التطبيع، وتمهيدا لإعلان ترامب القدس عاصمة لفلسطين، وهو الاعلان الأكثر استفزازا للبحرينيين الشرفاء، وكان لن يمر إلا وقد ألهب الشيخ عيسى قاسم من خلال منبر الجمعة الجماهير ودعاها للنفير العام ضد هذا القرار. وهو ما لا ترغب به أمريكا، خاصة في الخليج الذي يمثل ثقل الطاقة و المال لديها وسوقا للاستهلاك، بالتالي على الخليج الثري أن يطبع لتتبعه باقي الدول والجماهير التي يسكتها مال الخليج ويشتري ذمتها لبيع فلسطين. لذلك كان يجب إسكات صوت الشيخ عيسى قاسم، الصوت الذي يلهب الجماهير ويشعل حماستها ويحيي قدرتها على الرفض والمقاومة.
لتصبح فلسطين هي القضية الكاشفة للشعوب التي انطلت عليها حيلة مذهبة الحراك المطلبي البحريني، فلم تساند الحراك ولم تلتفت إليه لا إعلاميا ولا نضاليا ولا بالموقف. لتعلم هذه الشعوب اليوم من هم رموز الحراك المطلبي في البحرين، وما هي مواقفهم التاريخية اتجاه فلسطين وقضايا الأمة وآلام الشعوب، وليكتشفوا من هو النظام البحريني ومن يدعمه وكم الزيف الذي ادعاه على المعارضة والمعارضين.
لقد كشفت مجددا فلسطين رؤوس الخونة، وعرت زيفهم اتجاه شعوبهم وقضايا الأمة.
التعليقات مغلقة.