قضية الأردن أعمق من مسالة الوصاية على مقدسات القدس / عمر الرداد
يلحظ المتابع، بوضوح، أن هناك تصعيدا في الموقف الأردني تجاه القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، هذا التصعيد الذي بدا في أواخر العام الماضي 2017، بانسجام غير مسبوق بين الموقفين الرسمي والشعبي ، تعبر عنه الحكومة الأردنية اليوم بتصريحات’خشنة’من قبل وزيري الخارجية والإعلام، تؤكد على الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ، وان الاحتلال’، وسبب العنف الذي سيتفجر في أساس كل الشرور في المنطقة ما لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم، وهو ما يعني انحيازا أردنيا للمقاربة العربية التي تقول: إن التهديد للمنطقة يأتي من الاحتلال إسرائيلي ، وضرب إسرائيل عرض الحائط بالأسس التي قامت عليها عملية السلام.
وخلافا لما يتم له الترويج من قبل أوساط في تفسير التصعيد الأردني ، بارتباطه فقط بتصريحات كوشنير حول أن الوصاية على المقدسات في القدس ستكون فقط لإسرائيل ، وهو ما يعني إنهاء الوصاية الأردنية ، فان الأردن ينظر للأمور من نواح عدة، تتجاوز مسالة الوصاية على المقدسات ، على أهمية وجوهرية هذه القضية.
لقد أصبح الإعلان عن ‘صفقة القرن’ لا يقدم ولا يؤخر كثيرا، في ظل ترجماتها بنقل السفارة الأمريكية ، ووقف مخصصات المؤسسات المعنية باللاجئين ، تمهيدا لشطب قضية العودة ، وصولا لفرض حل يتضمن دولة فلسطينية بلا قدس ولا سيادة، جوهرها سلام اقتصادي للفلسطينيين مقابل تنازلات اكبر من أن تتحملها أية قيادة فلسطينية في الضفة او قطاع غزة ، وربما في ظل إدراك قيادات فلسطينية لتلك الحقيقة ، تمت المطالبة ‘صائب عريقات ومحمد دحلان’ بدولة ثنائية القومية يتساوى فيها المواطنون ‘فلسطينيون واسرائيلون’ بالحقوق والواجبات ، بهدف إحراج القيادة الإسرائيلية ، التي لن تقبل بذلك، في والواجبات ، بهدف إحراج القيادة الإسرائيلية ، التي لن تقبل بذلك، في ظل مخططات تستهدف تهجير عرب إسرائيل لضمان يهودية الدولة.
ولم يعد سرا اليوم، وفقا لكثير من الخبراء ، أن الأردن يتعرض لضغوط خارجية ، بتساوق من جهات عربية وإقليمية نافذة، و’مساومات’ لإنهاء أزمته الاقتصادية مقابل القبول بالحلول المطروحة ، والتي ستفضي لهجرات فلسطينية جديدة ، في إطار مخططات إسرائيلية معنية بالتغيير الديمغرافي في الضفة الغربية، بالاستيطان ومصادرة الأراضي، في ظل الدولة الفلسطينية الموعودة ضمن صفقة القرن، في وقت لن يستطيع فيه الأردن تحمل تداعياتها، مع أزماته الاقتصادية الخانقة، ويتم ترجمة تلك الضغوط بانتاج حالة من الاستعصاء في إعادة فتح معابر الأردن مع سوريا والعراق ، رغم الحديث المتواصل عن إعادة فتحها، وحجب المساعدات مع تفاقم اعباء قضية اللاجئين السوريين.
يدرك الأردن أن قضيته اليوم اكبر من قضية وصاية على المقدسات الإسلامية ، وانه معني بالقضية أكثر من غيره ، عربا ومسلمين، وان التعامل مع ما يتم التخطيط له لتصفية القضية الفلسطينية يحتاج لمواقف اكبر من طرد السفير، او التعامل مع القضية باعتبارها ‘ورقة’ سياسية يمكن من خلالها تحقيق مكاسب آنية شعبية، ويدرك أن الأوضاع العربية والإسلامية من الضعف بمكان تحول دون إنتاج موقف مساند له ، لكن الأردن ليس ضعيفا ، حيث يستند لموقف شعبي رافض شعبي لمخططات تصفية القضية الفلسطينية ، وموقف فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يؤكد تمسك الفلسطينيين ورسمي بأرضهم، وهو ما يدفع بالأردن لتقديم كل مساعدة ممكنة لتعزيز صمود أبناء فلسطين في الأراضي المحتلة ، ومؤكد ان دعوته الاتحاد الأوروبي للاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية بعد تحفظه ورفضه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تأتي في سياق حملة دبلوماسية أردنية ضمن خطوات للرد على القرار.
الإدارة الأمريكية عليها أن تدرك اليوم أنها بسياساتها المنحازة لإسرائيل جعلت المؤمنين بالسلام في المنطقة يتناقصون، ويتساءلون مالذي يمكن أن يقدمه العرب أكثر من الاعتراف بإسرائيل وقبولهم بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عاصمتها ليس كل بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عاصمتها ليس كل القدس بل القدس الشرقية فقط ؟
وعليها أن تدرك ايضا أن القضية الفلسطينية والقدس اكبر من قضية ارض محتلة ، تلتقي عندها الشعوب العربية والإسلامية ، رغم كل خلافات وحسابات وتناقضات أنظمتها السياسية، وان أفكار التطرف والإرهاب تجد ضالتها المنشودة في هكذا بيئة.
كاتب، وباحث بالأمن الاستراتيجي.
[email protected]
التعليقات مغلقة.