المواجهة ( 3 ) / د. يحيى محمد ركاج
د. يحيى محمد ركاج* ( سورية ) الجمعة 22/5/2015 م …
*باحث في السياسة والاقتصاد من سورية …
لقد وصلت الأحداث في المنطقة العربية عامة وسورية خاصة إلى مراحلها ما قبل النهائية، وها هي المنطقة برمتها تغلي على جمر ساخن يخفيه الكثير من رماد العمالة والخيانة، فكل المعطيات والمعلومات تؤكد أن الدول المتورطة (بقياداتها) في الحرب على سورية قد وصلت إلى ذروة اللارجعة، ففشلها في إسقاط سورية يعني سقوط حكومات هذه الدول وهي التي تقتات على دماء شعوبها، وسقوطها ليس كسقوط حكومات ودول الغرب، إنما ذهاب كرسي الذهب الذي تتسمك به تحت ستار الدين والشعوذة والدجل.
لن أكرر تجديد الثقة بالمقدرة السورية على تجاوز هذه اللحظات الحرجة، لأنها الآن -بإذن الله- يقيناً بائناً أكثر من أي وقت مضى، فالدروس والعبر من السنوات الماضية تؤكد أن سورية تناغم بين السياسة والعسكر تناغماً يفوق السيمفونيات العالمية، ولنا في ذلك عبر كثيرة في حمص ودرعا وحماة ومواعيد اجتماعات الجامعة اليعربية ومجلس عصابة الأمن وانعقاد مجلس المتاجرة بحقوق الإنسان ودمه.
لقد أشرت في الفترة الماضية إلى شراسة المواجهة التي نشهدها وأنها معركة كرامة ومصير، وتحدثت بإيجاز عن دور الإعلام والآن سوف أتحدث عن دور المواجهة الأكثر تأثيراً في حياة الأمم وهي الناحية الاقتصادية الممزوجة بالسياسة، فلا يمكن الفصل بينهما.
فما تشهده تدمر وادلب الآن وبعض الجبهات الساخنة في الحرب السورية على الإرهاب يأتي ضمن سياق المواجهة الاقتصادية التي يخوضها الشعب السوري، ويواجه فيها الغرب المتصهين وأذنابهم من الأعراب ومعهم في الواجهة بعض من كان في سورية مستشاراً أو صاحب قرار ( من سرقوا ثروات البلد وأحدثوا الشرخ المجتمعي) كدلالات رمزية على انتصار ثورة وانهيار دولة.
فبعد أن انتهت عصبة الكبار من توزيع ثروات الأمة واقتسام خيراتها المادية والبشرية، لم يبقى أمامهم إلا المحاصصة على ممرات هذه الثروات إلى بلادهم، فالليبرالية تقوم على جني الأرباح المادية حتى من إلقاء التحية أو صلة الرحم، – وللعلم أن هذا الأمر قائم الآن في دول الخليج ولدى بعض شعوب المنطقة- فلا يمكن لهؤلاء العصبة ترك حرية مرور الثروات دون استثماره مادياً وسياسياً، الأمر الذي لا يمكن لأحد حسمه ما دامت الساحة السورية التي تربط بين معظم الممرات الجيواستراتيجية –سواء بشكل جغرافي أو اتفاقيات أو تحالفات- غير محسومة لمصلحة أحد، وهو ما يرى فيه الغرب المتصهين تهديداً لسيادته على العالم في السنوات القادمة إن بقيت هذه البقعة الافتراضية السيادية من الجغرافيا قوية ومتماسكة, فتم العمل خلال السنوات الماضية على الثروات ومصادر تمويلها في سورية من أجل إسقاط الدولة وتبعيتها، ومن ثم إعلان نصر قوة على أخرى، إلا أن الإرادة السورية كانت أقوى من غدرهم، فأتبعوا مكرهم باستنزاف الموارد البشرية وتهجيرها مع صدمات كبيرة ومفاجئة لسوق العملات والتحكم بأسعار النفط العالمي، إلا أن الإرادة الشعبية في سورية أيضاً كانت أقوى، وقد تم ترجمت هذه القوة من خلال الحفاظ على قوة الجيش وعظمة إنجازاته، الأمر الذي أوصل كل العملاء المنضوين تحت الراية الأمريكية إلى مرحلة الخطر الشديد الذي يستشعرون معه ضعفهم وتخلي الشيطان الأكبر عنهم، فتسابقوا تباعاً إلى تقديم فروض الطاعة لسيدهم الأمريكي من السماح له باستباحة الأرض حالياً وصك استباحة العرض مستقبلاً كما فعل الأردن من بيع ولاء جيشه لمن يدربهم ويمولهم، ومصر بمياهها لمن يُمَكِنُهُم من الحكم، وبعض الدول الخليجية بنفطهم لمن يحفظ لهم عروشهم، وبعض دول المغرب بالأمن المعلوماتي والمخابراتي لديهم لمن يديم له حكمهم أيضاً. وقد توجت هذه الصفقات بكلاب مسعورة تم تحديد ميقات زمني محدود لها لتحقق ماتستطيع إنجازه خاصة مع الفشل بالملف اليمني والتخبط المصري والتسول الأردني والفوضى المغاربية. وهو ما جعل ميدان الطهارة السوري المنفذ الأخير أمامهم، وليس له مواعيد زمنية بعيدة، فمواقيته باتت أقرب مما يتصور الجميع، أولها اللقاء الروسي الأمريكي التالي الذي تحاول أمريكا غسل ماء وجهها به بعد أن فشلت في طرح ورقة تفاوضية مع روسيا في الساحة السورية، وثانيهما بدائل الإستراتيجية الأمريكية المقبلة التي تخدم أذنابها بطرح التقسيم الوهمي لسورية وإقرار دولة (داع شية) يتم التسويق لها إعلامياً على نهاية الشهر السادس وبداية السابع من هذا العام -للاعتبارات الدينية في رمضان- بسيطرتها على الرمادي في العراق، وتدمر في سورية، وبأنها أصبح لديها مساحة تفوق مساحة بريطانيا، وقريباً سوف تفوق مواردها ما تملكه المملكة السعودية ليكون العالم أمام أمرين تقررهما الإستراتيجية الأمريكية المقبلة، وترتكز على ما يفاجئها فيه الجيش السوري، فإما محاربة دولة إرهابية كما سيناريو القاعدة وطالبان، أو الاعتراف بهذا الكيان بعد تشذيبه وتهذيبه وفق بروتوكولات حكماء صهيون. إلا أن تصفية الجيش السوري للقيادات الداعشية من الصفين الثاني و الثالث بالفترة الماضية قد يفقد سلاح الإرهاب الأمريكي سيطرته على هذه المنطقة وفق سيناريو أفغانستان والعراق، ولا يُبقي أمامه سوى قيادات الصف الأول المعروفة للعالم أجمع بولائها الأمريكي سياسةً وتنفيذاً، مما سيدفعه للعمل على إقرارها كأمر واقع مهذب ومعدل جينياً، وهو ما يشعر أيضاً بعض أذنابه بالفزع، لذلك نراهم قد بدؤا في الفترات الماضية تقديم فروض الولاء له لحماية استمرارهم ومنع التعرض لهم مقابل الإتاوات المعروفة والولاء المطلق.
إن ما تشهده الساحة السورية إن لم يكن بادياً للعيان بمجمله في شقه الاقتصادي السياسي، فإنه يقود إلى هذه النهاية لما يشكله من إرهاق وإضعاف للجوانب الدفاعية وتفكيك للداخل السوري الذي يضرب به علماء العالم المثل بسيادته وبسالته، إلا أننا نعدهم بأننا سنفاجئهم كما كنا نفعل خلال الأعوام الماضية من عمر الإرهاب الأشرس الذي نتعرض له، بأننا أبناء زنوبيا وسيف الدولة، من حاضنة الأمويين ومهد الرسالات السماوية، أبناء جلق الفيحاء.
أما أهلنا الذين يحتفظون بهم كرهائن تحت مسميات اللجوء والنزوح لن يفيدوهم بشيء، فتدمر المنبسطة إن حان وقتها فأمرها لدى بواسل جيشنا لا يتعدى الساعات، والشمال السوري أخ الغرب في حله وترحاله، عندما تصبح اللحظة العالمية مواتية له سوف تسمعون زهاريج الساحل من رضيعه وشيبه، وما قدمناه من شهداء لري التراب السوري الطاهر من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب لن نفرط به ونحن على خطاهم سائرون.
عشتم وعاش أولادنا في سورية عرين العرب صامدة منتصرة
التعليقات مغلقة.