إيفانكا ترامب والصهيونية العالمية / محمد عمارة تقي الدين
محمد عمارة تقي الدين ( الأحد ) 20/5/2018 م …
“اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد”، بهذه الآية من سفر التثنية أعلنت إيفانكا ترامب اعتناقها الديانة اليهودية تاركة ديانتها المسيحية لتتمكن من الزواج من جاريد كوشنر، ذلك الشاب اليهودي الذي رفضت عائلته المتدينة زواجه من غير يهودية.
وجاريد ابن السابعة وثلاثين عاماً، هو رجل أعمال وابن المطور العقاري الأمريكي الشهير تشارلز كوشنر.
قضى تشارلز سنتين في السجن، بتهم التهرب الضريبي والرشوة، وانتقاماً من النائب العام كريس كريستي الذي أدانه بتلك التهم دبر له مكيدة تم عبرها تصوير كريستي خلسة في أوضاع مخلة مع إحدى العاهرات ثم بعث بتلك المادة الفيلمية لزوجته.
داخل مكتب جاريد بالبيت الأبيض ستجد صورة وحيدة معلقة، وهي لجديه اللذان فرا هرباً من معسكر النازي في بولندا، فهو مثله مثل سائر الصهاينة يجيدون لعبة الاتجار بالهولوكوست وابتزاز المجتمع الدولي باسمه، دون أدنى التفات للهولوكوست الدائر في الأراضي المقدسة بحق الفلسطينيين.
جاريد هو المالك لصحيفة نيويورك أوبزيرفر صاحبة المجد الغابر، إذ بعد أن اشتراها جاريد حوَّلها لصحيفة تبحث عن المكاسب المادية بغض النظر عن قيمة المضمون ففقدت رسالتها وابتعدت كثيراً عن عمقها الفكري والثقافي، بل وخلال الحملة الانتخابية لترامب تم استخدامها في الدعاية له بشكل فج.
في نيوجيرسي ترعرع جاريد كيهودي متدين، ثم التحق بجامعة هارفارد العريقة ساعتها تفجّر الحديث عن رشاوي في شكل منح بملايين الدولارات دفعها والده للجامعة لكي تقبل ضم الابن إليها، فمعروف عن هارفارد أنها لا تقبل إلا بالطلاب المتميزين وجاريد كان متوسط الذكاء أو ربما أقل من ذلك.
في حملة ترامب للانتخابات الرئاسية لمع نجم جاريد كوشنر باعتباره المسئول عن تسويق ترامب عبر الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي.
بعد فوز ترامب بالمنصب الرئاسي قام بتعيين جاريد مستشاراً له، ومن ثم أوكله بإدارة ملفات خطرة منها الحرب على داعش وتسوية الصراع العربي الصهيوني.
أعرب كثيرون داخل الكيان الصهيوني عن فرحتهم الغامرة بتكليف ترامب لجاريد بملف الصراع العربي الصهيوني فهو كيهودي متشدد سينحاز حتماً لإسرائيل، كما أن نتنياهو ورفاقه ينظرون إلى كوشنر بوصفه حليفاً لهم، وعلى المستوى العائلي يرتبط نتنياهو بعلاقات عائلية مع عائلة كوشنر، ويقال أن والده كان أحد المتبرعين لحملة نتنياهو الانتخابية.
في أحد تصريحاته قال نتنياهو:” ” أنا أعرف الرئيس الأمريكي وعائلته منذ زمن طويل وكذلك جاريد وعائلته، ولن تجدوا أحداً يدعم إسرائيل مثلهم”.
إذا كان لقرار نقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل زمرة من المخططين فإن جاريد كوشنر هو رأسهم فهو حقاً مهندسه الأكبر.
كوشنر هو صديق مقرب من رئيس بلدية القدس، كذلك تربطه علاقة وثيقة بالسفير رون ديرمر سفير إسرائيل في واشنطن، الذي أعرب عن ابتهاجه العميق بكوشنر مؤكداً أن لديه اهتمام عميق بأمن إسرائيل ويتفهم حتمية دعمها بكل السبل.
زار والده إسرائيل مرات عديدة فله مشروعات عقارية بها وقدم الكثير من التبرعات لصالح المستشفيات وبناء المستوطنات، بل إن اسمي والديه مكتوبان على أحد المستشفيات الكبرى بالقدس عرفاناً من إدارة المستشفى بالمعونات المادية السخية التي يقدمها الرجل للمستشفى بشكل دائم.
وبالعودة لإيفانكا ترامب سيدة الأعمال وعارضة الأزياء السابقة، فقد اعتنقت الديانة اليهودية،لتتزوج من جاريد رجل الأعمال الناجح وهو الزواج الذي وصفه والدها ترامب بأنه “أفضل صفقة قام بها منذ فترة طويلة”، فهي إذن النزعة المادية التجارية داخله تفضح نفسها.
اختارت إيفانكا اسماً يهودياً جديداً لها هو ياعيل، وهي كلمة عبرية تعني الوعل أو الغزال البري، وياعيل هي تلك المرأة اليهودية التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس وينظر إليها اليهود كبطلة تاريخية، فقد قتلت سيسرا قائد جيوش الكنعانيين أعداء اليهود، قتلته بالتحايل وخيانة كرم الضيافة وحق الإيواء دون أن تعبأ بتحالفه مع زوجها، المهم لديها أن تنقذ شعبها اليهودي، والرواية هنا ذات دلالة عميقة، فالغاية دائماً تبرر الوسيلة، وهو المبدأ ذاته الذي تتبعه الصهيونية العالمية وكذلك إيفانكا وزوجها كوشنر بل والمجموعة الحاكمة المحيطة بترامب.
إيفانكا إذن ليست مجرد معتنقة للديانة اليهودية لإتمام زواجها من شاب يهودي، بل هي امرأة متدينة تمارس طقوسها الدينية بشكل منتظم هي وعائلتها وإن كانت تأخذ من الدين بعضه وتترك البعض الآخر ، في كتابها(Women Who Work) ، وردت تلك العبارة :” نحافظ أنا وعائلتي على إقامة شعائر السبت بدايةً من غروب شمس الجمعة إلى ليل السبت، وخلال هذا الوقت، ننقطع تمامًا عن العالم، لا انترنيت، ولا تلفزيون، ولا مكالمات هاتفية “.
ولأن الغاية تبرر الوسيلة، وكما سبق ذكره، فمن الممكن التخلي عن تلك الطقوس عندما تقتضي الأمور ذلك، فها هو الحاخام يفتي لهما بذلك وقت زيارتهما للمملكة العربية السعودية، والتي وافقت أحد أيام السبت، فهي الزيارة الأهم على الإطلاق إذ عُقدت خلالها صفقات بمئات المليارات من الدولارات أنعشت الاقتصاد الأمريكي بشكل لم يحدث من قبل وأنقذت البلاد من بداية أزمة عاصفة ربما كانت ستقودها للمجهول، ومن ثم خففت من الضغوط الداخلية على ترامب وفريقه كما مهدت الطريق لتدشين مشروع تسوية للصراع العربي الإسرائيلي رأى كثيرون أنها لصالح إسرائيل أولاً وأخيراً.
داخل البيت الأبيض وبعد أيام قليلة من إعلان القدس عاصمة لإسرائيل احتفل ترامب وعائلته بعيد حانوكا اليهودي، ورددوا ترانيم يهودية تدعو للذبح باسم الله، تقول الترنيمة: “يا ملاذي العظيم يا خلاصي، أعد بناء بيت معبدي، سنقدم لك كل الشكر يا إلهي حينما تكون قد أعددت الذبح للعدو المرتد”.
فالآخر بإطلاقه هو عدو ومرتد ومن ثم يستحق الذبح، فهي إذن أطروحات مغالية في عنصريتها وعنفها كامنة داخل العقل الديني الصهيوني.
وكلمة حانوكا تعني تدشين، أي تدشين الهيكل من جديد بعد نجاح تمرد اليهود على السلطات وهو الهيكل الذي كان قد دمره الرومان، والرواية بحسب النص اليهودي تدعي حدوث المعجزات وقت بناء الهيكل كدليل على تأييد الله ورعايته لهم، فالدلالة هنا هي تشجيع التمرد على السلطة ولعلها تفسر لنا أحد جوانب ظاهرة عدم اندماج اليهود بين الشعوب التي عاشوا بين ظهرانيها على مر التاريخ والأمل الأزلي في الانفصال عنهم لأجل الذهاب للأرض المقدسة ومن ثم تدشين الهيكل من جديد.
انتهى إذن الاحتفال بعيد الحانوكا في البيت الأبيض وبعدها قدم ترامب التهنئة لسائر يهود العالم قائلاً : “نفتخر في هذا العيد بأننا ندعم الشعب اليهودي الذي يشع ضوءه بين الشعوب”.
والسؤال الذي يُطِل برأسه الآن: أليس هناك داخل الديانة اليهودية تيارات وتوجهات دينية وسياسية عديدة، بين مؤيد لسياسات الكيان الصهيوني ورافض لها؟ فإلى أي تلك التيارات ينتمي جاريد كوشنر وزوجته الجميلة إيفانكا؟
ربما يجيبنا على هذا التساؤل مشهد إيفانكا وكوشنر وهما واقفين بكل خشوع وسكينة أمام ضريح الحاخام مناحم مندل شنيرسون قبل الانتخابات الأمريكية بساعات يطلبان بركته ومن ثم فوز ترامب على منافسته هيلاري.
والحاخام شنيرسون هو الزعيم الراحل لحركة حباد اليهودية ذات التوجهات المتطرفة، تلك الحركة التي تضمر كراهية عميقة للآخر وتحقيراً كبيراً من شأنه.
والحركة تتضخم لديها أحلام الخلاص الديني بشكل كبير، بل يعتقد كثير من أتباعها أن زعيمها الراحل هو المسيح المُخلِّص ذاته وأنه سيعود يوماً ما من بين الأموات ليقود مسيرة الخلاص المقدسة، فالشغل الشاغل لأتباع الحركة هو إعداد العدة لاستقباله, ومن ثم أصبح أتباعها يطلقون على أنفسهم اسم جنود جيش المسيح، ولأن عودته اقتربت جداً كما يعتقدون فعليهم إذن تهيئة المسرح لذلك، عبر تطهير الأرض المقدسة من العرب وتوطين يهود محلهم، لذا فهي ترفض أي اتفاقيات من شأنها التنازل عن أراض للفلسطينيين وتدفع بالسياسات الإسرائيلية الاستيطانية المتطرفة إلى حدودها القصوى.
تنتشر حركة حباد انتشاراً واسعاً في كافة ربوع المعمورة إذ تضرب بأذرعها الأخطبوطية في مختلف بلدان العالم غير أن المركز الرئيسي لها يوجد في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية.
وتختلف المصادر حول عدد أتباع الحركة, غير أن الإحصاء الأكثر شيوعًا هو أن أتباعها الملتزمين نحو أربعمائة ألف شخص، وتتحدث مصادر الحركة أنه في عام 2013م بلغ عدد المتعاطفين مع فكر الحركة حوالي ثمانية ملايين يهودي، وهو بالطبع رقم مبالغ فيه، وأيًا كان الأمر فهناك حقيقة مفادها أن تلك الحركة تمتلك عددًا كبيرًا من الأتباع والمتعاطفين معها، سواء داخل إسرائيل أو خارجها.
اعتاد زعماء الكيان الصهيوني على أن تصلهم الكثير من الرسائل من قيادات الحركة تحثهم فيها على عدم الانسحاب من أي جزء من الأراضي المحتلة، وحتمية الإسراع بعمليات الاستيطان.
في عام 2009م وفي أحد خطابات نتنياهو ذكّر جمهوره بأن الحاخام مناحم مندل شنيرسون كان مصدر إلهام كبير له وأشاد به وبحركة حباد كثيراً، هي إذن محاولة من نتنياهو لكسب تأييد أتباع الحركة له، وبالفعل ساهمت الحركة في فوزه بالانتخابات، ساعتها قال أحد أتباعها واصفاً نتنياهو ” إنه طفل مدلل لحركة حباد “.
كانت الحركة قد شنت هجومًا على واحدة من أكبر جامعات أوكرانيا لسماح الجامعة بنشر كتاب “كتائب حباد” الذي يتهم أتباع الحركة بالسيطرة على الحياة السياسية الداخلية والاقتصاد الأوكراني، ومن ثم قال رئيس الجامعة: ” هذه الحركة ترتبط بكل ما هو سيئ في العالم، إنها مرتبطة بالتطرف والإرهاب “.
وكما سبق القول تتبنى الحركة مواقف متشددة تجاه العرب إذ تدعو لترحيل العرب من أراضيهم، بل والتخلص منهم إن أمكن، ومن أقوال الحاخام شنيرسون في هذا الشأن: ” إن العرب يبتغون شيئًا واحدًا لا غير، وهو القضاء علينا إن عاجلًا أو آجلًا، وأنه علينا أن نتّبع القول المأثور: عاجل بقتل من يسعي لقتلك”، كما أعلن عن دعمه للمشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية وقطاع غزه، وفي أعقاب حرب 67 دعا قادة إسرائيل لعدم التنازل عن أي جزء من الأراضي التي تم احتلالها مُقدماً فتوى دينية تقول: من اشترك في هذه الحرب من اليهود له أجر وثواب يفوق أجر وثواب دارس التوراة.
والملاحظة هنا هي تناقض مواقف الحركة، فالمعلن منها للرأي العام العالمي غير المُضمر، فعلى الرغم من حديث قادتها الدائم عن الحب والتسامح إلا أنه وعند ذكر الفلسطينيين تسمع حديثا آخر لا يخلو من عنصرية وخطاب كراهية وتحريض بالقتل، وعليه ذهب كثيرون إلى وجود وجهين لحركة حباد أحدهما الذي تظهره للعالم وهو دعوة الحب والتسامح، أما الداخلي الحقيقي فهو كراهية مطلقة للآخر بصفة عامة وللفلسطينيين بصفة خاصة.
فكراهية الآخر بإطلاقه هي مشاعر نائمة في عمق الفكر الأيديولوجي لحركة حباد،يقول مناحم مندل شنيرسون: ” أصل أرواح شعوب العالم هو من طبقات النجاسة الثلاث, بينما أصل أرواح بني إسرائيل هو من الروح القدس ذاتها “، ويضيف: “غير اليهودي يجب أن يعاقب بالموت إذا قتل جنينًا حتى لو كان الجنين غير يهودي، بينما لا يعاقب اليهودي حتى لو كان الجنين الذي قتله يهوديًا”.
وفي التحليل الأخير فقد رأينا كيف استطاعت الصهيونية العالمية النفاذ إلى المكتب البيضاوي ومن ثم التحكم، وليس مجرد التأثير، في القرار السياسي الأمريكي بشكل جعله يسير دائماً وأبداً في الاتجاه المؤيد للكيان الصهيوني، وكنا قد تناولنا في مقال سابق تأثير تيار المسيحية الصهيونية المتزايد على الإدارة الأميركية.
الملاحظ هنا أن التيارات الدينية المتشددة هي من أصبحت رأس حربة الصهيونية العالمية في السنوات الأخيرة، إذ أضحت تمثل الجناح الصقري المتشدد داخلها مبتعدة عن الحلول الوسط رغبة منها في إنفاذ أطروحاتها العنصرية المتمثلة في إقصاء الفلسطينيين وجودياً ثم استيطان كامل الأرض المقدسة تعجيلاً بالخلاص الديني.
ومن دون شك فحركة حباد اليهودية المتطرفة والتي تنتمي إليها إيفانكا وزوجها كوشنر هي واحدة من تلك القوى الأكثر نشاطاً على المستوى العالمي في حشد القوى الدولية نحو تأييد مطلق للممارسات البشعة للكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين، لقد نظرت الصهيونية العالمية بشقها الديني لإيفانكا ترامب وزوجها كمادة خام تم توظيفها لصالح مشروعها الخلاصي ذو النزعة الاستعمارية، وها هي تدفع بالأحداث سريعاً نحو تحقيق أطروحاتها في ظل غياب موقف عربي وعالمي حقيقي من شأنه التصدي لتلك الممارسات.
التعليقات مغلقة.