المتباكون على الامبريالية / كاظم الموسوي




كاظم الموسوي ( العراق ) الإثنين 21/5/2018 م …

لم يعد التناقض في المواقف والتقلبات والتحولات في الانتماءات السياسية والفكرية كافية وحدها في بيع الضمائر وعطب الاخلاق، فلابد من اثباتها بالكتابة والنشر والمحاضرة في التباكي على الإمبريالية، بمعناها او بجوهرها وليس بلفظها، وتمجيد “منجزاتها”! بشتم او تشويه صمود اليسار، بكل صوره: في محاربته المبدأية للامبريالية والعدو الطبقي والاجتماعي، وادانة العدوان والغزو والاحتلال، وتحميل القوى المتخادمة مع ادارات العدوان الإمبريالية المسؤولية بقدر الامبرياليات وجرائمها في العالم، ومنطقتنا العربية خصوصا. ويلفت الانتباه التكالب في ابراز المهارة في الهجوم على اليسار وتشويهه بخلط الاوراق والتمعن في عرض التشابهات وفرضها باصرار وقصد، رغم تناقضها او اختلافها بهدف تمييع نضال اليسار وتضحياته، والدخول عمليا في خدمة المشاريع المعادية لليسار، والتي تتزعمها الدول الإمبريالية واتباعها، الممولون لتلك الاصوات النشاز، أفرادا وأجهزة وأدوات ومكاتب وخدمات.

تستفيد هذه الأسماء بما يوفر لها من مساحات اعلامية، مرئية ومكتوبة ومسموعة، ومواقع ووسائل إلكترونية فضلا عن الأجور والرواتب والمكافآت الجزيلة في التعبير عن متغيراتها او تحولاتها او ما يجري حولها، وتعرض ما لديها، وفي الهدف المطلوب منها، التخصص في محاربة اليسار وقيمه ومبادئه، وتشويه معارضته الحاسمة لاشكال الهوان والتواطؤ والاستغلال والحرمان وانتهاكات حقوق الإنسان وتكبيل الحريات وتزييف الديمقراطية، التي كانت اقانيمها واغانيها ايام صدقها والتزامها الحزبي او الفكري اليساري، الماركسي والشيوعي خصوصا، قبل التحولات المقبوضة الثمن مسبقا والإغراءات المسيلة للعاب. وهو الأمر الذي عرفته القوى اليمينية والمحافظة والرجعية، ومعلوم انها تملك من الثروات الكثير الذي تتمكن به أن تعمل بما تقوم به، أمس واليوم، في حربها المستمرة على قوى اليسار الحقيقية والتغيير والحرية والسلام. هكذا تمتليء تلك الوسائل ما يفضح تحولات هؤلاء وتغيرهم الفكري والسياسي وارتباطهم في هذه المسارات المخادعة. ويحاولون طبعا اظهار قدراتهم وخلفياتهم في التعبير بكلمات وافكار اليسار، ولكن لتصب كلها في خدمة اليمين والرجعية واعداء الشعب والوطن.

في بريطانيا تصاعدت او اشتدت الحملة الإعلامية المهاجمة لمواقف زعيم حزب العمال اليساري جيرمي كوربين المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني وضد الحروب والمشاركة فيها وكذلك فضح سياسات الحكومة اليمينية التي تتحالف مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية العدوانية وخصوصا في المنطقة العربية. ولم تكتف الحملة بما يشنه عليه أعضاء من حزبه من اتباع توني بلير، واليمين الحزبي الاخر، ووسائل الإعلام اليمينية والصهيونية، والحكومة وحزبها، حزب المحافظين، الذي وجه، حسب وكالات الانباء، انتقادات له، واتهمه بتغذية المشاعر المعادية للسامية في حزبه، وبالتقاعس عن التصدي لثقافة أدت إلى تعرض بعض نواب حزبه اليهود لتهديدات. كما سلط النقاش المشحون في البرلمان الضوء على عمق الانتقادات الموجهة لكوربين بشأن معاداة السامية. ورغم تأكيد النواب على أنهم لا يسعون لإحراز نقاط سياسية في النقاش، الا انهم كانوا يريدونه ويسجلون فيه استهدافهم لكوربين ومنهجه اساسا. وكان من بينهم اعضاء يهود من حزب العمال وجهت لهم اساءات حسب حديثهم. ولم يتقبل نقاده اعتذاره وتصديه لوجود ما وصفه “بجيوب” معاداة السامية في حزبه. بل وبعد كل هذا الهجوم تشارك جهات ووسائل إعلام عربية أو ناطقة بها، وتقوم بتشغيل “مرتزقة” الإعلام من اليساريين سابقا في إطار الحملة الهجومية عليه. مساهمة او مرتبطة مع احتجاجات جماعات صهيونية بريطانية على كوربين قائلة، إنه مناصر للحقوق الفلسطينية (وهو لا يخفي ذلك) ومنتقد لإسرائيل ومتقاعس عن التصدي لمعاداة السامية. رغم توضيح آندرو جوين مسؤول المحليات في حزب العمال “مسؤوليتنا أن نظهر أننا لا نغض الطرف إطلاقا عن معاداة السامية في حزب العمال. لا مكان لمعاداة السامية في حزب العمال”. وهكذا تتصاعد الحملة الإعلامية والسياسية والبرلمانية على الزعيم اليساري في المملكة المتحدة. ومنها ما يوظف “مرتزقة” من أدعياء اليسار في تكرار تلك الانتقادات والاحتجاجات والحملة الظالمة ولكن من زوايا عربية تخصهم، ومن خلالها يمكن معرفة توجهات هؤلاء ولغتهم ولمن يريدون توجيه الخطاب، وفي نصهم وضوح لا لبس فيه عن الدوافع والمحفزات له، مما يعري كتبته، لاسيما في صمت القبور عن ظواهر اصعب، او حالات مدانة من كل صاحب ضمير انساني، بينما هم ينتقدون ويسمنون الحملات او يتبعون ما يطلب منهم في هذه الشؤون. وكأنهم مكلفون بالبكاء على الإمبريالية في سردهم وإعلانهم. انها قصة مريبة حقا، كيف يلتقي هؤلاء بأولئك، في نقد الزعيم العمالي وتصويب النار عليه، هو بالذات. وقاءع الحال وما خفي وظهر  يقود إلى التفسير، ويوضح نوعية القطيع، لاسيما إذا عرف من يوجهه،المايسترو الرئيس والقائد الموجه. وهنا لا يحتاج السؤال: لماذا هو بالذات؟!، والجميع يعلم ان مواقفه معلنة وآراءه منشورة ومثبتة وأقواله مكررة ومعلومة. لم يغير فيها ولم يتراجع عنها، ثابت في تضامنه وصامد في مواجهته للاستبداد والظلم والاحتلال.

استمرارا للقضية لا يكون غريبا طبعا قلب المفاهيم، عند هؤلاء “المرتزقة” العرب واضرابهم، فالثورة والمقاومة عندهم فقط من ترضى عنه الإمبريالية الأمريكية وتشجع عليه، حتى لو كان من قبيل تنظيم” داعش” او ” القاعدة” و”النصرة” او أية مسميات أخرى تتناسل منها. وفلسطين غابت قضيتها حتى ممن يحمل جنسيتها، وأية مواقف تساند او تدعو الى الثورة والتغيير والنضال الوطني والاستشهاد والممانعة والصمود والتصدي ومواجهة التحديات تتعرض لنقد هؤلاء وانطلاق قرائحهم في الردح عليها واعتبارها من قبيل “خيانة يسار يدعم “الدكتاتور” وقصف شعبه”!، بما يختارونه دون جهد لتعريفه والتفريق بينه وبين من ينعتون أعماله ومجازره وارتكاباته القانونية وضد الانسانية بما يستهدفون ويرغبون. فلا ترى عندهم اي اعتبار او تقييم لما يجري في اي بلد آخر حليف للامبريالية. انها صورة مخزية لتلك الاصوات والاقلام المشبوهة اسما وكتابة ورايا واندفاعا. والواقع هو الذي يحسم الموضوع ويسجل المصداقية لأي موقف او راي او فكر سياسي أو ثقافي. في النهاية أن كل ما استطاعوا الفوز به، في البكاء على الإمبريالية وتسفيه الكفاح ضدها، يوصل الى اسقاط قناعهم وهو قناع مخجل فعلا لأنه يكشف كل ما تحته من عطب وتحلل من كل التزام بحدوده الإنسانية والأخلاقية على الأقل. أنهم مراهنون على الارتباط بالمشروع التدميري للثقافة والأمة والوطن، ولا يهمهم غير مصالحهم الذاتية والأنانية التي تنتهي في التطابق مع الاعداء في احسن الاحوال، حتى لبعض من نواياهم حسنة، اذا ما كانت كذلك صدفة. او انهم بتعبيراتهم اليسارية يوقعون كيساريين مزيفين، اتباع من سموا باختيارهم ” المحافظين الجدد” وهي التسمية الملائمة لهم بامتياز. ويصطفوا بقصد أو بالخطأ في جانب معاداة اليسار وبانتقال كامل الى الدفاع عن العدو وممارساته وقبولها في الوقت الذي يوجهون حرابهم على غيرهم وفق ادعاءاتهم لها. ليقدموا او يجترحوا  نوعا من ابتذال معيب وارتزاق غريب.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.