الاصلاح الديني بين الارتهان السياسي واعتبارات القداسة / إيمان شمس الدين ( الجزء الأول )

د. إيمان شمس الدين ( الإثنين ) 21/5/2018 م …




الأردن العربي –

وكثيرة هي دعوات الإصلاح التي نادت إلى تصحيح مسار  الدعوة الإسلامية، وتصويب المسار الديني في سبيل نظم إيقاع المطالبات النهضوية لتطوير  قدرات الإنسان و تمكينه في مشروعه الاستخلافي في  عمارة الأرض بما ينفع الناس، والدفع باتجاه تحقيق العدالة الشاملة المرتبطة بحقيقة النهضة.

البدء والمنطلق :

الاختصاص في العنوان بالإصلاح الديني ينبع من فكرة أن من يريد دعوة الناس الى الله وممارسة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فالأولى به أن يمارسه داخليا في الذات كي يتمكن من التأثير الخارجي فيكون هنا سعي متوازي بين اصلاح الداخل والخارج، وإلا استمرار عمليات النكوص الحضاري والثبات الزماني والمكاني في فهم الدين وأفكاره، لن ينجح مساعي الاصلاح من قبل المتصدين من العلماء والنخب في المجتمعات ولن يحدث اي انزياحات  في الوعي الاجتماعي أو السياسي، كون انطلاق دعاة الاصلاح من قواعد فيها خلل فهم وإدراك سينعكس على دعوة المصلحين في الخارج ويخل بقواعد النهضة وفق الأسس السليمة.

فالأصل في أي دعوى للإصلاح هو الانطلاق من اصلاح داخل ديني ثم الانطلاق بموازاة ذلك للإصلاح في كل المستويات الاجتماعية والدولتية خاصة في مجال التربية والتعليم وما يتعلق بمناهج التعليم.

و المتتبع للدعوات الاصلاحية تاريخيا و مدى تحقيق مطالبها على أرض الواقع من خلال استقراء حال الأمة يمكنه تلمس مكامن الخلل والنكوص، و النجاح والانجاز وأسباب كل منهما.

الإصلاح وحقيقة الشعارات:

كثيرة هي الشعارات الاصلاحية التي رفعت في سبيل النهضة والتطوير، وعادة تكون الشعارات هي عناوين عامة وخلاصات لمشاريع نهضوية يراد لها أن تفعل على الواقع الخارجي.

لكن مع كثرة دعوات الاصلاح في العالم العربي والإسلامي ، إلا أن واقع الحال لا يعكس هذا الكم من الدعوات والحراكات والأسباب كثيرة لكن قد يكون أهمها هو:

1. أن تكون مجرد شعارات لتحشيد كم عددي من الجمهور، مع عدم وجود رؤى واستراتيجيات حقيقية للمشروع الإصلاحي الذي رفع كشعار.
2. وجود فارق وفجوة بين المنظرين للعمل الإصلاحي والواقع، وعدم قراءة حيثيات ومعطيات الواقع وما هي الاستراتيجية الموائمة لإصلاحه سواء آنيا أو على المدى البعيد، بالتالي تتحول عملية الإصلاح إلى مجرد نظريات غير قابلة للتطبيق، أو لا يسعى أصحابها للارتقاء بوعي وقابليات الناس وتصويب الواقع ليصبح قابلا لتطبيق نظرياتهم.
* قد يطرح كثير من النخب والعلماء مشاريع إصلاحية فاعلة، و موائمة للواقع ومعطياته ولكنهم لا يكملون فاعليتهم في مشاريعهم لأسباب عديدة أهمها :
* رحيلهم عن الدنيا قبل إتمام رؤيتهم وعدم وجود حملة أمناء يكملون مسيرتهم وتطويرها.
*  وجود حملة لكنهم لم يدركوا أو يستوعبوا المشروع كما طرحه صاحبه، بالتالي يتم حرفه أو تفريغه من أهدافه الكبرى لاختلاف الفهم والإدراك بل لاختلاف العزائم والهمم.
* قد يدرك الحملة المشروع لكن تدخل أهواءهم ورغبتهم في تحصيل موقع ومكانة و يحتفظون بكثير من حقائق المشروع الإصلاحي حتى ينسبوا لأنفسهم ويتسلقون به للوصول.
* قد يخشى بعض ورثة  المشروع على مكانتهم الاجتماعية والعلمية، ويخافون من ردات فعل العوام من الناس أو أصحاب الرؤى الكلاسيكية والمتشددة على ما يحمله المشروع من قدرة لزعزعة العادات والتقاليد المخالفة للعقل والشرع، و وتصويب كثير من المعتقدات المثقلة بالتوارث عن الأجداد لا بالاثبات والتدليل والبرهنة. بالتالي يخفون معالم المشروع.
* قد يقتلوه في مهده خوفا وادعاء  لعدم قابلية الواقع الخارجي لهذا المشروع بدل أن يشمروا عن عزائمهم ويخوضون معركة مع العقول والقلوب لتهيئة الواقع والنهوض بالقابليات.
4. وجود مشروع نهضوي موائم ولكنه سابق للزمان والمكان، بالتالي مواجهته بالقتل الاجتماعي من خلال تسقيط شخصية حامله، أو محاصرة المشروع بالارهاب الفكري والاجتماعي.
5. استيعاب صاحب المشروع الإصلاحي لمشروعه نظريا، لكنه لم يدرس الآليات التطبيقية المناسبة للواقع الاجتماعي، وممارسة البعض منهم منهج الصدمة في طرح رؤاه الإصلاحية، والتي ووجهت كثير منها بردات فعل عنيفة، أفقدت ما هو حقيقة في هذه المشاريع قيمتها ، وتمزقت كحقيقة بل سقطت في أذهان أغلب المتلقين لها نتيجة منهج الصدمة وردات الفعل، مما يتطلب عقود وأجيال لإعادة إحيائها مجددا، وهو ما قد يعني تأخر في التقدم والنهضة سنوات عديدة فقط بسبب منهج خاطئ أو آليات تطبيقية غير مناسبة.

بين الذات و شعارات الإصلاح:

دعاة الاصلاح وشعاراته لا ينتمون إلى مدرسة بعينها، ولا الاهداف والغايات أيضا واحدة، رغم وحدة المدعى والشعار.

و يمكن تقسيم أهداف رفع الشعارات الإصلاحية إلى :

–  أهداف ذاتية: يهدف أصحاب المشروع الإصلاحي لتحقيق مصالح شخصية ذاتية، فيتخذون من هذه الشعارات الاصلاحية جسرا لتحقيق أهدافهم ومصالحهم، وبمجرد تحقيقهم لذلك ينكصون عهودهم، وينقلبون على كل تلك الشعارات الإصلاحية، بل قد يحاربوها أيضا في حال هددت مصالحهم الشخصية.
– أهداف سياسية: وهؤلاء بذاتهم ينقسمون إلى:
1. من يمتلك مشروع إصلاحي حقيقي و يرتبطون بالسلطة السياسية اعتقادا منهم أن ذلك سيشكل لهم جسرا للعبور نحو تحقيق مشروعهم، فليست السلطة مقصدهم وإنما جسرهم للعبور.
2. من يرفع شعار الإصلاح كجسر عبور للسلطة وتحقيق مناصب متقدمة في الدولة، كونهم يملكون بسبب شعاراتهم الإصلاحية جمهورا واسعا تخشاه السلطة، ويحققون مواقع متقدمة لهم ونفوذ، فالإصلاح جسرهم للعبور للسلطة وليس هدفا بذاته.
3. فئة كانت في السلطة وتم التخلي عنهم لانتهاء صلاحيتهم في حسابات السلطة القائمة، وهؤلاء يرفعون شعار الاصلاح ومواجهة السلطة وفسادها لا لأجل الإصلاح بذاته، بل لأجل هدقين:
* الأول: الانتقام من السلطة ومحاولة تغيير شخوصها.
* الثاني: العودة إلى السلطة وامتلاك النفوذ مجددا.
4. أصحاب مشروع إصلاحي حقيقي ينشدون العدالة الاجتماعية، ولا يرغبون في تحقيق أي موقع متقدم لهم، بل لا يرتبطون بأي سلطة قائمة، ويعتمدون على نشر الوعي في صفوف الجماهير، و يهدفون لتحقيق العدالة في كافة مستوياتها.

ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن الإصلاح بشكله الواسع ومصاديقه الكثيرة، ولكننا بصدد تسليط الضوء على مصداق من مصاديقه وهو الاصلاح الديني، وإن دققنا أكثر نتحدث عن الإصلاح في الفكر والفهم والمنهج الديني، إن فتح لنا إلى ما سبق طريق رشد وهدى.

تواجه مشاريع الإصلاح الديني خاصة المنتمين للفئة الرابعة ، عوائق عديدة أهمها على الإطلاق عائقين:

1. عائق يتعلق بالاصلاح الداخل الديني واعتبارات القداسة، حيث يواجه المشروع الاصلاحي عدة تيارات داخل دينية تعيقه وتعرقل مسيرته ومحاولاته في الاصلاح ونقد الذات والنهضة.
2. عائق يتعلق بالإصلاح الخارج ديني أي في محاولات الخروج بالمشروع الاصلاحي للعالم الخارجي وترشيد المجتمعات ووعي الجمهور، ليواجه عوائق عديدة أهمها: الارتهان السياسي ومواجهته لكل أنواع الهيمنة السلطوية والحكوماتية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.