حول المقاومة والإرهاب.. والعروبة / د.كمال خلف الطويل

 

د.كمال خلف الطويل ( السبت 23/5/2015 م …

إن جدلية العلاقة بين المقاومة والإرهاب قائمة من زوايا عدة:

في التعريف، الالتباس قائم. وفي الأسباب، التراكب داهم. وفي المآلات، التباين واسم.

والمقصود من الدعوة أن يطابق الإرهاب، في كلمةٍ، الجهادية السلفية. أي هي تستبطن تبرئةً للمقاومة من وصمته، ونأياً بها عن سمعته، وإدانةً له من رأسه إلى أخمص قدمه.

مقاربتنا تتناول الجذور والمسارات وتحليل الظاهرة:

1 ـ إن «قاعدة خراسان» هي بنت شرعية للحرب على العراق – 1991.

2 ـ إن «قاعدة العراق» هي بنت شرعية لاحتلال العراق ـ 2003.

3 ـ فصل أبعد للقول، إن الجهادية كظاهرةٍ، نتاجٌ، وإن شبه طفروي، لركام خيباتٍ تناسلت عبر قرن من الزمان لتهين أمة، وتروّعها، وتُفعّل خطوط الفوالق فيها، وتنزح رحيق ثرواتها إلى أوانيها المستطرقة.

4 ـ وفصل أبعد فأبعد لأقول إن الكتب القديمة الصفراء ليست هي علة العلل، كما يتصور ويصوّر البعض، هي إحداها فقط، وقد كانت معنا ما بين أربعينيات وثمانينيات القرن الماضي ولم تفعل فعلها، وفقط مع بداية التسعينيات أخذ ـ أي الفعل ـ يؤتي ثماره السامة، مضافاً، في الفعل والتأثير، إلى ركام الخيبات.

5 ـ والحال أن فعالية ذلك التأثير استمدت وافر دعمٍ وغزير سقاية من إطلاق فهد السعودية «للأممية الوهابية» عند مفصل 1979/1980، على خلفية صدمة جهيمان العتيبي، وبالتصاحب مع التكبير على الجهاد في كابول.

6 ـ إن «قاعدة العراق» تباينت عن تلك في «خراسان» بمزجها بين الجغرافيا والديموغرافيا، واستلهامها الخلافة نهجاً، وتسعير تمذهبها حد الاحتراب.. كل ذلك معطوفاً على قراءةٍ لـ «الربيع العربي» مغايرةٍ لتلك الخراسانية، مفادها أن فوضاه هي البيئة النموذجية للعنف المسلح في أقصى أقصاه، وأن التخادم بالسلب مع إقليميي ساحة العراق ـ الشام هو من أفعال التسخير الإلهية التي لا ضير في سبرها.

لقاء ذلك كان لخراسان قراءةٌ تفيد أن الربيع ذاته مدعاةٌ لتنافع بالإيجاب مع الجو الإخواني الــــصاعد، وفي الطليعة منه تركيا أردوغان، ومعه وعــــبره فاللجوء إلى السلاح في الشام يوفر لخراسان قاعدةً أمامية لن تلبث أن تنفـــك عن إخوانيي المحيط حين يحين الحين.

والحال أن الصدام بين شقي الجهادية بدا وكأنه صدىً لسالفات بعثية بين قومي وقطري، وكأني بحروب الإخوة لازمةٌ عربية بامتياز.

ما الذي ينتظر جهاديتي البدري والظواهري من مصير؟

القاطع أن واشنطن وأخواتها تدرك تمام الإدراك مدى خطر الأولى عليها، وهي تجمع بين «رزايا» خمس: الجغرا ـ ديموغرافيا، كسر الحدود، استلهام الخلافة وحمولاتها، اجتذاب ألوف الشباب الغربي المسلم لندائها، ثم تهديدها الوجودي لآل سعود. أما الثانية فالرهان هو على تدجينها ثم تسخيرها لضرب الأولى كأفضل ترياق لأصعب سم.

الغرب الذي يعض الآن شفتيه ندماً على إنصاته لنصيحة حلفائه في الإقليم، عند نهاية 2011، فتح الحدود مع سوريا لجهاديي أربع زوايا المعمورة كي يثبوا على ساحتها طعناً، وبأمل فناء جلّهم مقروناً بإضعاف جيشها حتى نقطةٍ تقْصُر عن الانهيار بفتْر. لكن العام 2012 لم ينقضِ إلا والاثنان أبعد ما يكون عما كان المطلوب.

إلى أين نحن ذاهبون؟ لا أرى خفوتاً فضموراً فتلاشياً لظاهرة الجهادية السلفية المسلحة إلا بخفوت فضمور فتلاشي مسبباتها، من قهر غربي وتبعية عربية واستبدادو ـ فساد قطري، أي في مشروع عربي نهضوي توحيدي يلمّ المجتمعات القطرية، كلاً منها، ثم الأمة ككل، في فلك مضبوط المسار لا يدع لجيرانه إلا تهيبه، ثم التكافؤ معه تكافؤ المهاب، ويجبر الكولونيالي ـ القديم منه والجديد ـ على النزول عن شجرة الهيمنة والسيطرة، وعلى كلمةٍ سواء تقرّ بحرية ووحدة العرب، وتتفاعل معهم على أرضية حضارة إنسانية واحدة، بتلاوين أممية متمايزة.

لقائل أن يقول: وهل سننتظر نضوج الظروف الموضوعية للمشروع، تاركين صراع النار يأكل ما في طريقه من أخضر، ويزرع مكانه العوسج، أم أن هناك ما نفعل غير الانتظار؟

لصراع النار سبله وآلياته ومساراته، وما أكثر تعرجها، لكن ما أمامنا هو صراط شبه مستقيم، أن ننشر بين الناس فكرة أساس: أن العروبة ليست رومانسية ولا ايديولوجيا. لا هي تفضيل ولا مجرد أمنية. بل وليست حركة توحيد فقط. بل هي أولاً، العاصم الوحيد لحفظ كل قطر، مجتمعاً ودولة، كونها القاسم المشترك الأعظم لكينونته وكيانه.

شغلنا على تلك الفكرة بدأب لا يعرف الكلل. هو مصباح ديوجين في حلكة ليل بهيم، لكن الفجر لا بد طالع بعده مهما طال.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.