أهل غزة .. البحر من ورائكم والسياج أمامكم / د. محمود عبابنة
إن صدقت ذمة رواة التاريخ العربي، فإن طارق بن زياد وضع جيش الفتح الإسلامي في غزوة إسبانيا أمام خيارين، إما الموت غرقاً أو الشهادة والنصر، فكان له ما أراد. هذا المشهد يتكرر على الخط الفاصل بين الإحتلال وأهل الأرض في غزة المنتفضة، فكل الغزيين الذين يتدافعون بإتجاه السياج بحماسة وبصدورهم العارية وليس معهم إلا العزيمة وحجارة الأرض، طالبين الشهادة أو النصر، ومتقدمين في مواجهة العدو كجنود طارق، ورغم أن طارق بن زياد لم يفرح بنصره بل كان مآله الذل والإحتجاز من قبل خليفة المسلمين، لكن التاريخ أنصفه وما يزال جبل لا يهزه الريح يحمل إسم جبل طارق، ويخلد إسمه على جغرافيا الواقع والتاريخ.
قد لا يفرح الغزيين في هذا الزمن العربي الرديء بزوال الإحتلال أو فك الحصار عن أهلهم وثغورهم في غزة والعريش، لكن أبنائهم سيحصلون على النصر والخلود والشرف الذي ساح على جوانبه الدم بفعل الرصاص الحي من بنادق المحتلين على أرض غزة، وفي ساحات المواجهات الدامية.
شباب غزة الذاهبون إلى الموت قلبوا معادلة الأمثال، فالعين تقاوم لمخرز سيما إذا كان المخرز بيد الجبان ويحركه الباطل، فرغم سقوط ما يزيد عن مائة شهيد وآلاف من الجرحى من الغزيين، لكن حجارتهم وطائراتهم الورقية هي التي إنتصرت، وإستطاعوا إحداث الصدمة اللازمة وتحقيق الهدف، فقد ألقوا صخرة كبيرة في البركة العربية الراكدة والآسنة، ووضعوا المصدات أمام الهرولة العربية المتسارعة للتطبيع مع العدو.
وعلى الصعيد الدولي فقد أيقظوا العواصم العالمية ودقوا بيد مضرجة على باب الضمير الدولي والعربي مذكرين بحصارهم الظالم وبعروبة القدس، وبوحشية الإحتلال، وصدر قرار مجلس حقوق الإنسان بتشكيل لجنة للتحقيق في جرائم الإحتلال، واستدعت تركيا وجنوب إفريقيا سفرائها من إسرائيل، وشجيت وإنتقدت إيرلندا وفنزويلا وبوليفيا وحشية قوات الإحتلال، وانطلق سيل من المظاهرات في عشرات العواصم والمدن الأوروبية، في إسطنبول شارك بالمسيرة نصف مليون متظاهر، وتم إلقاء المنتجات والبضائع الإسرائيلية في كثير من المتاجر الأوروبية، وانعقد مؤتمر إسطنبول الإسلامي، وتم التأكيد على الوصاية الهاشمية العربية على القدس.
مسيرات العودة التي ينظمها فرسان غزة، منهج إبداعي وتكتيكي في مسار المقاومة الفلسطينية الشعبية للإحتلال ولتهويد القدس ولقرارات الرئيس المتصهين ترامب، ولمؤامرات المطبعين الذيت إكتفوا بالإستنكار والقلق والمطالبة بعدم الإستفزاز، ولم يقدم أي منهم على إرسال سيارة إسعاف واحدة، أو إستقدام مصاب للعلاج بإستثناء جمل المحامل ‘الأردن’ الذي يحاول أن يسد بما يستطيع عن عجز العرب وقلة حيلتهم.
وخط المحتجين بين البحر وسياج الإحتلال بالأحمر القاني: أن القضية الفلسطينية لن تموت، وأن عروبة القدس خط أحمر، وإن الإحتلال إلى زوال، وأن الحصار لن يقهر إرادة الشعوب، وترجموا شعر أبو القاسم الشابي، إلى فعل وواقع محسوس: ‘إذا الشعب أراد الحياة، فلا بد وأن يستجيب القدر’، لك الخلود يا طارق ويا أبا القاسم ويا شباب غزة.
التعليقات مغلقة.