وزبر حزب الله / محمد فنيش … وزير مقاوم وأسير محرر

نتيجة بحث الصور عن محمد فنيش

الخميس 24/5/2018 م …




الأردن العربي –

جنوبي في ريعان الشباب، ما اعتاد الذل ولا الانصياع لإرادة المحتل. منذ البدايات كان، مقاوماً ثابتاً على إرادة النضال. وكان العدو عنيداً كعادته، لا يترك زاوية الا ويزرع فيها يداً خانت تراب أرضها. منذ الثمانينات بدأ “الكباش” معهم. لا تعود الأرض إلا بالبارود والنار، هذا ما أيقنه.

بعد عامين على الاجتياح الاسرائيلي للبنان، بات مطلوباً هاماً لدى استخبارات الاحتلال في الجنوب. أكثر من معلومة وصلتهم حول دوره بما كان حينذاك نواةً للمقاومة. طلبوا حضوره إلى مركز المخابرات.. لم يستجب، وكيف يرضى ابن الأرض المثول أمام حكم الغاصبين!

أكثر من مرّة حضروا إلى منزله بحثاً عنه دون أن يظفروا به. ذات صبيحةٍ من تشرين الثاني/ نوفمبر 1984 أيقن أن المطاردة مع الاسرائيلي باتت تستوجب بقاءه في الظل. توجه الى ثانوية جويا لإبلاغ الادارة قراره بالتوقف عن التعليم بسبب ظروفه، لكن المحتل كان بالمرصاد هذه المرة، بسبب الأعين الخائنة. كمينٌ محكمٌ نُصِبَ له في محيط المدرسة. أغلقوا الطرقات من جميع الجهات وتم اعتقاله حيث نُقِل مباشرة الى مركز عسكري في جويا بضع ساعات ثم الى مركز المخابرات في صور. خلفه، ترك كما الكثير من المقاومين، زوجة وطفلاً ينتظران عودته الى المنزل. 45 يوماً قضاها في ذلك المركز، وتهمته “مقاوِم”.

بين التعذيب والتحقيق مرت أيامه هناك بثقل الوجع. “لديك مسؤولية ودور في التيار الاسلامي” هذا ما واجهه به المحققون الصهاينة. الترهيب والضغط النفسي كانا كبيرين، لكنه كان قد اتخذ قراره منذ أن وطئ أول جندي محتل أرضه “لا استسلام بل مقاومة”، هو لن يقول ولن يعترف بشيء. لم يوفّر المحققون وسيلة لانهاكه واخضاعه. زنازين افرادية. أشكال مختلفة من التعذيب النفسي والجسدي، كان أقساها تهديده بالتعرض لعائلته التي كانت ما تزال في ذالك الحين تسكن في احدى قرى قضاء صور.

من هناك تم نقله الى معتقل أنصار، دون أن يُقفل ملف التحقيق معه. في كل مرة كان يُعاد استدعاؤه للتحقيق ثم يُعاد وضعه في الزنزانة الافرادية. وذات مرّة، أُعيد الى مكان التوقيف الأوّل في صور. حينها كشف المحققون عن شيئ جديد. كان التعاطي معه بأسلوب أكثر هدوءاً. حمل المحقق بيده ملفاً مكتوباً عليه “سري للغاية”. وكمن يكشف عن حقيقة مرّة، فتح الظرف ليعرض أمامه “بوستر” يحمل علم الجمهورية الاسلامية مع شرح وفلسفة له (كان في ذلك الوقت بدايات تشكّل علم خاص للمقاومة)، وسأله عنه. الشاب الذي يخبر جيدا تفاصيل الراية التي ينتمي اليها يدرك تماما انه في موضع حمايتها. أجاب المحقق ببرودة شديدة بان هذا شعار الجمهورية الاسلامية، لكن المحقق اصر على ان ذلك هو علم حزب الله، دون ان يتمكن من سحب اي اعتراف من الشاب الصلب، فأعاده الى الزنزانة الإفرادية.

اعتاد أن يكون مفرداً لا رفيق له سوى الوحدة بين تلك الجدران الباردة. لكنه في تلك الليلة سمع صوت فتاة معتقلة تبدو كأنها في زنزانة قريبة. صار ينصحها من بعيد بعدم التحدث الى أحد محذراً إياها من إمكانية وجود عملاء قرب الزنازين يسترقون السمع. وبالفعل هذا ما كان. سُحب الشاب من الزنزانة وتُرِك خارجاً في باحة المعتقل طيلة 15 يوماً على الأرض. بعد أن تمكن من إدخال اليأس الى قلوب سجانيه، أنذره المحقق الصهيوني بأنه لن يتمكن بعد الآن من رؤية لبنان. وفي رحلة مريرة تم نقله عبر الناقورة إلى داخل فلسطين المحتلة. هناك رأى مختلف أنواع “الوحوش” من شرطة الاحتلال وواجه اعتداءاتهم البربرية على معتقلين مكبلي الأيدي والأرجل.

يوم واحد قضاه داخل فلسطين قبل أن يعيدوه في اليوم التالي إلى معتقل أنصار لكن عبر بوابة الخيام هذه المرة. عاد الى الوتيرة نفسها، تعذيب فتحقيق فزنزانة افرادية. لم يعرف الثبات داخل المعتقل بسبب اصرار العدو على انتزاع المعلومات منه بأي طريقة. قبيل تفكيك معتقل أنصار استدعي من جديد الى معتقل عتليت في فلسطين. وصل إلى سجن دون أن يعرف مكانه الحقيقي. أسلوب أقسى في الشدة استخدمه المحققون هذه المرة، قبل أن يعطوه ورقة بيضاء ليدوّن عليها سيرته بكل تفاصيلها، دونما نتيجة. خلال مكوثه في زنزانته الافرادية، أُدخل زنزانته عميل مدسوس بهيئة “معتقل”، بطريقة “استعراضية” (وهو يتعرض لتمثيلية ضرب من شرطة العدو). حاول لعب دور المظلوم أمام المقاوم، لكنه سرعان ما اكتُشف أمره من قبل شخص خبِرَ أساليب المحتل. زعم العميل في رواية غير مقنعة أنه تم اعتقاله قبل قليل، وحاول التقرب من المقاوم المعتقل لأخذ المعلومات منه. بعدما تيقن أن الذي يجلس أمامه ليس سوى أداة بيد المحتل، صار شديد الحرص على كل كلمة يقولها أمامه، اختبارٌ جديد نجا منه.

45 يوماً بقي بين الزنازين الافرادية والتحقيق والضغط لا يعلم عن مصير عائلته وطفله الصغير شيئاً. ضاقت روحه بين ألمٍ وصبر. صار كل أمله بالعودة الى معتقل أنصار، في وقت كان موعد حلول شهر رمضان المبارك يقترب. الاسرائيلي يتفنن بأساليب التعذيب، كان يضع داخل الزنزانة آلة ازعاج حتى لا يستطيع النوم أو الاستراحة بين جولات التعذيب والتحقيق. تمنى للحظات لو أنه يُستشهد ولا يبقى شيئ من جسده. هنا ليس أمام الواثق بقضيته والمؤمن بنهجه، سوى التوجه الى الله الحاضر الأكبر.

في تلك اللحظات، فُتِح باب الزنزانة، ورمى الشرطي الثياب أمامه دون توضيح. أول ما خطر في ذهنه أنه سينقل الى معتقل أنصار. بأسلوب العدو الاسرائيلي البربري، تم نقل المعتقلين مكبلي الأيدي والأرجل بـ”الجنازير”. خلال عملية النقل وضعوا جميعاً في زنزانة حيث التقى بمجموعة من المعتقلين الذين سبق أن صادفهم في أنصار.. وفي صف الانتظار شاهد أخاه الاصغر، حاول الاقتراب للحديث معه، فمنعه الاكبر حرصاً عليه. هناك علم بأن المعتقل الذي يظن أنه مقصده، تم تفكيكه، وأنه حالياً في عتليت. رحلته مع عذاب السجان الصهيوني شارفت على الانتهاء. عَلِمَ بوجود عملية تبادل للأسرى تقوم بها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطيني ـ اقيادة العامة في ذلك الحين مع العدو. عبر القنيطرة، تم نقلهم لاتمام عملية التبادل.

3 محاور شاء القدر قبل الاسرائيلي، أن يزورها وزير حزب الله الحاج محمد فنيش خلال رحلة الاعتقال. من لبنان الى فلسطين الى القنيطرة فلبنان مجدداً. وحدة القضية للفصائل المقاومة في ذلك الحين كانت لها الأثر الأكبر في تسريع الافراج عنه. “قضية الصراع مع العدو الاسرائيلي تتناقلها الأجيال، وتتنامى معها قدرات المقاومة، خلال رحلة الاعتقال والأسر، ومن خلال صمودك ووعيك ومعرفة أساليب العدو، يمكن أن تكسره وتهزمه”، يقول فنيش لـ”العهد”.

أراده العدو أن يكون عند خروجه من المعتقل ضعيفاً عن ممارسة أي عمل مقاوم، لكن المشهد مع مرور السنوات بات معكوساً. هذا قدر المقاومين. في العيد الثامن عشر للمقاومة والتحرير، ينكفئ الاسرائيلي الى داخل فلسطين المحتلة عاجزاً عن تنفيذ مخططاته العدوانية حيال لبنان، يختبىء وراء الجدران، أما الوزير فنيش فيجلس الى طاولة مجلس الوزراء، مدافعاً عن المقاومة في الميدان السياسي، كمان كان في الميدان العسكري.

برأيه “القضية هي نفسها، وتتمثل بمواجهة العدو الصهيوني الذي جثم على أرض فلسطين بتآمر وضعف ومخطط للمنطقة، وامتد خطره ليشمل الكثير من الدول العربية من مصر الى سوريا والأردن ولبنان” يؤكد أن “المقاومة التي خاضت هذه التجربة وأكملت هذا المسار تشكل اليوم بما امتلكته من عزم مجاهديها وارادتهم ونهجها وروحيتها الايمانية والثورية والعقائدية قوة ردع مع العدو، لقد غيرت في موازين القوى. وقدمت النموذج والدليل بأنه يمكن الحاق الهزيمة بالعدو شرط حسن استخدام مواردنا وامكانتنا وقوة التزامنا وعوامل القوة في مجتمعاتنا سواء كانت سياسية أو ثقافية، نعم نحن قادرون على مواجهة العدو”.

وعن فلسطين التي زارها أسيراً ذات يوم، يقول “نرى شعباً بأكمله ينتفض أعزلاً، ويفضح بانتفاضته ودمائه كل الزيف والنفاق الدوليين، ويكشف وحشية النظام الدولي القائم من خلال تفرد الادارة الأميركية وتسلطها ومن خلال الوهن والخيانة وتواطوء بعض الأنظمة العربية”.

يرى فنيش بأن “انتصار الجمهورية الاسلامية كان له الفضل الكبير في بروز ظاهرة المقاومة في لبنان كما في استعادة الشعب الفلسطيني للمبادرة واعادة الأمل بامكانية الحاق الهزيمة بالعدو من خلال المقاومة. ما حصل من تطورات في العالمين العربي والاسلامي خصوصاً في سوريا، وهزيمة مشروع اسقاط سوريا أعاد من جديد تعزيز دور محور المقاومة، وهذا الأمل لنصرة هذه القضية الفلسطينية وايصال الحق الى أصحابه”.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.