في الذكرى السبعين للنكبة – عرض شريط وثائقي من فلسطين المُحتلّة / الطاهر المعزّ

نتيجة بحث الصور عن الجزيرة وثائقية

السبت 26/5/2018 م …




الأردن العربي – الطاهر المعزّ –

“باب النّهر” أو تَنْشِيط الذّاكرة الجَمْعِيّة – الطّاهر المُعِز 25 أيار 2018  

بَثّت قناة “الجزيرة الوثائقية” شريطًا وثائقيًّا طويلا (ساعة وخمسين دقيقة) في الذّكرى السّبْعين للنكبة تحت عنوان “باب النّهر” للمخرج الفلسطيني (من مدينة النّاصرة) “نزار حسن” (2018)، وسأحاول تقديم أو عرض بعض ما رسخ في ذاكرتي بعد مشاهدة الشريط مرة واحدة، إذ وجبت مشاهدته عدة مرات لاستيعاب التّشابك بين الأشخاص والأُسَر والوثائق المَعْرُوضة مع تاريخ فلسطين ما قبل وما بعد النّكبة، وبشكل أدق تاريخ فلسطينِيِّي الدّاخل، الذين يرزَحُون تحت الإحتلال الصهيوني منذ 1948…

يُمْكِن تصنيف الشريط بأنه وثائقي تاريخي، اعتمد الرواية الشفوية والرواية المكتوبة، رواية المُحْتَلّ ورواية الواقع تحت الإحتلال، وهو شريط سَلِس ومُشَوّق لأن نزار حسن قَدّمَهُ لنا (من خلال الصورة والتّركيب والتّأليف) في شكل رواية مُثِيرة للفُضُول، وبها عِدّة أدراج، تفتح دَرَجًا ليُفْضِي إلى دَرَجٍ آخر، وكل وثيقة تجعلنا نكتشف معلومة جديدة عن الأشخاص الذين تحاور معهم المُخْرِج، وعن ارتباطاتهم العائلية وعن علاقاتهم وعلاقات ذَوِيهِم بالإحتلال ومُؤَسَّساته التي يمكن وصفها جميعًا بالمؤسسات الأمنية، لأن جميع مُؤَسّسات الإحتلال، بدون استثناء، ارتباطات بالمخابرات الصهيونية (الميدان الأكاديمي والرياضي والإعلامي والأدبي وما سُمِّيَ المجتمع المدني وغيرها)…

يُقَدّم الشريط في بدايته فقرة مكتوبة على الشاشة، تُلَخّصُ نتائج النّكبة من وجهة نظر من بقوا على أرضهم وفي وطنهم، وحَوّلهم “المجتمع الدّولي” والإحتلال من “فلسطينيين” إلى “عرب إسرائيل”، مع إضافة صفة أخرى (لإلغاء كلمة فلسطيني وإلغاء القاسم المُشترك) مثل “دروز” أو “بدو” وغير ذلك من أساليب طمس الهوِيّة، وأثناء التصوير، لخّص أحد فلسطينِيِّي “النَّقَب” (جنوب فلسطين) أهم قضايا الحياة اليومية لفلسطينيِّي الإحتلال الأول (1948) في: مصادرة الأراضي، وهدم البيوت (ورفض الترخيص بإصلاحها أو توسيعا أو بناء مسكن جديد) وإهمال المُدُن والقُرى التي يسكنونها (غياب البنية التحتية والمرافق…) 

يَتّصِفُ “نزار حسن” بالمُثابرة في عَمَلِهِ، وفق منهجية البحث العلمي (أو الأكاديمي) حيث يُدَقِّقُ ويتثبت في كل معلومة وفي كل وثيقة، مما جعله يكتشف مراجع أخرى ووثائق أخرى ومعلومات جديدة، أثناء إنجاز الشّريط، فأنتَج عَملُهُ البحثي شريطًا شَيِّقًا وشبيهًا برواية، ويمكن تلخيص محتوى الشريط بأنه تَنْقِيب (أو حَفْرِيّات) في بعض تاريخ فلسطين، وبحث جِدِّي في طبيعة العلاقات بين المُسْتَعْمِر الصهيوني والفلسطيني الواقع تحت الإحتلال الإستيطاني الإقتلاعي، من خلال وثائق مكتوبة ومسموعة ومُصَوّرَة، تُبَيّن علاقات الهيمنة، وبعض مظاهر الخنوع والتّعاون بين المُحْتل وبعض الأفراد والأُسَر الفلسطينية، ونَكْتَشِفُ ويكتشف المُخْرِج أيضًا (من خلال الوثائق الصهيونية أو التي احتفظت بها بعض الأُسَر) العلاقات المُرِيبَة بين سلطات الإحتلال (المُخابرات) وبعض “شُعراء المُقاومة” والأدباء والصحافيين والأعيان الفلسطينيين من نساء ورجال، إمّا عن غباء أو عن سذاجة أو عن طَمَعٍ ووَعْي، واستخدمت المُخابرات العراقيين اليهود الذين يُجِيدون العربية للتغلغل داخل جميع فئات الفلسطينيين قبل الإحتلال وبعده، وخصوصًا منذ بداية خمسينيات القرن العشرين، وأظْهَرت الوثائق الصّهيونية لبدايات تأسيس دولة الإحتلال، مُخَطّطات احتواء الفلسطينيين، أصاحب البلاد الشّرْعِيِّين، كما أظهرت هذه الوثائق أن المُصْطَلَحات والعبارات التي تستخدمها المُخابرات الصهيونية هي نفسُها التي يعتمدها اليوم خطاب المُنظّمات “غير الحكومية”، باسم اكتشاف الآخر والتّعايش والنضال السّلمي والحضاري، وتحرير المرأة (الفلسطينية طبْعًا) عبر احتكاكها بالنساء المُسْتَوْطِنات “الأشْكِنازيم”، بغرض تحويل قضايا شعب رازح تحت الإحتلال إلى قضايا أفراد أو “مُواطنين” (من درجة عاشرة) أو أقلِّية تعيش في “دولة ديمقراطية” يمكنها المطالبة بحقوقها (الفردية) من خلال برامج إذاعية أو تلفزيونية أو جهاز القَضاء أو جمعيات حقوقية، أي من داخل الهامش الذي تَسْمَحُ به دولة الإحتلال، وبأساليب “مًتَمَدِّنَة” و”مُتَحَضِّرَة”، شرط التّخَلِّي عن الطموحات والمطالب الجَمْعِيّة أو ذات الصبغة الوطنية، والتّخَلِّي عن “الهمجِيّة والعجْرَفَة” التي تُميّز الشعوب الرّازِحة تحت الإحتلال والإضطهاد، وتعاني من إنكار الوجود في حال الفلسطينيين (كما الشعوب الأصلية في الأمريكيتين)…

يطرح الشريط قضايا “تَشَبُّه المغلوب بالغالب” (وفق تعبير عبد الرحمان ابن خلدون، القرن الخامس عشر والسادس عشر) واحتقار البعض من “نُخْبَة” المغلوب لثقافته وحضارته وتاريخه واعتبار ان التّشبه بالغالب يفتح آفاق العمل والعيش والرّفاه (عن “فرانتز فانون”)، أما الغالب ومن يُمَثِّلُهُ فلا يتعلّم لُغة (وتاريخ وحضارة) الشعوب الرّازحة تحت الإحتلال إلاّ “لِغاية في نفس يعقوب”، والغاية هي التّجسّس واستدامة الإحتلال والإخضاع، وتجنيد عُملاء ومُتعاونين وجواسيس يُخَرِّبُون المُجْتَمَع من الدّاخل، لقطع الطريق أمام فِكْرَة المقاومة، ويرفض العرب اليهود العراقيون الذين استجوبهم “نزار حسن” التّخاطب بالعربية أثناء الحوار، رغم إتقانهم لها لأنها لُغتهم الأصلية (اللغة الأُم)، ويختارون الحديث بالعبرية، وعندما يَجِدّ الجِد، يختار “التّقَدّمِيّون” اليهود (الذين لا يعتبرون أنفسهم “صهاينة”) صَفَّ الإحتلال، ومعهم العُملاء…

يُشير العنوان إلى النّكبة، ف”باب النّهر” (عنوان الشريط) هو مكان في “الطّيرة” وهي قرية قريبة من “حيفا”، ارتكب الصهاينة فيها مجزرة (أو محرقة، لأنهم حرقوا السكان) خلال شهر تموز 1948، ثم هَجّرُوا من أفلت من المحرقة، عبر “باب النّهر”، ويتابع الشريط مسيرة شَخْصين فلسطينيّيْن، أحدهما “مُتعاون” مع جهاز دولة الصهاينة والآخر من النشطين في تنظيم التظاهرات مثل يوم الأرض وإحياء ذكرى النّكبة، وكلاهما أصيل “الطّيرة” التي أصبحت اليوم خَرَابًا، مثل 531 قرية أُخرى هدمها الإحتلال أثناء النكبة، وحَظَرَ على أهلها العَودة إليها… 

في خِتام هذا العرض المُوجز جدًّا، لأن الشريطَ كَنْزٌ من الوثائق ومن الصّوَر ومن الشخصيات، لديَّ بعض التّساؤلات المَشْرُوعة، منها: قرأتُ في آخر الشّريط، كلمات شُكْر أو امتنان لبعض المُؤَسَّسات، ومنها مركز وثائق الدولة الصهيونية والمكتب الإعلامي للكنيست وجهاز أمن الكنيست وغير ذلك، وقد يكون ذلك أحد بنود “العِقْد” (المَعْنَوِي، أو المُسْتَتِر) أو الثّمن المطلوب، للسماح بالتصوير والإطّلاع على الوثائق، خاصة بالنسبة للفلسطينيين في الدّاخل الذين يُلاقُون كل العراقيل، ولا يمتلكون سوى هامش ضيّق جدا، ووجب شُكْرُ “نزار حسن” لأنه تمكن من داخل هذا الهامش الضَّيِّق من إنتاج شريط جَيِّد، بدون طلب تمويل صهيوني أو أوروبي، وتجنّدت أُسْرَة المُخرج والمنتج للعمل على إنجاز الشريط… 

هناك تساؤلات أخرى، لكن طَرْحَها قد يُحَوِّلُ وجهة نقاش جوهر الشريط الذي يَطْرَح ويتناول مواضيع حسّاسة، بشكل جَيّد، إلى قضايا جانبية، قد تُهَمِّشُ النقاش حول الجوهر، وقد نعود لِطَرْحِ بعض هذه التّساؤلات لاحِقًا…  

وجبت الإشارة ان الشريط مُتَوَفِّر على شبكة “يوتوب” على الرابط:

https://youtu.be/zAuW2NVWJ9k

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.