الخلافة الإسلامية … مشروع إسرائيلي خليجي / محمد صفا
محمد صفا ( الأحد ) 24/5/2015 م …
لم يأتِ إعلان دولة الخلافة الإسلامية بقيادة البغدادي خارج السياق العام للمشروع الصهيو ـ أميركي ـ الخليجي، فهذا الإعلان يوفّر عدة عناصر للمشروع الأصلي بتفتيت المنطقة لصالح “إسرائيل”. ويبدو أنّ العجز الأميركي الصهيوني عن الحسم العسكري في عددٍ من مساحات الصراع، من بينها لبنان عام 2006 وسوريا الآن، دفع المحور الأميركي الصهيوني لاعتماد الأدوات المحلية في الصراع، لإنجاح المشروع الذي عجز هو عن تنفيذه لاعتباراتٍ موضوعية تتصل بالأزمة المالية الأميركية، التي انعكست تراجعاً في القدرات الهجومية الأميركية وتراجعاً في النفوذ، والعجز الميداني الصهيوني الذي تبدّى في العام 2006 وأسّس لعملية توازنٍ في الردع والرعب في آن.
كان المشروع الأصلي الذي خطّط له المفكّر الأميركي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط، برنارد لويس، وبمساهمة من نتنياهو يقوم على تقسيم المنطقة إلى دويلاتٍ طائفية وعرقية وإثنية، بما يريح “إسرائيل” ويبرّر وجودها كدولةٍ دينيةٍ في المنطقة، وقد ساهم في التنظير لهذه الرؤية المفكّر الأميركي دوغلاس فايث تحت عنوان (الفوضى الخلاقة أو البناءة)، التي من شأنها تسهيل مهمة تنفيذ الخطة وإيصالها إلى خواتيمها المنشودة.
حاول المحافظون الجدد بواسطة جورج دبليو بوش تنفيذ الخطة عن طريق العمل العسكري المباشر، مستغلّين الفراغ الذي أحدثه انهيار الاتحاد السوفياتي، فقاموا باحتلال كلّ من أفغانستان والعراق، ووصلوا الحدود السورية تمهيداً لبلوغ هدف الخطة، ولا يمكن عزل ما قدّمه وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولن باول من شروط للرئيس الأسد في أيار عام 2003، والتي رفضها الرئيس الأسد عن هذا السياق.
فشلت الخطة العسكرية الأميركية في العراق نتيجة المقاومة التي واجهتها، وفشلت في لبنان أيضاً نتيجة الهزيمة التي ألحقت بالقوات الإسرائيلية من قبل حزب الله، لم يبقَ أمام المشروع الصهيوـ أميركي سوى الاتكال على الأدوات المحلية لبلوغ المشروع، وهي أدوات أقل كلفة بالنسبة للفريقين الأميركي والصهيوني، لأنها تنفذ بأدوات وأيدي عربية، وبأموال ودماء عربية أيضا.ً
بدأ التحضير للمشروع بإقامة التحالف القطري ـ التركي ـ الإسرائيلي. لم تكن التحركات والألاعيب التي مارسها أردوغان سواء من خلال باخرة مرمرة، أو ما جرى في مؤتمر دافوس الاقتصادي خارج السياق العام للخطة، وكذلك محاولات استيعاب النظام السوري بالانفتاح عليه لاحتوائه، وفي نفس السياق كانت التحركات التي قام بها أمير قطر، بالمساهمة في إعادة بناء ما هدمته “إسرائيل” في جنوب لبنان، ومحاولة إغراق سوريا بمجموعة استثماراتٍ عقاريةٍ وسياحية واقتصادية، ليشكّل مع حليفه التركي فكّي الكماشة على النظام السوري.
لم تنجح الخطة القطرية ـ التركية في استيعاب كلّ من حزب الله وسوريا، فكان لا بدّ للراعي الأصلي للمشروع من استخدام الأوراق الاحتياطية التي بحوزته، وهي المنظمات “الجهادية” الإرهابية، فوحدها القادرة على العبث بالمحتوى الاجتماعي العربي تحت العنوان الديني، لذا كانت داعش والنصرة وأخواتهما من الفصائل الإرهابية، وكان العنوان الذي عمل عليه الباحثون الأميركيون، الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، فوحدها القادرة على تفجير المنطقة وتحقيق المشروع التفتيتي الذي يخدم “إسرائيل” ويبقيها بمنأى عن أية مخاطر أمنية وتؤمّن تفرّدها بالمنطقة، وفي احتواء الموضوع الفلسطيني وإنهاء القضية الفلسطينية من أصلها.
لم تكن السعودية خارج السياق العام للمشروع، رغم التباين الشكلي مع تركيا وقطر من الناحية الإيديولوجية، بين الإخوان المسلمين الذين اعتمدهم الأميركي بتسهيلٍ قطري أردوغاني، وبين الوهابية الطامحة لأن تشكّل البديل للإخوان في المنطقة، لكن خبرات الأمير السعودي بندر بن سلطان وعلاقاته العميقة مع المنظمات الإرهابية والحاجة إلى التمويل السعودي دفع الأميركي والصهيوني للضغط على هذه الأطراف لتضييق هوة الخلاف بينها، ليتحولوا جميعاً إلى وحدة مشروع متكامل رغم بعض تعارضاتهم في خدمة المشروع الأصلي الأميركي الصهيوني. من هنا يمكننا فهم عملية التناوب التركي ـ القطري، مع السعودي، التي كانت تحصل في سوريا ضمن سياسة توزيع الأدوار، في التمويل والتدريب وتمرير السلاح والدعم اللوجستي كلٌّ بحسب قدراته ومعطياته الذاتية.
فشل المشروع الأميركي ـ التركي ـ الخليجي في سوريا نتيجة صمود النظام والدور الريادي الذي لعبه الجيش العربي السوري في المواجهة، وكان لا بدّ من البحث عن نقطة ضعفٍ أخرى في الجسم العربي يستطيعون من خلالها النفاذ لإنجاح مشروعهم، فكان العراق ذو البنية الاجتماعية والطائفية الهشة، بعد أن عبث الاحتلال الأميركي بمكوّناته الاجتماعية والسياسية والطائفية، وكانت داعش أيضاً وأخواتها من النقشبندية وبقايا البعث الصدامي الباحث عن استعادة السلطة التي فقدها وبأي ثمن.
لم يكن سقوط الموصل والمناطق الأخرى بيد الداعشيين وأعوانهم بفضل القدرة والكفاءة العسكرية بقدر ما كان نتاج حلف شيطاني أميركي ـ إسرائيلي ـ تركي ـ قطري ـ سعودي، وتآمر كردي ـ برزاني جرى التخطيط له بإتقانٍ ودقة.
الآن أعلن البغدادي قيام الخلافة الإسلامية بزعامته، وعيّن الأمراء والولاة على الأقطار التي تتضمنها خارطة ولايته، وليس بالصدفة أن تكون كل هذه الأقطار محيطة بـ”إسرائيل”، الهدف هو ضمان أمن “إسرائيل” وضمان عدم التعرّض لها.
إنها الحلقة الأخيرة من حلقات المؤامرة على الأمة، انخرط فيها كلّ تركيا الطامعة بالبترول العراقي وضمّ الموصل في حال تقسيم العراق بحسب خطة جو بايدن، والبرزاني الطامح لإقامة دولته الكردية المستقلة، وقطر والسعودية اللتان تحوّلتا إلى حليف علني موضوعي للعدو الصهيوني بعد أن كان تحالفاً سرياً، كلٌّ لأسباب خاصة تتعلق به، فالسعودية بداعي العداء لمحور المقاومة الممتد من طهران مروراً ببغداد ودمشق وصولاً إلى بيروت حزب الله الذي يتعرض لعملية ابتزاز بالعمليات الإرهابية المرشحة للمزيد من التصاعد بعد إعلان الخلافة الإسلامية، وقطر بتحالفها الموضوعي مع التركي والإسرائيلي والتبعية المطلقة للولايات المتحدة.
لا حل سوى بالعمل الجدي على إسقاط هذه المؤامرة، ولن يحصل ذلك إلا من خلال ضرب رأس الأفعى، وحيث أنّ هذه الأفعى هي برأسين أميركي وإسرائيلي ، وحيث أن ثمة صعوبة في ضرب الرأس الأميركي فلا يبقى سوى ضرب الرأس الإسرائيلي ، لأنه بضرب رأس الأفعى تسقط حكماً وأوتوماتيكياً بقية أذنابها السعودي والتركي والقطري، غير ذلك سنجد أنفسنا أمام نماذج إسرائيلية أخرى في المنطقة على حساب الأمة ومصيرها.
التعليقات مغلقة.