مع هكذا حلفاء ووكلاء واصدقاء لا يحتاج الاردن الى اعداء / د. عبد الحيّ زلوم

 

 




                 

د. عبد الحي زلوم ( الأردن ) الأحد 27/5/2018 م …

. * فرامانات صندوق النقد الدولي تطلب من الدولة الاردنية أن يصبح مجموع 1+2= 30 …

صدقوني أني لا أقول أشفق ولكن أقول أتفهم صعوبات موقف حكومة الاردن التي يُطلب منها وتحاول أن تقوم بالمهمة المستحيلة (Mission Impossible) بشؤون المال والاقتصاد فأعمال الجباية وسحب السيولة من السوق ومن البنوك لا ينتج عنها الا تراجع اقتصادي يزيد الطين بلة كما تقول قواعد الف باء الاقتصاد . إن آراء ثلاثة من خبراء الاقتصاد الحائزين على جائزة نوبل عام 2001 تعارض السياسات الظالمة لصندوق النقد الدولي. وهـؤلاء هم: جورج آكيرلوف (George A. Akerlof) من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، ومايكل سبنس (Michael Spence) من جامعة ستانفورد وجوزيف ستيجليتز (Joseph F. Stiglitz) من جامعة كولومبيا. وقام هؤلاء الخبراء “بمعارضة الوصفات العلاجية التقليدية في سياسة صندوق النقد الدولي”.

اليوم كل القطاعات في الاردن تصرخ لما قد تقدمه الحكومة من قوانيين جديدة للجباية .

اصحاب البنوك هم الاكثر ضجيجاً وهم في النهاية يتكلمون عن تآكل ارباح .اما شرائح المجتمع الاخرى والتي طالتها قوانيين الجباية فإن تلك الاقتطاعات هي من دخولها التي تقتطع من قوت يومها.  ضجيج الجياع  هو الاقل صوتاً ولكنه الاكثر خطورة اجتماعياً وسياسياً.

 لا نحسد دولة قال لها حلفاؤها ووكلائهم: اغلقوا حدودكم مع شركائكم  الاقتصاديون من دول الجوار كسوريا مثلاً لتخسروا 300 مليون دولار في السنة رسوم عبور جمارك . واستضيفوا مليون مواطن سوري من اخوتكم في العروبة فهذا واجبكم وهو فعلاً كذلك واصرفوا عليهم مما انعم الله عليكم واتركونا بحالنا فعلينا ان ندفع مليارات الدولارات لتغيير وتدمير بلد عربي لا ناقة لنا معه ولا جمل . وانضموا الينا  يا أردن في التحالف ضد الارهاب الذي انشأناه بأنفسنا وبترودولاراتنا ولا تنسوا ان تحموا حدودنا من الارهابيين بل وحدود حلفاءنا الجدد فنحن اوفياء لهم والوفاء من طبيعتنا .  واغلقوا حدودكم مع العراق شريككم الاقتصادي الاكبر لتحموا انفسكم وتحمونا من الارهاب فيبدوا أن اهل الارهاب لا ذمة ولا وفاء لهم حيث نسى بعضهم اننا اولياء نعمتهم .  يقولون للدولة الاردنية نحن نتفهم موقفكم ولكن اذهبوا انتم وربكم وقاتلا انا عليكم متفرجون .

لا ادري كيف يستطيع اي بشر ان يدير دولة بين هذه الطلاسم خصوصاً اذا قيل لاولى الامر ان عليكم ان تبقوا داخل هذا (الصندوق) الذي انتم فيه . مثل ذلك مثل من يريد أن يذهب الى الطبيب شاكياً سوء صحته وقائلاً انه يدخن ثلاث علب سجاير في اليوم ويشرب زجاجة ويسكي يومياً وهو (مبسوط) ولا يريد تغيير ذلك ويريد من الطبيب دواء يشفيه .

المشكلة اليوم هي اننا نعيش في عالم مضطرب . (حليفنا!) الاكبر يعيش حالة انكار . فهو يعيش على الديون التي تزيد نسبتها الى ناتجه القومي الاجمالي عن 93% التي يولول لها صندوق نقدهم الدولي . هيمنته وعولمته في انحدار . مجتمعه في حالة انقسام غير مسبوق . الانجليكيون والمتعصبون والعنصريون اوصلوا رئيساً الى السلطة اراد النصف الاخر من المجتمع اقصاءه من منصبه. عيّن  أمثال جون بولتن كرئيس لمجلس الامن القومي وهو من رفص الكونغرس تثبيته مندوباً للولايات المتحدة في الامم المتحدة  لاكثر من سنة مما اضطره الى ترك  هذا المنصب . وعيّن جنرالات ترك احدهم الخدمة لانه يريد محاربة ايران بينما كان يقول رئيسه في هيئة الاركان المشتركة للكونغرس ان كلفة مثل هذه الحرب ستزيد عن تريليون (الف مليار ) دولار بالسنة .  ويدير البيت الابيض صبية هواه من الصهاينة مؤهلات كبيرهم انه زوج ايفانكا . فأصبح نتنياهو يدير العالم عبر زوج (الست) فما هو الكوكتيل العجيب من  قرارات مثل هذه الادارة ؟

  • بالنسبة لقرار الخروج من الاتفاق النووي فقد نتج عنه شرخ بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بل واكثر دول  العالم . للمرة الاولى بدأنا نسمع من قادة مثل ميركل  في ألمانيا انه لايمكن الاعتماد على الولايات المتحدة ويجب على الدول الاوروبية الاعتماد سياسياً واقتصادياً ومالياً على نفسها . وخرجت الاصوات نفسها من فرنسا . فالغباء وصل الى درجة التهديد بفرض العقوبات على الشركات الاوروبية مثل الايربص وشركة توتال للنفط …. الخ .  وهذا هو اكبر شرخ في تاريخ حلف الاطلسي . كل ذلك من اجل عيون نتنياهو . علماً بان هذا الاجراء هو نقض لاتفاقية دولية معتمدة بالاجماع من مجلس الامن الدولي.

  • نقْل السفارة الامريكية الى القدس ايضاً قرار خالفته دول الاتحاد الاوروبي الوازنة . وكذلك اكثر دول العالم . علماً بأن هذا القرار يخالف جميع قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي .

  • الانسحاب من اتفاقية  باريس  للانحباس الحراري . وهو انسحاب من اتفاقية دولية.

  • فرض رسوم وتعرفة على بعض البضائع المستوردة مخالفاً قوانيين التجارة الحرة .

فهل نستطيع أن نقول ان الولايات المتحدة هي دولة مارقة ؟ وهل نستطيع أن نقول انها تحاول ارجاع التاريخ وعقائب الزمن الى ايام الهيمنة الكاملة والذي اصبحت حلماً مستحيلاً .

افضل  ما أجده معبراً عن حالة الادارة الامريكية هذه الايام هو ما جاء في محاضرة المؤرخ العالمي المشهور Eric Hobsbawmكما جاء في محاضرة ألقاها بجامعة هارفارد بتاريخ 20 اكتوبر 2006 بأنه “لربما تسبب الإمبراطورية الأمريكية الفوضى والبربرية بدلاً من حفظ النظام والسلام”. وقال “إن هذه الإمبراطورية سوف تفشل حتماً”، ثم أضاف “هل ستتعلم الولايات المتحدة الدروس من الإمبراطورية البريطانية أم أنها ستحاول المحافظة على وضعها العالمي المتآكل بالاعتماد على نظام سياسي فاشل وقوة عسكرية لا تكفي لتنفيذ البرامج التي تدّعي الحكومة الأمريكية بأنها قد صممت من أجلها ؟”.

علمنا التاريخ الحديث بأنه يمكن للإمبراطوريات أن تنهار بين عشية وضحاها كما في الإتحاد السوفياتي . إن النظام الإمبراطوري الأمريكي اليوم هو في حالة ارتباك وانحدار . وسوف يتبعه الكيان الصهيوني عاجلاً وليس آجلاً . مستقبل امبراطوريات هذا الزمان هو الموت المفاجئ ، بسكتة قلبية اقتصادية كما حصل بالاتحاد السوفياتي وما كاد أن يحصل للامبراطورية الامريكية في أزمتها المالية الاقتصادية سنة 2008 والتي لم تتعافى منها حتى يومنا هذا بالرغم من اي ادعاءات اخرى.

ما يهمنا هو الاردن  وما نحاول ان نقوله هو أن حلفاء الاردن التقليديين هم في حالة ارتباك سياسي واقتصادي بلغ حد البلطجة وطلب الاتاوات كالمافيا من دول الخليج لحمايتها . نحن نقدر صعوبة القرار للخروج من صندوق الهيمنة الامريكية ولكن الصعوبات التي ستنجم عن  البقاء به ستكون اكبر بكثير .

الخيارات المتاحة متوفرة اليوم اكثر من اي وقت مضى . فعملية الخروج من الهيمنة الامريكية اصبحت هدفاً جامعاً للعديد من دول العالم بما فيها دول عظمى وإقليمية اخرى . والمعلوم أن العلاقات بين الدول لا تقوم على العواطف وإنما على تقاطع المصالح وعلى الادارة الحكيمة ان تُموقِع نفسها مستعملة ميزاتها النسبية الجغرافية والجيوسياسية  وهناك ميزات كبرى يمتلكها الاردن في هذا المجال .

كتب ويليس هارمن Willis Harman “ويتعمق شعور الشعوب في العالم الحالي بأنهم أصبحوا بلا حول ولا قوة.. وهم في أكثر الاحيان يعزون تلك المشاعر لاخفاق سياسات قوى النفوذ او الى اليساريين المتعصبين، أو الى الرأسماليين الجشعين. ولكن حقيقة الامر هي أعمق من ذلك وتتطلب تغييراً عميقاً أساسياً في المفاهيم والافتراضات (للنظام نفسه)”.

إن جميع فئات المجتمع من حاكم ومحكوم هي مستهدفة ومطلوبٌ منها اليوم ان تتعاون للخروج من هذه الازمة والتي تهدد مجتمعنا ودولتنا وليس هذا هو وقت للانتهازية أو محاولات تصفية الحسابات .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.