الإبداع الفِلسطيني المُقاوَم أعادَ إحياء القضيّة الفِلسطينيّة، ووضع مُعاناة أهل قِطاع غزّة تحت الحِصار على خَريطة الاهتمام العالميّ بقُوّة، وبِتَكلفةٍ مَحدودةٍ جدًّا، وأصابَ الإسرائيليين في مَقتَل.
ما يُقلِق الإسرائيليين أمران رئيسيّان: الأوّل هذا العَقل الفِلسطيني القادِر على الاختراع، وبالتَّالي المُفاجأة، والثَّاني هو الإبقاء على القَضايا الجوهريّة للصِّراع العربيّ الإسرائيليّ حيّةً راسِخة، وعلى رأسِها قضيّة العَودة إلى الأراضي المُحتلَّة في يافا وعكا وحيفا وكُل المُدن والبَلدات والقُرى الفِلسطينيّة التي جَرى إخلائها من سُكَّانِها الأصليين وتَوطين يهود مكانهم في مُواجهةِ خُطَّةٍ إسرائيليّةٍ دوليّةٍ لشَطبِها، ودَفنِها.
ثلاثة اختراعات رئيسيّة تَفتَّق عنهما العَقل الفِلسطيني المُقاوِم في قِطاع غزّة في الأيّام القليلةِ الماضِية أُضيفَت إلى مَخزونٍ كبيرٍ من الاختراعات العَسكريّة على مَدى السَّنوات الماضِية:
ـ الأوّل: تنظيم مسيرات العَودة قُرب الحُدود مع الأراضي الفِلسطينيّة، وحَشد مِئات من الفِلسطينيين من مُختَلف الأعمار للمُشاركةِ فيها، والشَّباب على وَجهِ الخُصوص، لتَوجيه رسالةٍ قويّةٍ إلى الإسرائيليين تقول بأنّ الأجيال الجَديدة لن تَنسى.
ـ الثاني: حَرب الطَّائِرات الورقيّة التي أحرَقت المزارِع الإسرائيليّة في المُستوطنات الشماليّة ومَحاصيلها، ودَفعت الجيش الإسرائيلي لإطلاق أسراب الطَّائِرات المُسيَّرة “درونز” للتَّصدِّي لها، الأمر الذي يُكلِّف المِيزانيّة الإسرائيليّة ملايين الدُّولارات.
ـ الثالث: انطلاق أوّل رحلة لقارِب من ميناء الصَّيادين في غزّة لكَسر الحِصار، وتحميلِه بمَرضى بأمراض السَّرطان، ومُصابين شارَكوا في مسيرات العَودة وجرى بتر أطرافهم من جرَّاء الرَّصاص الإسرائيلي الحَي، ليَشرَحوا للعالم مُعاناتِهم تحت الحِصار، وحَقِّهم الشَّرعيّ في العِلاج في ظِل انهيار المُستشفيات وعَدم قُدرَتِها على مُواجَهة طُوفان الجَرحى الذين زاد عددهم عن أربعةِ آلاف جَريح.
نحن هُنا لا نَتحدَّث عن إنتاج عَشرات الآلاف من الصَّواريخ، والطَّائِرات المُسيَّرة، وهَندسة حَفر الأنفاق تحت الحُدود، علاوةً على العَديد من الاختراعات السِّريّة التي لم يتم كَشف النِّقاب عنها، وسَتُشكِّل مُفاجآتٍ للإسرائيليين في المُستقبل المَنظور، بل نتحدَّث عن الفُصول الأحدَث التي رأيناها في الأيّام القليلةِ الماضِية.
إنّهم أبناء فِلسطين، إنّهم أبناء الأُمّتين العربيّة والإسلاميّة، الذين يُشكِّلون حالةً استثنائيّة في زمن الاستسلام والتَّطبيع الرسميّ العَربيّ مع دُوَل الاحتلال.
المُقاوَمة الشعبيّة السلميّة باتت تتكامَل مع المُقاوَمة العسكريّة، وتسيران جَنبًا إلى جنب، مِثلما شاهَدنا إقدام خلايا حركتيّ “حماس″ و”الجِهاد الإسلامي” على إطلاق 30 قذيفة هاون على مستوطنة سيدروت شمال غزّة ردًّا على غاراتٍ إسرائيليّةٍ على القِطاع أدَّت إلى استشهاد أربعةِ مُقاوِمين، أدَّت إلى إصابَة ثلاثة مُستَوطنين إسرائيليين.
مقاوموا القِطاع لا يَنتظِرون الوَقت والزَّمن المُناسِبين للرَّد، ولا ينشَغِلون بالنَّشرة الطبيّة عن التَّطوُّرات الصحيّة للرئيس في رام الله، ولا تُرهِبهم طائِرات “إف 16” الإسرائيليّة الأمريكيّة الصُّنع، وسَيظلُّون شَوكةً في حَلق الاحتلال وكل داعِميه.
هؤلاء الصَّائِمون المُتَعَبِّدون الذين اختاروا حياةً كريمةً، أو شهادةً مُشرِّفة، يُخطِّطون الآن لانطلاقِ مسيرة عَودة كُبرى بمُناسبة ذِكرى الخامِس من حزيران (يونيو) التي تُؤرِّخ لهزيمة العرب، ليَقولوا أن نَفَسَهم طَويل، وإرادَتهم قويّة، وعزيمَتهم تزداد صَلابةً ولن تفتر أبدًا.
فليُهدِّد نِتنياهو مِثلما يشاء، وليَعقِد اجتماعات وزارته الأمنيّة المُصغَّرة في مَلجأ مُحصَّن تحت الأرض، فاليوم طائِرات ورقيّة حارِقة، ويَعلم الله ما ستكون عليه المُفاجأة المُقبِلة، والاختراع الجَديد.
إنّه العَقل الفِلسطينيّ العربيّ الإسلاميّ الجبّار المُبدِع الذي يُشكِّل استثناءً في زَمن الاستسلام والتَّطبيع العَربيّ الرَّسميّ.
التعليقات مغلقة.