هل ينتهى “القرن الأمريكي” قريبًا؟ / الطاهر المعزّ
الطاهر المعزّ ( تونس ) الأربعاء 30/5/2018 م …
تُنْسَبُ عبارة “القرن الأمريكي” في الأصل إلى الناشر الأمريكى “هنرى لويس” سنة 1941، قبل أن تدخل أمريكا الحرب العالمية الثانية، حيث كان قادة أمريكا ينتظرون هزيمة الإتحاد السوفييتي وإنهاك أوروبا، وعبّر صاحب هذه المقولة عن رغبته في أداء أمريكا دور أساسي في الحرب لتُصْبِحَ أقوى دولة وتقود العالم طيلة قرن كامل، ثم تأسست سنة 1997 مؤسّسة “غير ربحية” نُخْبَوِيّة مدعومة من المؤسسة الرسمية الحكومية تحت إسم “مشروع القرن الأمريكي الجديد”، ويعرفه أصحابه كالتالي: “هو مؤسسة تعليمية غير ربحية تهدف إلى تطوير القيادة الأمريكية للعالم“، وتُعْتَبَرُ هذه المؤسسة (غير الحكومية وغير الربحية وفق مصطلحات “العولمة”) مختبرًا سياسيا للمحافظين الجدد وللمسيحيين الصهاينة، وكان “خُبَراؤُها” في الأروقة الخلفية لإدارة الرئيس “جورج بوش الإبن”، وأثروا في توجّهات السياسة الخارجية، وفي اتخاذ القرارات الهامة ذات الصبغة العسكرية، مثل تطوير نظريات “الأمن القومي” والدّفع نحو احتلال العراق… وأعادت “هيلاري كلينتون” وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة إحياء هذه المقولة سنة 2011 أثناء إعلان “باراك أوباما” عن محاصرة الصين وروسيا (عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا) ونقل 60% من القوات البحرية الأمريكية (رمز القوة العسكرية الأمريكية) إلى المناطق المحيطة بالصين، في إشارة إلى الهيمنة المُطْلَقَة للإمبريالية الأمريكية على العالم، وعدم السماح بأي شكل من أشكال المنافسة. أما عنوان الفقرة في إشارة إلى عنوان كتاب “هل انتهى القرن الأمريكي؟” (Is the American Century Over) الصادر سنة 2015 للمؤلف “جوزيف إس ناي” – نشر “بوليتي برس” في بريطانيا وأمريكا، وخلافا لما يُوحي به العنوان (السؤال) فإن الكاتب يتوقع تواصل الهيمنة الامريكية لأن كافة القُوى العالمية المنافسة، وخاصة الصّين تعمل وتنشط من داخل المنظومة الرّأسمالية، ولا ترغب سوى نيل حصة أكبر، عبر تعديل الكفة وخفض درجة الهيمنة الأمريكية، وليس وضع حدٍّ لها وفق رُؤْيَة الكاتب… تشكل السّيطرة على سوق النّفط، والحُرُوب العدوانية المُسْتَمِرّة، والهيمنة على النظام المالي والنّقدي، عبر الدولار، أُسُسَ أُطْرُوحة “القرن الأمريكي” أو الهيمنة الأمريكية بشكل عام، منذ أكثر من سبعة عُقُود، واستخدمت الولايات المتحدة كافة إمكاناتها الضخمة العسكرية والمالية والدبلوماسية من اجل اجتثاث فكرة الخروج عن هيمنة الدُّولار، أو عن شُرُوط صندوق النّقد الدّولي (أحد وسائل الهيمنة الإمبريالية) وعملت على الإطاحة بأي رئيس أو نظام يقترح تعويض الدولار أو استبدال البنك العالمي وصندوق النقد الدولي بنظام إقْراض آخر، أقلَّ إجْحافًا، أو في خدمة تنمية البلدان الفقيرة، وتعمل حاليا على تقْوِيض أُسُس مجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) لانها تحاول تكثيف التبادل بين البلدان المكونة للمجموعة، خارج هيمنة صندوق النّقد الدّولي، لكن من داخل المنظومة الرأسمالية نفسها (أي لم تطرح المجموعة بديلاً مناهضًا للرأسمالية التي تقودها الولايات المتحدة)، كما تعتبر الإيديولوجيا السّائدة في أمريكا كل منافس (اقتصادي) خَصْم وكل خصم عَدُو، والعدُو وجبتْ محاربته بكافة الوسائل…
بالعودة إلى أُسُس الهيمنة الأمريكية (القرن الأمريكي)، يُعتبر النفط أحد ركائزها حيث تعمل الدول الخليجية المُصدّرة للنفط على تطبيق خطة “إعادة تدوير الدّولار”، لما تشترط التعامل بالدولار عند بيع النفط (حتى السنوات الأخيرة) وارتبطت قيمة عملتها (وعملة بلدان كثيرة أخرى) بالدولار الأمريكي، مما يرفع الطّلب الخارجي على الدولار الذي أصبحت قيمته غير مرتبطة بوضع الإقتصاد الأمريكي، أو بالوضع الدّاخلي الأمريكي بشكل عام، وغير مرتبط بعجز الموازنة أو بقيمة الدّيون الحكومية الأمريكية، خلافًا لكافة الدول الأخرى، خصوصًا بعد قرار الرئيس “رتشارد نيكسون” فك اربتاط الدولار بالذهب سنة 1971، مما شَكَّلَ مُتنفّسًا للإقتصاد الأمريكي وللشركات الأمريكية التي يُمْكِنُها الإقتراض من المصارف الأمريكية بفائدة منخفضة جدًّا، والعمل في الخارج بتكاليف منخفضة جدًّا أو تأسيس فروع لها خارج أمريكا (في أمريكا الجنوبية أو آسيا) وبيع إنتاجها بسعر مرتفع في الولايات المتحدة وفي العالم، دون تسديد ضرائب، مما يُضاعف من أرباحها ومن هيمنتها على الأسواق العالمية، كما تَعْمد الولايات المتحدة إلى تصدير أَزَماتها، عبر اختلاق ذرائع عديدة، آخرها “محاربة الإرهاب” ومكافحة “تمويل الجماعات الإرهابية” (التي خلقتها أمريكا نفسها في أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها)ن لتسليط عقوبات وحصار وحظْر تجاري واقتصادي، يضطر العالم إلى تطبيقها بسبب هيمنة الدّولار وبسبب القوة العسكرية، مما يجعل القوانين الداخلية الأمريكية أعلى من القوانين والمواثيق والمُعاهدات الدّولية، وأقرت أمريكا في السنوات الأخيرة عقوبات على دول تحاول الخروج عن “الوِصاية” الأمريكية، منها الصين وروسيا وإيران وفنزويلا وكوريا الشمالية، مما يمنع الشركات والمصارف ومؤسسات تأمين التجارة والدول الأخرى إلغاء عقود التجارة والمعاملات مع هذه البلدان، وعدم شراء النفط الإيراني والغاز الروسي، وقد يُؤَدِّي هذا “التّطَرُّف” الأمريكي والمُبالغة في فرض شروجها بالقوة إلى الإبتعاد عن التعامل بالدولار، مما يُشكل تهديدًا وربما الإرهاصات الأولى لنهاية “القرن الأمريكي”، خاصّة بعد الحَرَج الأوروبي إثر قرار أمريكا الخروج من الإتفاق الدّولي حول النووي الإيراني (بشكل أحادي الجانب) وفرض العقوبات على الشركات المتعاملة مع إيران، ومعظمها شركات أوروبية كُبْرَى، ولكن يصعب على بلدان الإتحاد الأوروبي الخروج من الهيمنة الأمريكية، فيما تعمل الصين على خفض درجة الهيمنة الإقتصادية الامريكية، عبر توقيع عقود تجارية بما فيها تجارة النفط، بعملتها “يوان”، بدلاً من الدّولار، مما قد يزيد من تعاون إيران مع الصين التي تستورد منها 650 ألف برميل يومياً من النفط الخام، وفي حال تمكنت إيران من بيع نفطها بعملة أخرى غير الدولار إلى الهند (500 ألف برميل يوميا) وإلى كوريا الجنوبية (313 ألف برميل يوميا) وإلى تركيا (165 ألف برميل يوميا) تكون قد كسرت الحصار، خصوصًا وإن شركات صينية وروسية تعمل على ملء الفراغ الذي ستتركه الشركات الاوروبية، خصوصًا في قطاع الطاقة، كما تعمل الصين على تعزيز العلاقات التجارية مع إيران عبر إطلاق خط تجاري بَرِّي منذ العاشر من أيار 2018، بطول ثمانية آلاف كيلومتر يربط الصين بإيران، عبر كازاخستان وتركمانستان، في فترة عشرين يوم بدلا من 34 يوم عبر الخط البحري القديم، وتُجري إيران وروسيا محادثات لتطوير الاتفاقيات التجارية القائمة منذ 2017 والتعامل بالمقايضة أو بعملة غير الدّولار…
من جهة أخرى، ساهمت السياسة العدوانية الأمريكية في تعزيز التجارة بين روسيا والصين التي بلغت قيمتها سنة 2017 حوالي 100 مليار دولارا، وساهمت في التشجيع على التّعامل بغير الدولارا، فيما يتداول 170 مصرفًا روسيا “اليوان” (العملة الصينية) في بورصة موسكو، وأصبحت الصين حالياً أكبر شريك اقتصادي لروسيا بحصة تعادل 17% من حجم تجارة روسيا الخارجية أو ضعف حجم التجارة مع ألمانيا، أكبر شريك أوروبي لروسيا، وكان من نتائج الإجراءات العدوانية الأمريكية ارتفاع حجم التجارة الثنائية بين روسيا والصين بنسبة 31% سنة 2107، وتعمل الحكومتان وشركات البلدَيْن على وضع أسس زيادة حجم التعامل بالعملات المحلية، حيث سددت الصين سنة 2017 نسبة 9% من البضائع المُستورَدَة من روسيا بالروبل (العملة الروسية)، فيما سددت روسيا نحو 15% من الواردات الصينية باليوان، وقطعت روسيا خطوة هامة بنهاية سنة 2016 عبر إنشار ما أسمته “عقدًا مستقبليًّا للنفط” للتدول في بورصة “سانت بطرسبرغ”، باستخدام “الروبل” لتسعير العقود المستقبلية للنفط الروسي…
هذه بعض البوادر التي تُبَرِّرُ السؤال المطروح في عنوان هذه الفقرة، ويمكن أن تُشَكِّل هذه الخطوات والمشاريع بدايةً لنهاية “القرن الامريكي“، لكن قد تكون حركة التّاريخ بطيئة، وتتطلب وقتًا أطول مما نأمل، وقد تتسارع خطوات التّاريخ، تاريخ نهاية القرن الأمريكي، إذا تحرر الإتحاد الأوروبي واليابان من هيمنة الدولار، عبر تداول النفط الإيراني باليورو أو بالين بدلاً من الدولار، وكانت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي “فيديريكا موغيريني” قد صرّحت عَلنًا خلال ندوة صحفية: “إن وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيران –وهم شركاء في الإتفاقية الدولية إلى جانب الولايات المتحدة- سيعملون لإيجاد حلول عملية” لعدم إسقاط الإتفاق، لكن “شجاعة” الزعماء الأوروبيين محدودة، لأنهم يتخوفون من تقويض أسس النظام الرأسمالي العالمي الذي تُشكل الولايات المتحدة قاطِرَتَه، عبر الدولار والقوة العسكرية وشن الحروب وفرض العقوبات… أما ما يمكن أن يُقَوِّض الهيمنة الأمريكية نهائيًّا فهو ثورة داخلية أمريكية أو ثورات (وليس انتفاضات) ضدها في بلدان الأطراف أو المُحِيط، التي تثسَدِّدُ بالفعل ثمن القوة والهيمنة والحروب العدوانية الأمريكية… الأرقام من بيانات وكالة “بلومبرغ“، والمعلومات من موقع “جيوبوليتيكا” (روسيا) + مركز دراسات “كاتيخون” (katehon) 26/05/18
التعليقات مغلقة.