المؤتمر الدولي حول الاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد: نحو تطوير خطاب حقوقي فلسطيني / فيحاء عبد الهادي
فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) الأربعاء 30/5/2018 م …
جاء انعقاد “المؤتمر الدولي حول الاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد، وواقع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967″، بتنظيم من الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، والمركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن، والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في فلسطين، في عمان، في الثاني عشر والثالث عشر من أيار، من العام 2018؛ في مكانه وزمانه تماماً.
هذا العام الذي يشهد مرور سبعين عاماً على التطهير العرقي في فلسطين العام 1948، وقيام دولة الاحتلال على ما يقارب 78% من مساحة فلسطين التاريخية، ومرور خمسين عاماً على الاحتلال الإسرائيلي العنصري الاستعماري الإحلالي لما تبقى من أراضي فلسطين، كما يشهد هذا العام فشل المجتمع الدولي في محاسبة الاحتلال على جرائمه بحق شعبنا، وفشل الجهود الدولية للضغط عليه للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، غير القابلة للتصرف، والتي كفلتها مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
منذ العام 1967؛ ونحن نشهد في فلسطين تواصل الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وعلى رأسها حقه في الحياة، وفي السكن، وفي بيئة نظيفة، وحقه في الحركة، وفي التعليم، وحقه في التعبير؛ وبالتالي تفاقم معاناة شعبنا الفلسطيني، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
احتجزت قوات الاحتلال جثامين الشهداء، ومارست الإعدامات الميدانية، والاعتقالات التعسفية، واستهدفت الأطفال والشباب من الجنسين، وصادرت الأراضي، وقطعت أشجار الزيتون، وأقامت جدار الضم والفصل العنصري، وهدمت المنازل والمنشآت، واستمرت في البناء الاستيطاني، على الرغم من قرار مجلس الأمن الدولي، نهاية 2016، القاضي بوقفه.
وتواصل العقاب الجماعي لقطاع غزة، حيث الحصار المتواصل، الذي ينتهك حقوق الإنسان الرئيسة في القطاع؛ ما تسبب في تدهور الوضع الصحي والاقتصادي والاجتماعي.
ورغم هذا الوضع الإنساني الكارثي؛ قدّمت غزة الباسلة نموذجاً للمقاومة الشعبية السلمية، تجلّى في مسيرات العودة الكبرى، بينما قدّمت دولة الاحتلال نموذجاً للأنظمة الاستعمارية القمعية، حيث واجهت المسيرات السلمية بالقنابل الغازية والرصاص الحي.
وكان الجديد للعام 2017 فرض مشاريع قوانين عنصرية إسرائيلية؛ مخالفة للقانون الدولي الإنساني، مثل “مشروع قانون إعدام منفذي العمليات”، والذي يعطي شرعنة للقتل، وللأسف أنه مرّ بالقراءة الأولى، و”مشروع قانون خصم مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء والجرحى” من أموال الضرائب والمستحقات التي تجبيها دولة الاحتلال وتحوّلها لصالح دولة فلسطين، وللأسف، مرّ أيضاً بالقراءة الأولى. بالإضافة إلى ثلاثة قوانين وثمانية عشر مشروع قانون تخصّ الاستيطان.
أما على الصعيد الدولي؛ فقد كشف الرئيس الأميركي النقاب عن “صفقة القرن”؛ وأعلن نقل سفارة دولة الاحتلال إلى القدس الشرقية، ضارباً عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية، ومطلقاً رصاصة الرحمة على جهود السلام المتعثرة.
ازدادت الهجمة على القدس والمقدسيين، من قتل واعتقال، مع التركيز على الأطفال، وهدم البيوت، وسحب الهويات، وإبعاد، وفرض منهاج إسرائيلي على المدارس، واعتقال الطلاب، وتكثيف الاستيطان، ومصادرة الأراضي وتجريفها.
*****
جاء تنظيم المؤتمر، “ضمن خطة عمل أقرتها الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، في أعقاب القرار الأميركي، الذي يمسّ الواقع القانوني للقدس المحتلة، وتداعياته على سائر عناصر العملية السياسية، خاصة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا””.
ما هو الجديد الذي طرح في المؤتمر، بوجود خبراء قانونيين دوليين وعرب، وممثلين/ات عن مؤسسات دولية؟ الجديد هو محاولة تطوير خطاب حقوقي، ينطلق من الخطاب الموجود ويحاول توسيع الأطر المتاحة في القانون الدولي. ينطلق من كون إسرائيل دولة احتلال غير قانوني، بالإضافة لإطار الاستعمار الاستيطاني والتمييز العنصري.
أشار المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في فلسطين، “مايكل لينك”، إلى أربعة معايير لمخالفة دولة احتلال للقانون الدولي: “لا تستطيع الدولة المحتلة ضم إقليم محتل، والاحتلال هو مؤقت، والمحتل يجب أن ينهي الاحتلال في أقرب وقت ممكن، والاحتلال يجب أن يتصرف من أجل مصلحة السكان، يجب على سلطة الاحتلال أن تتصرف بحسن نية (good faith)”.
وبما أن إسرائيل تنتهك المعايير الأربعة؛ لذا فإن “وجود إسرائيل في فلسطين هو نوع من أنواع الاستعمار، ويؤسس لنظام يقوم على التمييز العنصري، ويخالف حق تقرير المصير”.
وفي هذا الإطار؛ صدرت توصية من المؤتمر، تدعو المؤسسات الوطنية لحكومات الدول العربية “إلى العمل من خلال الجمعية العامة على طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية، حول مدى قانونية استمرار إسرائيل في احتلال الأراضي الفلسطينية، من أجل الوصول إلى قرار بإنهاء الاحتلال”.
ذكَّر “مايكل لينك” بقرار محكمة العدل الدولية، العام 1971، الذي أكّد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صدر العام 1966: إن وجود جنوب أفريقيا في ناميبيا غير قانوني (illegal)، بعد أن تقدمت ناميبيا بطلب رأي استشاري حول رفض جنوب إفريقيا إنهاء الوصاية على زاميبيا.
*****
إذا كان المؤتمر قد أكَّد دخول دولة الاحتلال مراحل متقدمة من الاستعمار والاستيطان؛ فالواجب يدعو إلى تبني استراتيجيات قانونية مختلفة في التعامل معه، و”تبني استراتيجيات حقوقية تدعم القرارات ذات المضمون الإجرائي، لمحاسبة ومساءلة الاحتلال عن انتهاكاته، وفرض عقوبات عليه، بالإضافة إلى دعم حركة المقاطعة، ومنع الاستثمار، وفرض العقوبات (BDS)، كحركة حقوقية تعمل وفق القانون الدولي”.
*****
من الضروري أن تواصل المنظمات الحقوقية الفلسطينية عملها لرصد وتوثيق انتهاكات دولة الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة في القدس وغزة، للتمكن من مساءلتها، من خلال الآليات الدولية لحقوق الإنسان، ودعوة المؤسسات الحقوقية العربية والدولية إلى دعم جهود دولة فلسطين لمقاضاة مرتكبي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، أمام محكمة الجنايات الدولية.
دعا بيان المؤتمر الختامي إلى “مطالبة المحكمة الجنائية بأن يكون العام 2018؛ هو عام التحقيق في جرائم الاحتلال في الأراضي المحتلة، لاسيما جرائم الاستيطان والعدوان على قطاع غزة”.
*****
لا شك أن الاستراتيجيات القانونية والحقوقية بالغة الأهمية؛ لكن الإرادة السياسية شرط لاستخدام القانون الدولي وتفعيله، كما أشار العديد من خبراء القانون الدولي في المؤتمر.
لا بد من إرادة سياسية فلسطينية وعربية لتفعيل الإمكانات الكبيرة التي يتيحها القانون الدولي لنخوض معركتنا لنيل الحرية.
[email protected]
www.faihaab.com
التعليقات مغلقة.