الرئيس المقاوم إميل لحود : محظوظ لأنني عشت في زمن المقاومين.. و”التحرير” أجمل أيامي
الجمعة 1/6/2018 م …
الأردن العربي –
لا يُمكن أن يمر عيد “المقاومة والتحرير” دون التحدث إليه. هو حامل لقّب الرئيس المقاوم… و”الرجال” كما وصفه سيد النصر. تشهد على ذلك مواقفه الوطنية، والتاريخية، التي لم تترك يوماً ديدن المقاومة. فمسيرة الرئيس اميل لحود، الرجل الوطني، حافلة بالمواقف المشرفة التي نقلت لبنان من عصر التبعية الى التحرر. هو الذي دافع عن المقاومين، قبل أن يعرفهم. يكفيه أنهم ثلة تسعى لتحرير الأرض. فكان الانتصار التاريخي عام 2000 مفخرة عهده، وعُصارة مواقفه الشجاعة التي ساندت خط الجهاد، في وقت اجتمع العالم بأكمله ضده. عُرض عليه الكثير مقابل التخلي عن هذا النهج فأبى أن يعمل إلا بلغة الضمير، الذي لا يُشرى ولا يباع، وفق قناعاته.
في حديث لموقع “العهد الإخباري” يستذكر الرئيس لحود الكثير من المحطات، منذ أن كان قائداً للجيش اللبناني وصولاً الى استلامه سدة الرئاسة. لا يُخفي “فرحته” بتحرير الأرض في عهده. يصف هذا الحدث بالمفخرة. يروي كيف تعرّف على حزب الله للمرة الأولى، وعلى قائده الذي يفخر كثيراً بلقائه. يُعرب غير مرة عن سعادته بأنه يعيش في زمن المقاومين الذي أعادوا للبنان الكرامة المسلوبة.
وهنا نص المقابلة:
بعد ثمانية عشر عاماً على التحرير، ماذا يستذكر الرئيس اميل لحود من تلك الحقبة؟
إنه أجمل يوم في حياتي. قبل ذلك التاريخ، لم يكن هناك شعور أننا قادرون على استرجاع كرامتنا. 22 عاماً يسكن الاحتلال في أرضنا، وكل المسؤولين الذين توارثوا الحكم اعتادوا على هذه المسألة، حتى أصبحت أمراً بديهياً. للحقيقة أنا لم أكن أسمع بحزب الله. عندما تسلمت منصب قيادة الجيش، كنت آنذاك أسكن في رياق. الأجواء كانت مشحونة حيال حزب الله، فعندما أريد أن أزور عائلتي المتواجدة في الشمال، تُرسل لي برقيات تدعونني للحرص والانتباه من عناصر حزب الله الذين ينوون قتلي. إلا أنّ تربيتي داخل المنزل التي لا تعرف طريقاً للمذهبية جعلتني لا أهتم للموضوع، رغم أنّ صورة رُسمت في ذهني عن حزب الله بأنه تكفيري. أي متى تعرّفت على حزب الله؟، عام 1991 عندما تسلمت قيادة الجيش صدر قرار من الدولة اللبنانية يقضي بتمركز الجيش في الجنوب. ذهبت الى صور، فقال لي أحد الضباط :”منذ 22 عاماً كان يتم ارسالي الى هنا، كنت بصفة آمر سرية وكانت تصلنا تعليمات أنه :”في حال تم الامساك بأحد المسلحين، علينا تسليمه الى المخابرات الذين بدورهم يقومون بسجنه”. أنت قائد جيش جديد، ما هي تعليماتك لي في هكذا حالة؟. قلت له، ما جنسيتهم، أهم فلسطينيون؟. قال لا، إنهم لبنانيون يريدون العودة الى قراهم التي يسكنها “الاسرائيلي” ويقومون بعمليات ضده، وأحياناً نُمسك بهم قبل أن يصلوا وهم في طريقهم في الوديان، فماذا تريد أن نفعل في مثل هذه الحالة؟. قلت له:” لبنانيون يريدون العودة الى قراهم التي يسكن فيها الصهاينة، فهؤلاء مقاومون، وعليكم أن تكونوا سنداً لهم. قال لي:” ممنونك”، وفرح كثيراً، إنها المرة الأولى التي يفكّر فيها ضابط بهذه الطريقة”. بالنسبة الي كإميل لحود، فإنّ أي قائد جيش وطني لا يجب أن يطلب اذنا من أحد لكي يصدر أمرًا كهذا. فهل أقف في وجه من يسعى لتحرير الأرض، بالعكس عليّ أن أكون سنداً مطلقاً له.
رجعت حينها الى بيروت فاستدعاني رئيس الجمهورية الياس الهراوي، قال لي :”إميل أأنت مجنون؟. أنت تدعم أناسًا يفتعلون مشاكل على الحدود، وغداً يُقتل عسكري ما لـ”اسرائيل”، فترد على كل لبنان. أتريد أن “تخرب” لبنان؟. قلت له:” أسمعت بقائد جيش يحتلون أرضه فيعطي أمراً لضباطه بأن من يحرر الأرض عليكم أن تزجوا به في السجن؟. نحن من يجب أن نساندهم. فقال لي وأنا أعطيك أمراً بمواجهتهم، فقلت له: لن أنفذ.
في عام 1993 أصبحت المقاومة أقوى من السابق واشتد عودها. فتضايق الصهاينة ومارسوا ضغطاً على الاميركيين، الذين بدورهم ضغطوا على الدولة اللبنانية ومجلس الأمن والأخير اتخذ قراراً بالتخلص من حزب الله، وصدر قرار من الدولة اللبنانية آنذاك بذلك. أذكر حادثة جرت في هذه الفترة، تحدّث معي عناصر من الجيش فقالوا لي أن دبابة صهيونية قصفت منطقة لبنانية، وقتلت امرأة، فماذا تريد منا أن نفعل. كانت أول تجربة مع “إسرائيل”. قلت لهم، أيوجد دبابة لبنانية على مرمى، قالوا نعم، قلت ماذا تنتظرون فلتردوا. في هذا الوقت استدعاني رئيس الجمهورية، فقال لي :”اميل ما الذي يحصل؟ كيف تفعل ذلك، وتعطي أمراً بالرد، قلت له هذا الذي يجب أن أفعله. فطلب مني أكثر من مرة القضاء على حزب الله بمساندة قوات “اليونيفيل”، فقلت له، لن تفهمني، لن أقوم بذلك، قال لي “غداً اجتماع المجلس الاعلى للدفاع وعليك الحضور”، قلت لن أحضر”، فردّ “إذا سنأخذ القرار بدونك، ويأتي غيرك قائد جيش. فقلت لهم فليأت، أنا أقوم بواجبي وضميري. في اليوم التالي حضرت متأخراً للاجتماع فوجدت المجتمعين ومعهم قائد قوات “اليونيفيل” قد صمموا الخارطة للقضاء على حزب الله، قلت لهم، ماذا تفعلون، فلتُطوَ الخارطة، ردّ علي قائد قوات “اليونيفيل”
” اتخذوا القرار في مجلس الأمن”، فقلت له فليتخذوا ما يريدون، لن أنفذ، وليأتوا بقائد جيش آخر ينفذ ما يريدون، فبأي حق تعطي الدولة اللبنانية أمراً لجيش وطني بضرب أهله لأن “الاسرائيلي” مزعوج؟!!.
بعد مرور كل هذه السنوات، لم يكن هناك اتصال بيننا، ولكن كان هناك دعم مطلق من جهتي.
أول احتكاك تعرفت فيه على حزب الله كان عام 1997، عندما أتاني اتصال بأنّ هادي نجل الأمين العام للحزب سماحة السيد حسن نصرالله قد استشهد. قلت لهم، هذه أول مرة يقدم فيها زعيم عربي نجله شهيدا، أريد أن أتعرف عليه. وبالفعل، جرت التدابير، فدخلت عليه، رأيته مرتاحاً، رغم أنّ خبر استشهاد نجله كان قبل ساعة من زيارتي. تكلمنا قرابة عشر دقائق تعزية، وذهبت وفي نفسي شعور بأننا سنربح وننتصر، مع هذا القائد. مرت الايام ولم نلتق. عام 2000 إبان التحرير، طلب السيد نصرالله لقائي فاجتمعنا وأهداني بارودة “اسرائيلية”. ومن بعدها، لم أره إلا حين تركت الرئاسة، عندها جلسنا نحو ثلاث ساعات وتكلمنا عن كل شيء، فقال لي لا أعرفك قلت له “التقينا بالضمير”.
ماذا يعني لإميل لحود تحرير الأرض في عهده، وأنت لطالما وصفت هذا الحدث بالمفخرة؟
يعني لي كرامتي، أعتز بهذا الحدث كثيراً. أفرح بأن كرامة اللبنانيين استُرجعت في أيامي. أيعقل أن يجلس “الاسرائيلي” 22 عاماً في أرضنا ولا أحد يهتز انطلاقاً من شعار “العين لا تقاوم المخرز”. وحدهم ثلة من الرجال المقاومين التقوا فحرروا الارض ودافعوا عنا، ولولاهم لكانت “اسرائيل” بيننا.
في تجربتك العسكرية، ماذا أضاف لك حدث تحرير الارض؟.
أننا نستطيع تحقيق المستحيل. كثر قالوا لي ماذا تفعل، لا أحد يستطيع مقاومة “اسرائيل”، قلت لهم، سترون. المقاومة هي حصانة لبنان. وهنا أستغرب كيف أن البعض يتحدّث فور الانتهاء من الانتخابات عن ضرورة نزع سلاح المقاومة، بعد كل ما أنجزته؟!. هم بالتأكيد يتقاضون الاموال من معلمهم الذي يحرضهم على ذلك.
لولا المعادلة الذهبية، فإن لبنان لم يعد موجوداً، خاصة بعد الأحداث التي جرت في سوريا والعراق والتي جعلت لبنان قويا، ويستطيع الوقوف في وجه “اسرائيل”، ولكن للأسف لم نتعلم أننا يجب أن نحافظ عليها عبر العمل وطنياً وليس مذهبياً.
لا حديث مع “الاسرائيلي” إلا بلغة القوة. أنا لا أريد الانتقاد، ولكن عندما أسمع بعض المسؤولين الفلسطينيين يتحدثون بضرورة التسوية، فهذا لا يعيد الأرض. الحل بالقوة فقط، تماماً كما فعلنا في لبنان. وهنا أذكر حادثة، ففي إحدى قمم رؤساء الدول العربية المغلقة التي عقدت في الخرطوم، قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أيعقل أن أدفع “معاشات” للقطاع والصهاينة يمنعون وصول الأموال. أطلب منكم يا عرب أن تتوسطون لدى الجهات المعنية للضغط على “إسرائيل”، لتصل الاموال. قلت له “يا أبو مازن، فلتتصرفوا كما تصرفنا في لبنان، من المعيب أن نترجى لنأخذ معاشاتنا. علينا الهجوم عليهم بالقوة، ولو تصرفتم كما تصرف لبنان لا تصلون الى هنا”.
لطالما قلت أنّ نهاية الأزمة في سوريا ستكون بالانتصار. كيف تصف الوضع بعد سبع سنوات على الأزمة؟
سوريا انتصرت. الخاسرون من صهاينة وعرب يطمعون بورقة رابحة ما، لذلك يضغطون في ربع الساعة الأخير ولكنهم لن ينتصروا. الأزمة ستنتهي قريباً، وستنتهي معها العقلية المتآمرة في لبنان.
*كم نحن محظوظون، أننا عشنا في زمن المقاومين والرجال الذي يضحون بأنفسهم فداء للوطن.*
❇ *نور الهدى برس
التعليقات مغلقة.