نشيد التحدي والميثاق التدمري .. الظلام وممحاة من نار / ارام سرجون

 

نارام سرجون ( سورية ) الإثنين 25/5/2015 م …

لايتعب العقل شيء كما المجهول .. فالعقل لايخيفه المعلوم .. ومن يرد أن يرتاح عقله وقلبه فعليه ألا ينظر في الظلام دون أن يوقد سراجا .. ولكن رياح السياسة هذه الايام تطفئ السراج في هذا الليل الاسلامي الطويل .. فداعش تطوف في الأنبار وتتمدد على سرير طويل من الرمادي وحتى تدمر .. واخوة داعش في الشمال السوري يتورمون .. وشقيقاتها في جنوب سورية تغير على التخوم .. وأم داعش تترك العش الوهابي وتهاجم اليمن ..

سنشعل السراج الذي لن تطفئه رياح السياسة وكلمات السياسيين وتعليقات المحللين .. وسنطوف في الظلام كي يرتاح العقل وكي يصاب الظلام بالرعب بدل ان يصيبنا هو بالرعب .. وسنسير دون توقف كي لايبقى المجهول مجهولا .. فالعقل لايتعبه المعلوم ولايربكه الا المبني للمجهول .. وسنبدأ من هذه المقالة التي نشعلها كالسراج ونضيئها كالمنارة .. التي تمسح سواد الظلام بممحاة من النار ..

فأنا لاأدري ماذا تقول المدن المحاصرة والمدن التي تسقط لمن يذرف الدمع عليها ولمن يتفجع وينوح حزنا؟ ولاأدري ماذا تقول مدينة محاصرة أو أسيرة للعيون التي تبكي والحناجر التي تموء ؟؟ لاشك انها تحتقرها وتنظر اليها بشفقة وازدراء .. ولاشك انها تحس بالذل من انهمار الدموع على جدرانها بدل أن تغسل شوارعها أناشيد التحدي وتهز أعمدتها أصوات الرجال .. فالمدن الجميلة كالنساء الجميلات لاتحب نواح الرجال ولاتعجبها الرجولة المنكسرة ولايميل قلبها الى ذكور يبكون مثل النساء ومثل أبي عبدالله الصغير الذي غادر مدينته غرناطة باكيا عليها ..

وكل مدينة أسيرة تبقى حرة طالما بقي لها رجال أحرار يجدّون في أثرها ويسعون الى لقائها وعناقها وتقبيلها .. فالحرة لاتسقط عندما تقع في الأسر مهما كانت شدة فتك العدو وهمجيته .. لكنها لاتغدو جارية الا عندما يبكيها رجالها وينوحون ويندبون حظهم العاثر .. تماما كما فعل العرب في مدن فلسطين التي بكوها خلف الأبواب وهم “يستمعون الى فض غشاء بكارتها” ..فسقطت في العار منذ ذلك الوقت ..

تدمر مدينة سورية لاتقل في قيمتها عن أصغر قرية ولكنها تساوي بغلاوتها أكبر مدينة في سورية .. هي تساوي دمشق وتساوي حلب وطرطوس واللاذقية والسويداء .. وليس عندي اي شك انها لن تغيب في الأسر طويلا .. وأسرها ليس نهاية العالم لأن تدمر هي مدينة في أرض اسمها سورية التي ندافع عنها .. وسورية الأم هي التي من حقها أن تقرر متى تتخلى عن بناتها ومدنها ..ولاتوجد أم تتخلى عن أبنائها وبناتها .. ونحن حاربنا من أجل كل سورية وكل شبر منها وليس من أجل تدمر فقط أو معلولا أو جسر الشغور أو اللاذقية ..

من أراد أن يبكي فليذهب الى حيث حفلات البكاء وليبك ماشاء له ان يبكي حتى يبلل تراب الارض أو حتى يزيد منسوب البحر .. ومن يتلذذ بمضغ الدموع وابتلاع الأوجاع فهناك مهرجانات للنحيب والعويل والتفجع .. ومن كان ممن يستعذب المازوشية وجلد الذات فاننا لانملك شيئا لروحه نعطيه اياه لترتاح وتتقلب في العذاب اللذيذ .. فكل مانملكه هو قلب شجاع .. وعشق لاينتهي لأرضنا .. وعيون واثقة بالغد لكنها جافة ليس فيها دمعة واحدة في الحرب .. لاننا نحتفظ بكل دموعنا لساعات الفرح بالنصر ..

 

وقبل أن أسترسل أريد أن أتذكر حكاية فلسطينية مؤلمة قرأتها بعنوان (متى تنام هذه القرنفلة الحمراء؟؟) وفيها يتحدث مهاجر فلسطيني عن ألمه عندما تجول في قريته التي هجرها واحتلتها عصابات داعش الصهيونية أيام النكبة .. وعندما مر أمام البيت الذي ولد فيه وشهد طفولته وصباه توقف وتردد مرتعشا .. فكيف سيواجه بيته الذي تسكن فيه أسرة من الدواعش الصهاينة .. وبعد تردد وتألم ودموع قرع الباب ليطل منه وجه امرأة اسرائيلية حيث يقدم لها الفلسطيني نفسه بأنه ولد في ذلك البيت وتربى فيه وعاش فيه طفولته وصباه مع جده وابيه وأمه واخوته .. وأنه في الحقيقة هو صاحب البيت ..

فأبدت المرأة لامبالاتها من رجل أعزل بريد بيتها الذي أخذته منه بالقوة .. وفيما هو يجادلها لمح من الباب فناء الدار الذي ظهرت في باحته ورود حمراء من القرنفل والتي زرعها مع جده أيام كان طفلا .. وعندما أصرت المرأة على منعه من دخول البيت استجمع قوته وشجاعته وطلب منها ان تعطيه وردة واحدة فقط من تلك الورود التي زرعها في طفولته .. فتقبل المرأة الاسرائيلية على مضض .. وتدخل وتعود وتحمل معها وردة واحدة تدفع بها اليه باحتقار شديد ولكنها قبل أن تغلق الباب وتصفقه في وجهه تقول له اقسى كلمة في حياته ولكنها تلخص كل الحياة .. فقد قالت له: تذكر “أن ليس صاحب البيت من يرثه .. بل صاحب البيت هو من يحميه ..” ومن يومها يطوف هذا الفلسطيني العالم ومعه وردته التي لاتنام .. وهي تسأله .. لم لم تحم بيتك؟؟ .. انك لاتستحقه ..

هذه قصة يجب على السوريين أن يرددوا معناها كالنشيد وأن تصبح أيقونة .. لأن البكاء والتراجيديات لاتعيد المدن الأسيرة .. بل تعيدها الثقة بالنفس والقناعة المطلقة أننا لانملك الحق في بيوتنا اذا لم نحمها ونقاتل من أجلها ..

هذه بيوتنا .. وهذه مدننا .. وكل شجرة هي لنا .. وكل حجر هو لنا .. واذا كان الداعشي يهاجر من أقصى الارض الى أرض الميعاد الاسلامي فانها حق له اذا تخلى عنها أهلها فيما هو بذل الغالي والنفيس من أجلها .. ومن العار أن يكون هناك سوريون يفكرون في الهجرة والبكاء على المدن فيما يهاجر الى مدنهم من يريد ان يموت في مدنهم .. تماما كما أن فلسطين لاتحق للفلسطينيين ولاللعرب ولاللمسلمين اذا كانوا يريدون الهجرة منها فيما اليهودي يهاجر اليها من أقاصي الدنيا ليعمرها بعقيدته ..والمهاجر الى أرض هو الأحق بها من المهاجر عنها والهارب منها ..

وبالعودة الى النواحين والنواحات على وقوع تدمر أسيرة وماأكثرهم .. فان ماحدث مؤلم ولكنني لن اشارككم واشارككن البكاء .. فهذه الأيام يجب أن يعرف الجميع أننا نخوض حربا لاتقل عن وصفها بالعالمية .. فهي تمتد من اليمن الى الأنبار وتدمر وصولا الى حلب وجسر الشغور ونزولا عند الغوطة والقلمون ودرعا .. والعدو لم يعد مستترا .. فهو جسد أميريكا والغرب واسرائيل الذي يحمل على أكتافه جسد العرب العاربة والخلايجة والاسلاميين الفاشيين الاتراك وأذيالهم من الاخوان المسلمين .. وهؤلاء بدورهم يحملون على أكتافهم داعش .. ولكن رأس داعش هو جبهة النصرة .. ورأس جبهة النصرة هو الجيش الحر والمعارضة المسلحة .. ومايحدث ليس منفصلا في الجبهات .. فالجيش السوري يحرر القلمون ويكسر ظهر النصرة في القلمون ويتهيأ لاسترداد ادلب .. فتبادر داعش الى نصرة النصرة بافتتاح معركة تدمر .. لادراكها لمكانة تدمر الرمزية في ضمائر السوريين الذين سيشق قلوبهم التنكيل بميراث ملكتهم زنوبيا وامبراطوريتها .. واسمها ومدلولها ..مما يغريهم بترك الخطة الرئيسية للتحرير والالتفات الى تدمر ..

منذ معركة ادلب كان هناك ادراك أن بعض الجبهات ستواجه سخونة وتراجعات ولكن الخط العام للحرب لن يتغير .. ومعركة تدمر الاخيرة ليست مغامرة داعشية بل هي قطعة شطرنج حركتها الولايات المتحدة كما يحرك لاعب ماهر قطعة الفيل في رقعة الشطرنج بشكل قطري من الانبار الى تدمر .. فيما تتحرك قطعة أخرى في اليمن .. والعاقل والحصيف يدرك أن داعش لاتملك هذه القوة الشاسعة في التمدد دون غطاء جوي مالم تحظ بغطاء جوي أميريكي .. فكيف لاتقدر داعش على عين العرب لكنها تبتلع الموصل والرمادي وتدمر في مثلث شاسع من الصحراء المفتوحة .. ؟؟

الجواب واضح وهو أن داعش يراد لها أن تسير على خطوط التقسيم الذي تريده أميريكا وفرض الأمر الواقع لمنع تواصل سورية والعراق وايران ولبدء مشروع تفكيك الشرق .. ومن يتابع تقارير الحرب الاميريكية على داعش يضحك من هوليووديتها .. لأن تقارير اميريكا لا تصلح الا لاستوديوهات هوليوود الخيالية حصرا .. فهي تقول انها في الحرب على داعش دمرت مابين 6000 الى 8000 آلية لداعش مابين مدرعة وسيارة ومركبة .. وهذا يطرح سؤالا وهو عن ماهية هذا الجيش الداعشي الذي يقال انه يتسلح فقط بعربات وآليات وسيارات ومع هذا فانه يخسر آلافا منها ولكنه وبشكل عجيب لايزال قادرا على التحرك برشاقة في الصحراء وينقل آلافا من الجنود من مدينة الى أخرى بآلاف السيارات .. ويقوم بفتوحاته .. وكأنه يمتلك اسطولا من عشرات آلاف الاليات .. والحقيقة أن كل الصور التي تبثها أميريكا عن تدمير عربات وأشخاص مثيرة للسخرية لأننا لانعرف اين تقوم بتصوير ذلك؟؟ ومن هم المستهدفون؟؟ .. فهي صور بلا ملامح لاهداف تتحرك ثم تنفجر .. وربما هي من أيام حرب العراق عام 2003 التي لم تبث بعد .. خاصة أن تقارير عراقية لالبس فيها رصدت أن حوامات التحالف الاميريكي ضد داعش تقوم بالهبوط حيث تسيطر داعش وتنزل حمولات مجهولة .. ورصد ضباط سوريون طائرات التحالف في الرقة تقوم بانزال مظلات تحمل حاويات ضخمة وليس قذائف .. والأخطر من ذلك أن مهام طائرات التحالف يبدو أنها في جزء منها استطلاعية ولكنها أيضا لتقييد حركة الطيران السوري فوق المناطق التي يطير فيها لضرب الدواعش لأن الاميريكيين يقولون انهم لايريدون طيرانا آخر في منطقة التحالف كيلا يحدث ارتباك واشتباك .. وبهذا كانت داعش تتحرك فعليا تحت منطقة عازلة لايدخل اليها الطيران السوري بشكل فعال حتى لمساعدة الجيش العراقي في الأنبار .. وكل من يقول ان داعش قد ذبحت رهائن غربيين فانه بريء في علم السياسة لأن الاميركيين كانوا يريدون هذا التحريض لتبرير عملياتهم في العراق بعد ان خشي الرأي العام الغربي من تكرار التورط دون مبرر أو وجود خطر على الغرب .. فضحّى الغرب برهائنه وضرب عصفورين بحجر واحد .. فقد اقنع جمهوره بصوابية الانخراط في عمل عسكري محدود لارسال طائراته .. واقنع بعض السذج العرب بأنه عدو لداعش .. وهو في الحقيقة يرصد لها ويغذيها ويرمي لها المساعدات ويمنع الطيران السوري من ضربها بحجة أنه يريد منطقة عملياته له كيلا ترتبك الرادارات بهوية الطائرات المغيرة ونواياها .. وهذه الرهائن الغربية قرابين صغيرة تشبه القرابين التي قدمها المحافظون الجدد يوم أحداث سبتمبر حيث نحروا برجي مركز التجارة العالمي ليبرروا المغامرة لتدمير أهم دول العالم الاسلامي .. واقرار قوانين (الوطنية والارهاب وغيرها ) للتحكم بالحريات في قلب الديمقراطيات العاتية لاعادة نظام التحكم والسيطرة على مفاصل القرارات الكبرى ..

داعش تنسق مع النصرة وبقية الفصائل المسلحة .. وماتنجزه يتوافق مع ماتنجزه النصرة .. وليس هناك من تعارض الا بشكله المسرحي .. فداعش هي فرقة من فرق الحرب الخاصة والنصرة فرقة آخرى في قطاع آخر ومهام شبيهة وتوزيع في الأدوار .. ومايفعله داعش حاليا ليس جبارا لأنه عسكريا تحرك نحو خواصر ضعيفة في الجبهات بآلاف المقاتلين الذين يتنقلون برشاقة في سيارات الدفع الرباعي فيما الجيش النظامي يحتاج الى نقل عتاده الثقيل وجنوده المدربين والى خطة تحريك للقوات تستغرق أياما وهذا لايكون يسيرا في ظل تركيز الجيش على جبهات أكثر خطرا .. فالجيش السوري يركز على قصم ظهر المسلحين في الحدود بين لبنان وسورية لمنع واقع فصل جغرافي سيكون خطرا ان تواصل جدار القلمون حتى الجنوب حيث القنيطرة ودرعا وهذا يعني فصل حزب الله عن سورية لأول مرة وامكان تطويق العاصمة وفصل الساحل وحلب عن دمشق اذا مااندفعت النصرة من القلمون نحو وسط سورية وحمص بالتنسيق مع مسلحي الغوطة الذين سيشاغلون الجيش جنوبا عن ردع النصرة شمالا.. وماتفعله داعش هو محاولة اشغال الجيش عن أحد تحركين في ادلب-حلب والقلمون ..ومحاولة تسهيل الفصل بين شمال سورية وجنوبها بالانطلاق من الشرق حيث تدمر نحو حمص بدل وجهة النصرة من القلمون الى حمص التي باتت مستحيلة ومشلولة في القلمون .. وعندما تردد أن داعش تريد تدمر كان الكثيرون يعرفون أن تدمر ليس فيها قوة كبيرة لايقاف هجوم كبير وأن ارسال الجيش الى هناك سيفتح ثغرة دفرسوار في مكان ما ويؤجل عمليات هامة للغاية وحساسة جدا وحيوية جدا .. ولذلك تقرر أن جبهة تدمر لايجب أن تغير خطة الجيش في مكان آخر .. والتراجع عن تدمر لايعني انكفاء بقدر ماانه مناورة تشبه مناورة رومل في معركة العلمين الذي فقد خزانات الماء والذخيرة ووجد أن دباباته وعرباته نصف الفارغة من الوقود لاتكفي للقتال أو للانسحاب الا الى نصف المعركة ونصف المسافة حيث ستتوقف وتكون قواته المحمولة قد توقفت وسط الطريق تحت رحمة القصف لاتقوى على النجاة وتفنى كلها .. فقام رومل بنقل الوقود الباقي في خزانات العربات والآليات الى باقي العربات ليملأ خزاناتها بشكل كامل لتقدر على قطع المسافة المرسومة لها في الصحراء .. وترك رومل بقية العربات التي صارت بلا وقود في مكانها وهذا مامكنه من انجاز انسحاب ناجح بأقل الخسائر ريثما تتجمع قواته في ليبيا وتصل الامدادات .. ولولا معارك ستالينغراد وروسية التي شغلت الجيش الالماني لعاد رومل الى العلمين واستردها وهو لايزال محتفظا على معظم قواته التي أفلح في الانسحاب بها من العلمين ..

ولكن اذا كان الاميريكيون يحركون القطع على رقعة الشطرنج .. ويحركون البيادق .. فعليهم ان يتوقعوا ان يحرك اللاعبون الآخرون أفيالهم وأحصنتهم ايضا في مكان آخر .. فلايمكن ان يستمر التمدد الاميريكي ويرسم الخرائط التي يريد .. لان فرض داعش في وسط بلاد الشام يعني تمزيقها وتمزيق العراق .. وهو يعني أيضا أن ايران مقبلة على جيران جدد سيسببون لها المتاعب الكثيرة ويأتون مع السعودية بالعالم الاسلامي الى “قادسية” لاتنتهي .. لاتكون قادسية صدام الا نسمة أمام أعاصيرها .. ووجود داعش سيعني أن عشا للفاشية الاسلامية سيفقس كراهية وانتحاريين لروسيا يحاربونها بدل اميريكا .. ومن هنا فان رقعة الشطرنج ستشهد نقلة نوعية يقوم بها أعداء أميريكا .. وكل مايقال من ان خسائر تدمر وجسر الشغور تعكس ضعفا في الجيش السوري هو هراء وقلة معرفة عسكرية .. لأن داعش المنتشرة على مساحة هائلة لاتحكم الا المدن ولكن الصحراء مفتوحة لمن أراد ولايحتلها أحد وتحتاج داعش الى نصف مليون مقاتل على الأقل لتغطية هذه المساحة الكبيرة للاحتفاظ بها .. وهي لذلك أعجز عن أن تتقدم نحو حمص بسبب الافراط في التمدد كجسد الافعى الطويل الذي سيتقطع في المسافات اذا لم تدركه النصرة لتلاقيه من القلمون .. الا أن داعش ستتعرض للطحن اذا ماتحركت قوات ضخمة من العراق ومن سورية في نفس الوقت وفق تنسيق مسبق .. فهاتان الدولتان قادرتان على تحريك نصف مليون مقاتل بكل بساطة بين الرمادي وتدمر .. والمعطيات كلها تقول أنها ماهي الا مسألة وقت تقوم فيه العملية السورية الرئيسية باستئصال الخطر على دمشق وتواصلها مع الشمال وهي عملية حيوية يجب أن تستمر وألا تتوقف حتى تلفظ النصرة انفاسها في القلمون نهائيا ولاتقدر على ملاقاة داعش وسط سورية أو جنوبها .. وعندها ستستدير كتلة الجيش وهي مرتاحة الى ظهرها .. وكتلة الجيش السوري تتحرك تماما في الخط الذي رسم لها لتكسير خطوط التقسيم وتسير معها قيادات الحلفاء خطوة خطوة الى ان تتغير احدى معادلات الصراع التي بدأت تتخلخل لأن اعادة داعش الى القمقم في توقيت حاسم ومدروس صارت ضرورة لدمشق وحلفائها عندما يصبح المجال الجوي لداعش خارج نطاق الاعتراف من قبل الروس والسوريين وتجول فيه الطائرات السورية .. واذا كان ابو بكر البغدادي رجلا فلينتظر في مكانه ..

كما قلت في البداية .. هذه أرضنا .. وهذه بلادنا .. وهذه مدننا .. ولن يحميها الا أبناؤنا .. وهي ليست ملكا لرئيس أو زعيم أو فئة أو طبقة أو دين .. بل كلنا نملك كل شيء فيها بشكل متساو من أصغر فرد الى رئيس الدولة .. وحمايتها واجبنا جميعا .. ولذلك لن نكترث بفرق البكاء والردح وماأكثرها .. بل مايفاجئ هو ان الباكين والمولولين واللطامين هم ألد أعدائنا الذين يندبون كالأرامل كما في بيانات الجزيرة والمعارضة وسمير جعجع والاعلام الغربي الذي يريد من الولولة هدم عزائمنا وكسر نفوسنا وتحويلنا الى أجساد منتجة للدموع فقط .. ولكننا نحن من يدرك أننا في زمن ليس للبكاء في الحرب .. ونحن من لانقدّر كثيرا النشيج والتفجع ولايهمنا أن نتعلم مسح الدموع ولا انتاجها .. ولايعنينا أن نبكي على المدن الأسيرة بل أن نسير اليها بحرابنا .. ونغازلها برعودنا .. ونعلق ايقونات الرصاص كالعقود في صدورها وجدرانها وأعمدتها .. ونبخرها برائحة البارود والدم .. واذا كان ذلك الفلسطيني قد تألم من عبارة المستوطنة الداعشية الاسرائيلية بأن صاحب البيت هو من يحميه فاننا نعترف بأن أجمل مايجب أن يتعلمه أبناؤنا قبل تعلم الفاتحة هي هذه العبارة .. “ليس صاحب البيت من يرثه .. بل صاحب البيت من يحميه .. وليس صاحب الدين من يرثه .. بل صاحب الدين هو من يحميه” ..

ونحن جيل يريدون مصادرة بلدنا وديننا منا .. فاذا لم نحم ديننا وعقيدتنا وأرضنا فلانستحق شيئا منها الا أن نهاجر كما المهاجرون المشتتون الذين يموتون في البحر غرقا ويشكلون ولائم تأكلها أسماك البحر لأنهم لايموتون على عتبات بيوتهم وهم يدافعون عنها .. بل يفضلون الموت في المنافي حيث يموت دينهم وتموت لغتهم وتموت ذكرياتهم وتموت أوطانهم فيهم فيصبح الوطن كالمومياء .. ويتحولون الى بقايا ونفايات اجتماعية .. بلا جذور ولاقبور .. لأن من لاجذور له ولاقبور .. نفايات في المجتمع وفي احسن الأحوال زوائد دودية ..

نحن قررنا أن نتحدى .. وقررنا أن من يملك المدن ليس من يأسرها وليس من يرثها .. بل من يحبها ويموت من أجلها وشعارنا أبدا هو: ليس صاحب البيت من يرثه .. بل صاحب البيت من يحميه ..ويقاتل حتى يسترده ..

وجميع السوريين أصحاب البيت .. هذا نشيد للتحدي .. وميثاق تدمري .. لانساوم عليه .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.