أ. د. احمد القطامين ( الاردن ) الأربعاء 6/6/2018 م …
كان يوم الاربعاء حيث حدثت الاضراب الاول يوما نادرا في تاريخ الاردن ، كان الجو خماسينيا حارا متخما بالاتربة.. جو نزق يجتاح مدينة عمان التي تعد واحدة من اجمل العواصم العربية وانظفها. في احدى جوانب المعادلة الوطنية، اصبحت النقابات المهنية خارج سيطرة وقيادة منظمات الاسلام السياسي حيث افرزت الانتخابات الاخيرة التي تمت الشهر الماضي قيادات ومجالس يغلب عليها الطابع القومي والوطني.
بعد سنين من الغياب الطويل، ابتعدت فيه النقابات المهنية عن السياسة وعن هموم الناس تحت قيادة الاسلاميين تشكل فراغ ضخم في المسرح السياسي الاردني وبالتالي في القدرة على حشد الجماهير وقيادتها حيث قامت الحكومات المتعاقبة على ملئ هذا الفراغ بالكامل واطلقت هذه الحكومات العنان لسياسات لا تأبه بالراي العام وتعتمد التدليس السياسي واحيانا الابتعاد الكلي عن جادة الصواب طريقا لممارسة اللعبة السياسية في البلاد وبالتالي طريقة ادارة الدولة.
تفاقمت الاوضاع الاقتصادية بشكل غير مسبوق في البلاد وتداخلت مع معادلات اقليمية شديدة الاضطراب، وامعنت حكومة الملقي في اتخاذ سياسات تقشفية غير مسبوقة بالاضافة الى الزيادات الشهرية العبثية في اسعار الوقود الى ان حدث المحضور اخيرا، حيث ارتكبت الحكومة خطأ استراتيجيا قاتلا من خلال إعداد قانون معدل لقانون ضريبة الدخل تضمن مجموعة من المواد التي تبدو لمن يقرأها انها تسعى الى الانتقام من المواطن باشد الوسائل وحشية، بينما تتضمن موادا اخرى تقول للمتهربين من الضريبة خلال السنوات والعقود السابقة عفى الله عما مضى، ادفعوا اعتبارا من الان فصاعدا ولننسى الماضي.
تهيأ المشهد اذن لانتاج حالة شعبية شديدة الاحتقان وغير مسبوقة، فما ان دعت النقابات المهنية الى اضراب عام يوم الاربعاء حتى تدفق الشعب الى ميادين المدن والقرى باسلوب بالغ التحضر رافعا شعارات اقتصادية في البداية، تطورت فيما بعد في بعض بؤر التظاهر والاعتصام الى شعارات سياسية تطالب باسقاط حكومة الملقي الى جانب امور سياسية اخرى.
قام مجلس النواب وقيادات النقابات المهنية بالقاء حبل الانقاذ الاخير لرئيس الحكومة وذلك بعقد اجتماع يتيح للملقي سحب قانون الضريبة من مجلس النواب وهو الحل الوحيد القادر على فرملة الاندفاعة الشعبية التي اصبحت اندفاعة مؤكدة وبالغة الفاعلية، الا ان الملقي لسبب غير معروف رفض الاستفادة من هذه الفرصة النادرة والاخيرة وقال ان “من يُقيلني هو من عَينني” ويقصد بذلك الملك الذي استدعاه للمثول بين يديه يوم امس الاثنين حيث طلب منه تقديم استقالة حكومته، وهكذا تم.
ان الدروس المستقاه من هذه الاحداث تتلخص في مجموعة ابعاد: البعد الاول يتمثل في ان الشعب اذا اراد فحتما سيستجيب القدر على رأي الشاعر العربي التونسي رحمه الله. والثاني انه في غياب الاحزاب السياسية الفاعلة فأن النقابات المهنية تحت قيادات وطنية فاعلة تستطيع تحشيد الشعب للدفاع عن مصالحه وتصحيح الشكل المشوه من العلاقة بين الشعب وحكومته.
والثالث: ان مؤسسة العرش تتفاعل ايجابيا مع مطالب الشعب اذا بادر الشعب بالمطالبة بحقوقه بشكل متحضر وراقٍ.
وبانتظار التطورات القادمة لنا لقاء ان شاء الله.
*استاذ جامعي اردني وخبير في القضايا الاستراتيجية
التعليقات مغلقة.