ذكرى النكسة وسياسة الاستدراج الصهيوأمريكية / د. فايز رشيد

د. فايز رشيد ( الخميس ) 7/6/2018 م …




للعلم , ضاقت ألأجندة السنوية  بالمناسبات الفاجعة الفلسطينية والعربية, وبدأ  كل يوم في السنة يحمل أكثر من ذكرى مؤلمة , فمن مذبحة إلى نكبة , ومن نكسة إلى استيطان أو ذكرى اغتيال شهيد أو شهيدة , حتى بتنا ندمن الحزن “ونحذَر الفرح ,لأنه خيانته قاسية” مثلما يقول شاعرنا محمود درويش. بالفعل يصعب التصديق أن 51 عاما باتت تفصلنا عن ذلك النهار المشؤوم. يوم أراد العدو الصهيوني كسر أحلام الجماهير العربية في تحرير فلسطين,هذا الشعار الذي حملته الأمة العربية من المحيط إلى الخليج. أعوام طويلة مرّت على يوم الهزيمة, حين استطاعت إسرائيل احتلال الضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان العربية السورية. جاءت بعدها استقالة الرئيس عبد الناصر لتزيد من طعم مرارة النكسة. رغم الهزيمة ,خرجت الجماهير في كل العواصم العربية تطالبه بالعدول عن الاستقالة والبقاء في منصبه , وانطلقت لثورة الفلسطينية المعاصرة ,لتعلن بداية المقاومة الفعلية للعدو الصهيوني ولتحرير أرض فلسطين الكاملة, والتصدي لمشاريعه في المنطقة ,ولتؤسس لمقاومة عربية ظهرت فيما بعد.  بعد ما يزيد على نصف قرن  من حرب حزيران ,دعونا نتفحص أهداف تلك الحرب  وتداعياتها  العربية والإقليمية والدولية وما انبثق فيما بعد من أسرار عنها . نعم ,  أرادت إسرائيل من حرب يونيو, تطويع إرادة الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج  كما الأنظمة. لنعترف, أن إحدى نتائج هزيمة يونيو تمثلت في أنها أدت إلى انتكاسة سياسية اجتماعية ثقافية,  مضت بالعرب في طريق من التحولات العكسية , وصولا إلى المرحلة الراهنة. ربما لا يبدو هذا الترابط قائم ظاهريا, لكن الحقيقة أن  النظام الرسمي العربي ,ضلّ الطريق  بالمعنى الإستراتيجي إثر الهزيمة, ليس في عملية الصراع مع إسرائيل فحسب, وإنما في مجمل المنعطفات السياسية المهمة . أرادت إسرائيل من تلك الحرب أيضاً: إفهام النظام الرسمي العربي بعدم جدوى الحرب معها, وعلى المؤسسة الرسمية العربية الانصياع التام لما تمليه إسرائيل وحليفتها الاستراتيجية الأولى, عليها,  وصولا إلى  قبول الدولة الصهيونية مكونّاً رئيسيا من مكونات المنطقة! ثم تعاظمت الطلبات الإسرائيلية من هذا النظام الرسمي العربي,إن  بالمجاهرة في علاقاته الإسرائيلية علنا على طريق التحالف مع إسرائيل أو القبول بالرواية التضليلية الصهيونية . اختارت أمريكا وإسرائيل كل مقتضيات إغراق العالم العربي بالصراعات المختلفة , الهادفة إلى تقسيم الدولة العربية الواحدة , وبذلك تتحقق لإسرائيل عدة  أهداف: أولها,  حتمية توقيع العديد من الدول العربية  لما يسمى بـ “معاهدات السلام” معها. ثانيا إضعاف الدولة العربية, ثالثا, سوف لن تبدوإسرائيل والحالة هذه, وكأنها سبب الصراعات في المنطقة. رابعاً , التهيئة للاعتراف الرسمي العربي بـ”يهودية” كيانها. خامساً, تمزيق الوحدة التاريحية للجماهير العربية  ونصرتها لفلسطين. كلّ ذلك بهدف تصفية القضية الفلسطينية بشكل تام وفقا للرؤى الأمريكية الإسرائيلية.

في ذكرى النكسة , علينا الاعتراف ,بأن إسرائيل انتصرت في حروبها ونجاح مخططها في المنطقة ليس بفعل سوبرمانيته جنودها , بل بفعل عوامل الضعف العربي, وبمراهنة البعض الفلسطيني ومعظم النظام الرسمي العربي بإمكانية حل الصراع من خلال إنشاء دولتين على أرض فلسطين التاريخية , هذا المبدأ لم تعترف به إسرائيل يوما, وما كان يردده زعماؤها حول هذا الشعار أحيانا, كان لتخدير الفلسطينيين والعرب, ليس أكثر! ذلك في ظل تعاظم استيطانها الذي التهم ما يزيد عن 45% من مساحة الضفة الغربية, بحيث تنتفي الإمكانية الفعلية لقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة. لقد اعتمدت إسرائيل في تنفيذ مخططاتها في المنطقة على الجهل العربي بها, وعدم قراءتها جيدا. وتصريحات قادة إسرائيل تطرقت إلى هذه المسألة , منها مثلا , ما قاله موشيه ديان للصحفي الهندي كارانجيا (صديق عبدالناصر) عندما سأله الأخير بما معناه, كيف استطاعت إسرائيل إعادة ذات خطتها  الهجومية في حرب عام67  تماما  كما في عدوان عام 1956 على مصر؟ , فقال دايان يومها جملته العنصرية: “العرب لا يقرأون…. الخ” . لقد سُئل رابين في الكنيست  عن سبب توقيعه اتفافيات أوسلو؟ فأجاب بالحرف الواحد : “حتى يكون الإرهابيون تحت نظري”! لكنه  أجاب عن ذات السؤال في مقابلة مع الصحفي الإسرائيلي حاييم بار, مضيفاً ” بصراحة ,بدأت أشك في القدرة القتالية للجيش الإسرائيلي”.

أما حول الحقائق التي ظهرت عن حرب عام 1967  فيما بعد, فمنها ,أن سياسة الاستدراج الإسرائيلية الأمريكية لمصر أدّت فعلها , فقد وضع الرئيس الأمريكي ليندون جونسون خطة  منذ عام 1965 لإسقاط عبدالناصر( محمد حسنين هيكل في كتابه: “لمصر لا لعبدالناصر”) ويروي  الأستاذ هيكل مضيفا,   إنه في أواخر مايو عام 1967 قام أبا ايبان وزير خارجية إسرائيل, بزيارة سرّية  إلى الولايات المتحدة, وقابل الرئيس جونسون, وتأكد من جونسون أن البيت الأبيض يوافق على سياسة إسرائيل ويقف إلى جانبها, بل ويضمن سلامتها وأمنها. وقد قال جونسون لإيبان “إن إسرائيل لن تكون وحدها “, واكد أن الولايات المتحدة ستستخدم أي وسيلة لفتح المضيق وإسقاط عبدالناصر.وتأكد لإسرائيل قبل أن تصدر قرارها ببدء الحرب , أن لديها أضواء خضراء كثيرة,  وموافقات بل تأييد ومساعدة من الولايات المتحدة ومن الرئيس جونسون شخصيا. يأتي في ذات السياق أيضاً   كتاب بيتر هونام بعنوان  “العملية سيانيد”, وهو هو الأسم الكودى لخطة حرب 1967 التى تم إعدادها عبر البنتاجون ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية مع الجيش الإسرائيلى والمخابرات الإسرائيلية “الموساد”.بدأ الترتيب للخطة فى فبراير 1966 , وكان ضابط الاتصال بين الجانبين الإسرائيلى والأمريكى للتنسيق للعملية وتنفيذها هو ضابط المخابرات الأمريكى “جون هادون” مدير مكتب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى تل أبيب . لم يتم اتخاذ الخطوات النهائية لتنفيذ عملية “سيانيد” إلا بعدما أنتجت إسرائيل أول قنبلتين ذريتين لها فى مطلع عام 1967.لم يكن هدف الرئيس الأمريكى جونسون من حرب 1967 فقط هو هزيمة الجيوش العربية , واحتلال أجزاء من أراضي مصر وسورية والأردن, بل كان المخطط طبقاً للعملية “سيانيد” هو عبور الجيش الإسرائيلى لغرب القناة ,  والزحف نحو القاهرة والقبض على “جمال عبد الناصر” وتسليمه للأمريكيين ,  وفى حال تعذر ذلك فلا بأس من قتله , وقد أعاق تنفيذ الخطة رفضْ “موشى ديان” لتنفيذها بعد اندلاع المعركة وتحججه للرئيس جونسون بأن ذلك يفوق قدرات قواته, وسيقوض الانتصارات التى تم تحقيقها. هذا يذكّر بما قاله رابين في مذكراته : من  أنه بكى بعد احتلال إسرائيل لأراضي عربية شاسعة بعد حرب عام 1967, وحينها قكّر بالسؤال: كيف سنحمي كلّ هذه المناطق؟”.

من الحقائق أيضا: ما قاله أبا إیبان وزیر خارجیة إسرائیل في الأمم المتحدة عام 1969: “إننا ببساطة لن نعود إلى حدود الرابع من حزیران 1967 , لأن ذلك یذكرنا بأوشفیتز ,وأنا لا أمزح معكم !! لا تتوقعوا منا أي شيء من ذلك ,لأن حیاة أبنائنا وأمنھم قبل كل شيء, وعلى ذلك قامت إسرائیل” . للعلم ,ما تزال الحكومات الصهيونية تطبق ذلك النهج, ولذلك ,لم يسأل العرب والفلسطينيون أنفسهم: لماذا ترفض إسرايل حتى اللحظة ترسيم حدود دولتها؟. أيضا , یقول جوناثان أوفیر وھو كاتب صحفي یعیش الیوم خارج إسرائیل,  في إحدى مقالاته : “إن إسرائیل التي أعطیت 55 %من أرض فلسطین الانتدابية سنة 1947 ,قامت بعد ذلك بإخلاء أكثر من 300 قریة فلسطینیة وتھجیر سكانھا المقدر عددھم بـ 350 ألف  نسمة, لتصبح إسرائیل تمتلك عام  1949ما نسبته  78 %من أراضي فلسطین, وتقوم بعد ذلك وعندما ننهيأ الظروف باحتلال بقية الأراضي الفلسطینية . حدث ذلك  في  حرب عام 1967  التي شنتها على العرب, والتي قال عنھا كثیرون من الساسة الإسرائیلیین, بأنھا حرب استفزازیة خُطط لھا لاحتلال بقیة الأرض الفلسطینسة. في عام  1972 قال الجنرال الإسرائیلي نتنیاھو بیلید ,الذي كان یشغل منصب رئیس العملیات العسكریة في الجیش الإسرائیلي : إن ما أشعناه عن تھدیدنا الوجودي سنة 1967  كان خدعة ولدت وتطورت بعد حرب التحرير عام 1948 , بسبب صغر مساحة أراضینا ! أما مناحیم بیغن الذي كان وزیرا  عام 1967 فقد قال: لم تظھر تركیزات الجیش المصري في سیناء أن ناصر كان على وشك مھاجمتنا حقا, یجب أن نكون صادقین مع أنفسنا , فنحن الذین قررنا أن نھاجمه لأننا كنا نعرف أننا سنكسب المعركة في غضون أسبوع إذا بدأنا الھجوم . كذلك, وصفت قاضیة في المحكمة العلیا الإسرائیلیة  الاحتلال الإسرائیلي لفلسطین , بأنه سيكون طويلاً ولیس مؤقتا , فھو یبدأ مؤقتا ثم مطولا ثم دائما. هذا غيض من فيض الحقائق الني تحثنا عنها.  يبقى القول أن سياسة الاستدراج انطبقت أيضا على الرئيس العراقي الأسيق صدّام حسين خلال اجتماعه مع السفيرة الأمريكية  أبريل غلاسبي لاحتلال الكويت , لإيجاد المدخل والأسباب للقضاء على قوة العراق, خدمة لمبادىء الأمن الإسرائيلية.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.