اليمن سباق النهوض / “المبادرة الوطنية الأردنية”

 

الأردن العربي ( الإثنين ) 25/5/2015 م …

لماذا تشن حرب مجنونة من قبل قوى الهيمنة العالمية وقوى التبعية في المنطقة والإقليم، على اليمن؟. من هي القوى الفعلية التي تقف خلف هذا العدوان؟ وما مصالحها في هذا العدوان؟.

في التاريخ البشري، وعبر كافة العصور، وبحسب طبيعة المرحلة التاريخية ، تشن الحروب العدوانية لصالح فئات وشرائح أقلوية، محدودة العدد، ضد مصالح وحقوق الأغلبية.

في المجتمعات البدائية، وفي المرحلة الرعوية، كانت الحروب تشن بسبب الحاجة إلى الماء والكلأ مصدر عيش البشر والحيوانات.

أما في العصور الحديثة وخصوصاً المرحلة الرأسمالية فأن الحروب تشن بسبب الحاجة إلى ” المواد الخام الأولية بأسعار بخسة ” والحاجة إلى ” أسواق ” تستهلك السلع والخدمات التي تنتجها دول المركز الرأسمالي العالمي، فالمواد الخام الرخيصة مصدرها في الواقع دول المحيط التابعة، والسوق هي جزء منه.

في الحالة اليمنية، كيف يمكن تفسير حرب السعودية عليها؟

هل يمكن اعتبار اليمن سوق للبضائع والسلع والخدمات السعودية؟ الجواب كلا، لأن ذاتها السعودية هي سوق استهلاكي للبضائع والسلع والخدمات، العسكرية والمدنية، التي ينتجها المركز الرأسمالي.

وهل القبائل السعودية اليوم بحاجة إلى الماء والكلأ في اليمن؟

الجواب أيضاً  كلا.

أذاً ما مصلحة السعودية في هذه الحرب؟

لفهم هذا النوع من الحروب، والحرب على اليمن مثالاً ساطعاً عليها، لا بد من رؤيتها في سياق الصراع التناحري الجاري في المنطقة بشكل خاص، وعلى الصعيد الإقليمي والدولي بشكل عام.

لقد أثبتت هذه الحرب مسألة في غاية الأهمية، وهي أنه لا يمكن القفز عن حقيقة موضوعية “معطى التناقض التناحري” والذي يعني الصراع الحتمي بين مشروعين متناقضين لا مكان للتعايش بينهما، فقضاء أحدهما على الآخر حتمية لا يمكن تفاديها.

التناقض التناحري واحد من أهم قوانين الصراع العلمية، التي يصعب التحايل عليها، لا بالعواطف ولا بالأمنيات ولا بالاحتواء، فهل يمكن التعايش بين النار والهشيم؟ هل يمكن التعايش بين الوحش والحمل؟ هل يمكن التعايش بين الجهل والوعي؟ وهل يمكن التعايش بين التبعية ومشروع التحرر الوطني؟ هل يمكن استمرار التعايش بين المستغل، بكسر الغين، والمستغل، فتح الغين ؟  في المحصلة النهائية: ستأكل النار الهشيم، وسيأكل الوحش الحمل، وسيأكل الجهل الوعي، وما الأحداث الهمجية التي تجري على صعيد المنطقة، سوريا العراق لبيا واليمن، إلا دليل ساطع على ذلك، وسينفجر الصراع بين المستغل، بكسر الغين، والمستغل، فتح الغين.

قاد نظام على عبد الله صالح خمسة حروب ضد أنصار الله في صعدا، فشكلت الحرب السادسة نهاية على عبد الله صالح في السلطة، وأيضاً  نهاية سلطة عبد ربه منصور هادي.

لماذا قاد “على صالح” حرباً على جماعة – جماعة أنصار الله – تتمركز في منطقة جبلية عالية، يصعب الوصول لها حتى على الأرجل، أليس السبب الحقيقي هو فهم “على ومنصور” ومن خلفهم من قوى، السعودية وأمريكا، بأن الصراع صراع تناحري، بين مشروع التخلف ومشروع النهوض.

اليمن في سباق محموم بين مشروع التخلف ومشروع النهوض، فقوى النهوض والتقدم في اليمن وفي الإقليم وفي العالم تقف إلى جانب قوى التحرر، مشروع النهوض،  وفي المقابل يقف المركز الرأسمالي العالمي وقوى التبعية في المنطقة إلى جانب قوى التخلف ومشروع التخلف، والتناقض بينهما تناقض تناحري.

أكثر النظم صداقة للقيادة السورية، قطر وتركيا، على مدى العقدين الأخيرين، هي أكثر الدول دعماً للحرب الإرهابية على سوريا؟ ألم يفعل قانون التناقض التناحري فعله في هذه الحرب، هل نجحت محاولة القيادة السورية كسب تركيا وقطر إلى جانبها، أم الذي حدث هو العكس تماماً.

هل نجا نظام “العقيد القذافي” من مصيره البأس على الرغم من التنازلات الهائلة التي قدمها للمركز الرأسمالي، ضناً منه بإمكانية التحايل على قانون التناقض التناحري، فحكم على نفسه ونظامه وشعبه بهذا المصير البأس بسبب هذه التنازلات وسوء فهم قانون التناقض التناحري . 

قوى الثورة في اليمن يبدو أنها مستوعبة جيداً قانون التناقض التناحري، وفهمت تاريخ اليمن الحديث بشكلٍ جيد.

شكلت اليمن حالة خاصة نافرة عن محيطها الخليجي، ألم تكن الدولة الوحيدة التي حدثت فيها ” ثورة ” عسكر، استلم الحكم وانحاز في الصراع الدائر آنذاك، والذي كان يطلق علية تناقض القوى الرجعية مع القوى التقدمية، إلى جانب عبد الناصر ممثلاً للقوى التقدمية، ضد الحكم الملكي السعودي ممثلاً القوى الرجعية، بداية ستينات القرن الماضي، كما وانحازت اليمن لجانب صدام حسين في الهجوم على سلطة آل الصباح في الكويت، بداية تسعينات القرن الماضي، كما وانضمت اليمن إلى الأردن ومصر والعراق في اتحاد فهم بأنه رد على مجلس التعاون الخليجي.

بالمقابل رفضت دول مجلس التعاون الخليجي انضمام اليمن إلى هذا المجلس، كما استمرت، هذه الدول، في سياسة تجويع الشعب اليمني، عبر مساعدات شحيحة جداً، وقروض غير ميسرة، كان من تداعيات هذه السياسة، في التعامل مع اليمن، منعها من استثمار ثرواتها، ومن ضمنها النفط الذي اكتشف من قبل الخبراء السوفيت في أراضي جنوب اليمن، في ثمانينات القرن الماضي، وكذلك الثروة النفطية الهائلة في منطقة الجوف، التي اكتشفت حديثاً، فتم بذلك حجز تطور اليمن، من قبل قوى الهيمنة، من خلال مراكز قوى تابعة، هي مجموعات قبلية وحزبية، تشكلت بالمال السعودي.

فهل للمجتمع السعودي ودول الخليج الأخرى مصلحة حقيقية في حجز تطور اليمن، بالتأكيد لا، فمن هو صاحب المصلحة الحقيقي والخف في هذه الحالة؟.

هل من شك أن الدولة السعودية القائمة ودول الخليج الأخرى، هي دول تابعة للمركز الرأسمالي العالمي؟ وتبعاً فهي ليست صاحبة قرار.

وهل من شك، أن ثروات دول الخليج تخدم مصالح المركز الرأسمالي داخل الإقليم وعلى الصعيد الدولي بشكل مباشر، أليس الحكم السعودي هو من يقوم بالأعمال القذرة لصالح المركز الرأسمالي العالمي؟ من موّل الحروب على الدول التقدمية والأحزاب التقدمية والحالات الوطنية في العالم العربي وفي المنطقة، وعلى الصعيد الدولي منذ منتصف القرن الماضي ولحد اليوم؟ أليس حكام السعودية، من الذي ساهم في تمويل قوى التخلف المسلحة التي تمارس الهمجية بأبشع صورها ضد البشر والآثار والثقافة والحضارة، أليس هم حكام السعودية وحكام دول الخليج الأخرى؟.

لماذا تم استهداف الآثار من قبل قوى التخلف في العراق وفي سوريا، وفي الوقت ذاته تستهدف غارات الحكم السعودي جوياً آثار اليمن؟ ألا يأتي ذلك في سياق مخطط يهدف إلى تدمير الإرث المشترك للأمة العربية، من أجل تسهيل مهمة البحث عن تراث المجاميع الماقبل رأسمالية ، المذهبية والطائفية والقبائلية…الخ.

هل لشعب الجزيرة العربية ” السعودية ” أي مصلحة في هذه السياسة العدوانية؟ الجواب بالتأكيد كلا،

فمن يكون صاحب المصلحة الحقيقية في هذه السياسة؟.

الإجابة تظهر بوضوح إذا ما استعرضنا بعض المعطيات: من الذي يمتص مدخرات دول الخليج التي تتراكم لديها، من أثمان النفط، بشكل دوري كل عقد من الزمن؟ أليس المركز الرأسمالي العالمي، ألا يتم ذلك عبر الحروب ، حروب الخليج الثلاثة، وعبر خلق توترات في المنطقة بين دولها وبين شعوبها؟ وسياسة إعادة المجتمعات العربية إلى عناصرها البدائية الطائفية والمذهبية والجهوية والأثينية والقبلية …الخ. ومحاربة القوى التقدمية في العالم عبر أموال دول الخليج، ونظرة على تداعيات الأزمة الرأسمالية الأخيرة، التي سميت بأزمة الرهن العقاري عام 2008، حيث خسرت الإستثمارت الأمريكية فقط 30% منها قيمتها، في حين خسرت الاستثمارات العربية70% ، ألا تتعدد أساليب امتصاص مدخرات هذه الدول ؟.

 لا يمكن تفسير حرب السعودية على اليمن إلاّ من خلال هذه الإستراتيجية العدوانية للمركز الرأسمالي العالمي:

1.     السعودية دولة تابعة، لا تمتلك قرارها المستقل، ولا تستطيع الإقدام على هكذا خطوة بدون موافقة ودعم المركز الدولي الرأسمالي المهيمن.

2.     ليس للسعودية، دولة ومجتمع، مصلحة حقيقية في هذه الحرب.

3.     يعلم أصحاب القرار في السعودية حقيقة: لم تستطع أي قوة عبر التاريخ من إخضاع اليمن والسيطرة عليها.

4.     لقد جرب حكام السعودية هذه اللعبة – الحرب – عام 2009، فكانت النتيجة، حين ذاك وهم ” أنصار الله ” أقل قوة وأقل عدد، وفي وقت كان حكام اليمن يشنون حروب عليهم في صعدة، رغم ذلك استطاعوا – أنصار الله –  إلحاق هزيمة نكراء في القوات السعودية، وأسر عدد من ضباطه وجنوده، واحتلال عدد كبير من القرى الحدودية، فكيف الحال واليوم حيث يتمتع أنصار الله بدعم الشعب اليمني غير المحدود، وحالة من التلاحم الوطني غير المسبوق بين الشعب والجيش وأنصار الله، والحالة الشعبية المطالبة بالرد الحازم على العدوان.

5.     يعلم أصحاب القرار في السعودية أن اليمن أصبح جزء من محور في المنطقة وعلى الصعيد الدولي ولن يترك وحيداً في هذه الحرب.

فلماذا رغم كل هذه الحقائق يغامر حكام السعودية بهذه الحرب؟.

الجواب المنطقي هو أن حكام السعودية ينفذون مطلب جهة ما، لها مصلحة في إدامة الهيمنة على العالم وإدامة استغلال خيرات وثروات شعوب مجلس التعاون الخليجي ذاته أيضاً، والحرب على اليمن هي جزء من حرب كبيرة تدور رحاها في المنطقة وفي العالم، الحرب في سوريا والعراق واليمن، والحرب في أوكرانيا، والحرب في أفريقيا، حرب أدواتها قوى فاشية دينية في دول المحيط وفاشية علمانية في دول المركز.

أسلوب الحرب المطبقة في اليمن، إدارة المعركة، أهداف الغارات، وسياسة الأرض المحروقة المتبعة في هذا العدوان، والحملة الإعلامية المرافقة له، هي ذاتها التي تم تطبيقها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، في حرب فيتنام، وفي الحرب على أفغانستان ، وفي الحرب على العراق وعلى ليبيا، وكافة حروب العدوان الصهيوني.

من المؤكد أن اليمن ستنتصر في هذه الحرب وقوى العدوان ستهزم.

من المؤكد أن الدول التي تدعم الحروب لن تستطيع الاستمرار بها، بسبب أوضاعها الاقتصادية أولاً، وبسبب الحالة الشعبية في هذه الدول الرافضة لهذه الحروب، لخبرتها بتداعيات هذه الحروب السلبية عليها، وأول ضحاياها شعوب هذه الدول المعتدية ذاتها، وخاصة الكادحين والفقراء منهم، وأن مصير العالم لم يعد يتحكم به المركز الرأسمالي العدواني وحده، فهناك دول البريكس ودول وحركات التحرر الوطني العالمي لها ما تقول في هذه المسألة.

” كلكم للوطن والوطن لكم “

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.