للمشككين في نوايا روسيا.. الهزيمة حرفة عربية / لؤي توفيق حسن
لؤي توفيق حسن ( السبت ) 9/6/2018 م …
“الهدف من وراء كل حرب، أن تصبح الدولة في وضعية أفضل لشن حرب أخرى”. جورج أورويل (كاتب انكليزي).
كان كلام الرئيس الروسي بوتين من سوتشي عن ” انسحاب القوات الأجنبية ” من سوريا واضحاً غير ان البعض قرأه وهو يرتدي نظارة رغباته، البعض اعتبر ان القوات الأيرانية مشمولة بهذه العبارة، والبعض الأخر رأى العكس. فهل الأمر يتحمل وجهات نظر من اساسه!.. جوابنا على ما سبق: لا؛ هذا متى استعدنا التصريح بكامله وهو على النحو التالي: “إننا ننطلق من أن الانتصارات الملموسة ونجاح الجيش السوري في محاربة الإرهاب وانطلاق المرحلة النشطة من العملية السياسية سيليها بدء انسحاب القوات المسلحة الأجنبية من أراضي الجمهورية العربية السورية”.. هذا لم يدقق :” خارطةً للطريق” ليس أكثر ولا اقل بالتأكيد.
كلام بوتين
ينطلق الرئيس بوتين فيما سبق من الحقيقة وهي ان تزاحم القوى العسكرية في بلد يؤدي بها في الأعم الغالب إلى التقسيم، على غرار ما تراه الكوريتين، وما شهدته المانيا وفيتنام لسنوات. ولعله في هذا ينسجم مع حرص بلاده على وحدة الأراضي السورية، وهذه النقطة بالتحديد تشكل إحدى التقاطعات العميقة مع ايران ومع تركيا فيما بعد، ذلك بعد ان ادركت الأخيرة ان اللعب في النار السورية مغامرة تفوق مناعتها الداخلية من حيث تجنيب تداعياتها عن تركيا كونه كياناً اشكالياً قابلاً بالتالي للتقسيم. لكن ومن حيث المبدأ ليس بقاء القوات الايرانية أو حتى الروسية في سوريا قدراً مؤبداً، وقد أملت وجود أولئك ظروف خاصة لم يردها اي من الأطراف التي تدخلت. ومن هذا الفهم يأتي كلام الرئيس بوتين رابطا بين الظرف وبين الحضور العسكري؛ وعليه لا يقفز الرجل بين هذا الفهم للحل السلمي المُرتجى وبين حقائق ترمي بثقلها على ارض الواقع، ومنها أن امريكا مازالت تحتل اراضٍ في الشمال الشرقي من سوريا، ومازالت تدعم قوات (قسد) الانفصالية !. ومازالت في مكان أخر تسبغ الحماية على “داعش”، كذلك “اسرائيل” بذات الكيفية مع “النصرة” جنوباً.. ومن هنا يطرح السؤال: هل القوات الأسرائيلية مشمولة بهذه الخريطة بوصفها قوات أجنبية محتلة ينطبق عليها ما ينطبق على القوات الأمريكية او التركية !..
التنسيق الثلاثي
لا شك أن “اسرائيل” قد طرحت على نفسها هذا السؤال ولهذا هرول نتنياهو إلى موسكو طالباً من بوتين “أن يتفهم اعتبارات الأمن القومي الأسرائيلي” !، متخوفاً من التزامات ايران الدفاعية حيال سوريا، ما حدا بأحد أشهر الصحفين الأسرائيلين “رونان بيرغمان” لوصف روسيا بأنها “السيد الحقيقي في الشرق الآوسط” ! ؛ وهنا لا تفوت لاعب الشطرنج الروسي الذي يعي جيداً معنى “جدلية الصراعات” أن الحضور الأيراني في تركيبة القوى الأقليمية يكمل الدور الروسي، وكان من تجليات هذا التكامل ما كان من تنسيق بين الجو حيث الطيران الروسي وبين الأرض حيث القوات العربية السورية ورديفها من قوات حليفة، وهذا مثال حسي على تكامل يطال السياسة كما سنبين لاحقاً. ومن الجدير ذكره ان التكامل المذكور استغرق زمنا غير قصير من الدرس سوريا وايرانياً لإقناع روسيا في التدخل بالحرب، وقد كان يتجاذبها امران سبقا تدخلها الأول، الرغبة في عدم سقوط سوريا بيد الفوضى والأرهاب كما تمليه حسابات أمنها القومي؛ والثاني، تهيبها للتدخل مخافة الوقوع في فخ مشابه للذي وقع فية “السوفيات” في افغانستان، لكن الذي قطع هذا التردد هوخطط القيادتان السورية والأيرانية التي اقنعت الروس بانهما سيكفيانها الغوض في العمليات البرية على ان تقدم من جهتها الدعم الناري والأستطلاعي من الجو. مع تقدم اسلحة حديثة لسد بها بعض الثغرات في منظومة القتال للجيش العربي السوري، وهذا ما حدث بالفعل حيث استثمرت القوات البرية بشكل جيد القصف الجوي؛ أما ن أستشهاد اعداد من العسكرين الروس فهو في الحدود الدنيا قياسا بالحرب السورية، وقد جاء في الغالب ضمن عمليات المواكبة الروسية التي يستلزمها التنسيق الضروري بين نيران الجو وحركة القوات البرية، ثم فيما بعد لتقيم سير المعارك وكسب الخبرات منها، فضلاً عن التقيم الميداني لكفاءة الأسلحة الجديدة التي زجت بها روسيا لأول مرة وكان ميدان الحرب السورية مختبراً لحوالي 160 سلاح جديد .
قدرات سوريا الدفاعية
هذه حقائق نسوقها لمن انتابته السعادة من عرب امريكا ظانين بان روسيا قد انقلبت على حليفها الإيراني، ربما هذا النوع من العبث من مزايا قيادات عربية نقلت البندقية من كتف إلى أخر فيما تحالف محور موسكو طهران دمشق تحالف استراتيجي، بمعنى انه ليس وليد ظرف بل حصيلة قرأة استراتيجية لتحديات مستقبلية تطال اطرافه، منها محاولة عزل روسيا وتطويقها من اوروبا الشرقية وصولاُ لواجهتها الأسيوية مرورا بالشرق الأوسط الذي أرادته أمريكا على قياس مصالحها عبر استراتيجية “الفوضى الخلاقة”، والتي منها كان غزو العراق والعدوان على لبنان صيف 2006 ثم الحرب على سوريا 2011 . من جهة أخرى فإن روسيا الدولة العظمى تتمثل جيداً وبعمق مطبات وخيبات الحقبة “السوفيتية”، ومنها انخداعهم باالضمانات التي قدمتها امريكا لهم في صيف 1967 قبيل العدوان الأسرائيلي زاعمةً بانها ستضغط على اسرائيل لمنعها من اي عمل عسكري ضد مصر مقابل ان توقف الأخيرة استعداداتها لضربة وقائية للقوات الأسرائيلية المحتشدة في النقب. فكانت النتيجة ان نكثت امريكا بوعدها لتقوم “اسرائيل” بعدوانها صباح 5 حزيران/ يونيو وتغير بها خريطة المنطقة، وبالطبع لم يكن بوارد “السوفيت” يومها التدخل لوقف العدوان لأعتبارات اهمها أنهم محكومون بتدخل امريكي مضاد قد يفضي إلى حرب عالمية، وهذا السقف مازال قائما بالطبع الأن، وعليه فإن إضعاف قدرات سوريا الدفاعية بسحب حلفائها منها سيضعها بالوقت الراهن في مواجهة غير متكافئة مع العدو الأسرائيلي. وهذا يعني ان نصر محور موسكو طهران دمشق سيصبح في مهب الريح، فيما سوريا بامس الحاجة لتعزيز دفاعاتها بحيث تكون طرفا قويا متى حان فتح ملف الجولان …
إلى المشككين بنوايا روسيا نقول هذا بوتين وليس انور السادات، الذي انتصر في الميدان وخسر في السياسة . فالهزيمة حرفة عربية.
التعليقات مغلقة.