الأردن … مشروع تغيير وطني للحوار (1) / جورج حدادين
جورج حدادين ( الأردن ) الأربعاء 27/6/2018 م …
يعيش الأردن أزمة ممتدة على كافة الصعد: الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، منذ التأسيس ولغاية اليوم، تظهر بشكل حاد تارة وبشكل مستتر تارة أخرى، لماذا؟
خلال سنوات الوفرة ( تدفق المنح والمساعدات الخارجية) يخبو النقاش حول الأزمة، ثم يعود للاشتعال خلال سنوات الضيق.
أوقات اشتداد الأزمة تجهد النخب ذاتها في البحث عن حلول لها، مقاربتان يتم تداولهما في هذا السياق، مقاربة الإصلاح ومقاربة التغيير، تستند الأولى إلى رفض الواقع والسعي لإصلاحه وحسب، وهي مقاربة جرّبت على مدى الزمن، منذ التأسيس إلى اليوم، فلم تنتج ولم تثمر حلول وذلك لأسباب تتعلق بغياب الوعي التاريخي لقوى الحراك، من جانب، وقوة قبضة المركز الرأسمالي على الدولة وعلى المجتمع، من جانب آخر.
هناك مقولة زائفة باتت من مقدسات العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي، لدى النخب الأردنية ولدى المجتمع الأردني، ناهيك عن القيادة السياسية والقيادة الاقتصادية !!
المقولة:
“لا يوجد بديل، وهذا الواقع لا يمكن تخطيه، السبب محدودية الموارد والإمكانات، وأكثر ما يمكن فعله هو تحسين شروط الواقع القائم: من خلال إجراء إصلاحات متدرجة على صعيد المنظومة الاقتصادية – الاجتماعية والسياسية السائدة ” حيث عملت قوى التبعية في الحكم وفي السوق وفي صفوف النخب بقوة على تثبيت وتحويل هذه المقولة إلى مقدس لدى العامة، على الرغم من حراكات شعبية تحدث بين الفينة والأخرى، وبسبب تشويه وتزييف الوعي الجمعي هذا فأن هذه الحراكات لا تراكم نتائج فعلية على أرض الواقع ولا تنتج حلول.
هل تصمد هذه المقولة – عدم القدرة على تغيير الواقع – أمام المحاكمة العلمية؟
الأزمة التي تعيشها البلاد، منذ التأسيس، سببها المباشر والرئيس هو نهج التبعية الذي يعتمد المساعدات الخارجية والمنح لإدارة شؤون الدولة والمجتمع، وحجز الثروات الطبيعية والمقدرات الوطنية عن فعل فعلها في بناء الدولة الوطنية المنتجة المستقلة والمجتمع المنتج المنتمي.
الأزمة تكمن في كون الدولة مستهلكة والمجتمع مستهلك، وكما هو معروف فأن المستهلك غير منتمٍ، بينما وحده المنتج بطبيعته منتمٍ، والدولة المستهلكة بالطبيعة هي دولة غير مستقلة ولا تملك قرارها، لأن الذي يدفع للزمار هو من يحدد اللحن.
الأزمة القائمة هي أزمة حكم وأزمة مجتمع، أزمة مؤسسات الحكم وأزمة مؤسسات المجتمع، هي أزمة نهج فرض على الدولة والمجتمع، من قبل دول الاستعمار والهيمنة، بريطانيا سابقاً ثم الولايات المتحدة لاحقاً، لخدمة مصالح ومخططات المركز الرأسمالي العالمي، على حساب مصالح شعبنا وأمتنا العربية.
مارست مجموعة التبعية الحاكمة عبر كل هذه العقود ، سياسة القمع وخنق الحريات العامة، وسيطرت الأجهزة الأمنية بشكل مطلق على إدارة شؤون الدولة والمجتمع، حيث اتبع سياسة معاقبة الوطنيين المخلصين من أبناء هذا الشعب، وتم إبعادهم عن صنع التنمية الوطنية وبناء مستقبل البلد، في حين تم بناء شريحة انتهازية ذيليه وسلمت مواقع ومفاصل الدولة.
ومارست الأجهزة الأمنية قمع العمل السياسي وقامت بالاستيلاء على النقابات العمالية ونصبت قيادات خاضعة تماماً لسيطرتها ، وتم التغوّل على حقوق العمال لصالح أرباب العمل، ونجحت في حرف النقابات المهنية عن دورها في خدمة منتسبيها والمساهمة في صياغة خطط التنمية الوطنية الحقيقية، حيث تم منع السفر والعمل للشرفاء من أبناء هذا الوطن، ولكن مجموعة التبعية الحاكمة لم تعتمد فقد على أساليب القمع لا بل نجحت باستمرار في تزييف الوعي الجمعي وفرض تصورها لشكل وصيرورة المجتمع، كما ونجحت في تحديد سقوف المطالب وطبيعة الحراكات، كما وفرضت وحددت أطر المطالب وحصرتها في مجال الحريات اللبرالية والتشريعات والقوانين والأنظمة، أي في البنية الفوقية، وحجبت السبب الجوهري لهذه التحركات ألا وهو رفض التبعية ورفض حجز التنمية الوطنية الحقيقية المعتمدة على الذات، أي البنية التحتية… يتبع الجزء الثاني …
التعليقات مغلقة.