لماذا كشفت الرياض عن زيارة “عوض الله”؟ / راكان السعايدة
راكان السعايدة ( الأردن ) الجمعة 29/5/2015 م …
الأكيد أن الأردن لم يكن يرغب بالكشف عن زيارة ‘باسم عوض الله’ إلى السعودية كمبعوث يحمل رسالة، وربما، أو هو كذلك، أن مستويات القرار الأردني تفاجأت، ولن أقول صدمت، من كشف الرياض لهذه الزيارة.
إذ لو كان في ذهن الأردن، إعطاء هذه الزيارة صفة تحمل دلالات وإشارات ما، لأعلن عنها مسبقا، أي قبل أن يغادر ‘عوض الله’ الأردن، وبما أنه لم يعلن عنها ولم يبد أي رد فعل بعد كشفها، فذلك يعني، بالتحليل، أنه لم يضع في حساباته التصرف السعودي.
ولو كان في حساب الأردن أن الرياض ستقدم على هذه الخطوة، بكشف الزيارة، لربما غيّر حامل الرسالة بمسؤول له صفة رسمية، إذ أن ‘عوض الله’ لا يتمتع بأي صفة رسمية أو دستورية، ضمن هياكل الدولة، كي تتعامل معه السعودية حسب البروتوكول الرسمي لا الشخصي.
بعض التحليلات، الأقل أهمية وجدّية، تقول أن الأردن كان يعنيه أن تكشف زيارة ‘عوض الله’ إلى السعودية، على الأقل بهدف قياس ردود الفعل في الشارع الأردني وما إذا كان من الممكن إعادة إنتاج صورة ‘عوض الله’ وبعثه في مواقع المسؤولية من جديد.
مثل هذا التحليل، لا تدعمه الوقائع والحيثيات، لأن في الزيارة تفاصيل دقيقة مناقضة ومغايرة للصورة التي بدت عليها، والأهم أن الأردن صمت تماما، ولم يرد رسميا أو يوضح أو يبرر، وكأنه ارتبك، ولم يدر كيف يعالج الموقف.
التأسيس لفهم ما جرى من كشف زيارة ‘عوض الله’، وتحليلها، لابدّ وأن يأخذ بالاعتبار أن العلاقة الأردنية السعودية وبرغم ثباتها ومتانتها، لكنها تمر بمنعطف له علاقة بأولويات كل دولة.
فالأردن يعتقد أن أولوية المواجهة حاليا يجب أن تكون مع تنظيم الدولة الإسلامية ‘داعش’، إذ أن عمّان تعي، وهي محقة في ذلك، أن الخطر الحقيقي الداهم يتمثل في هذا التنظيم، بينما السعودية ترى أن التنظيم خطر لكن الأولوية هي إيران ونفوذها والمعركة مع الحوثيين في اليمن.
فالرياض تقيم الخطر الإيراني الحوثي كأولوية داهمة لها، بينما عمّان تعتقد أن هذا الخطر ليس أولوية قصوى، ويمكن حلها سياسيا، كما أن الدخول إلى اليمن مغامرة عسكرية كبرى، ومكلفة للسعودية وللدول المتحالفة معها.
نخلص هنا، إلى أن ثبات العلاقة بين العاصمتين، لا يعني التماهي التام في المواقف من قضايا وملفات المنطقة والإقليم، وأي الملفات له أولوية على غيره.
إذا كان هذا التحليل صحيحا، وواقعيا، فإن السعودية أرادت من كشفها لزيارة ‘باسم عوض الله’ تحقيق أحد أمرين، إذ يستحيل أن يكون كشف الزيارة خطأً بروتوكوليا فنيا، بل مقصودا سياسيا، والأمران هما:
أولا: ان صيغة اللقب (أي دولة باسم عوض الله) مقصودة، وحفاوة الاستقبال وعلى أعلى مستوى أيضا، وكأن السعودية تريد إيصال رسالة للأردن بأن هذا الرجل، وهو القريب من السعودية وتحديدا من ولي العهد الأمير ‘محمد بن نايف’، مفضل لديها وترغب في رؤيته رئيسا للوزراء أو في موقع رفيع جدا في الدولة.
والاردن أصلا عندما أرسل ‘عوض الله’ إلى السعودية حاملا إلي ‘الملك سلمان بن عبد العزيز’ رسالة، كانت ترى انه الشخص المناسب لعمق علاقته بالرياض ومن هم على سدة الحكم فيها.
ثانيا: وهو الاحتمال الأقوى، أن الرياض أرادت أن تناكف عمّان، جراء تضارب الرؤى والأولويات بين البلدين، لعلمها وإدراكها أن ‘عوض الله’ لا يحظى بقاعدة دعم شعبي، وأن ظهوره على النحو الذي أظهرته سيشكل إحراجا شديدا، ويؤلب القاعدة الاجتماعية، في وقت حساس ودقيق يمر به الأردن نتيجة التداعيات الخطرة التي يمر بها الإقليم.
ومعنى ذلك أن الرياض مستاءة من المقاربات الأردنية تجاه قضايا المنطقة، وكانت تريدها متماهية تماما مع مقارباتها وتصوراتها، ووجدت زيارة ‘عوض الله’ فرصتها لإحراج الأردن ومناكفته، وإلاّ كيف يمكن تفسير الاحتفالية الإعلامية والسياسية التي رافقت الزيارة، التي بدا أن الرياض أرادتها رسالة قوية، وغير قابلة للتأويل أو سوء الفهم.
إن الأردن الذي يعي حساسية المرحلة، ودقتها، ما كان ليفكر في خلق مزاج عام مستاء جراء أي دور يمكن أن يظهر فيه ‘عوض الله’ كلاعب سياسي علني، وعلى هذا النحو، وإن لم يغب عن الكواليس الخلفية.. وأي من الهدفين السعوديين السابقين لا يخدمان الأردن بأي حال.
كما أن فكرة أن تكون عمّان نسقت مع الرياض، كل الذي جرى، وكانتا متفقتين على إظهار ‘عوض الله’ بالصورة التي ظهر بها، ليس ممكنا.
إجمالا، ما جرى يُعد فرصة واقعية تتيح لمستويات القرار تقييم صورة الرجل الشعبية، بعد كل هذا الغياب عن المشهد السياسي، وتتيح استكشاف فرص عودته للواجهة..
ومن المهم إجابة سؤال: هل كان ‘عوض الله’ على علم مسبق، أو أحيط من قبل الرياض، وهو هناك، أنه سيوضع تحت تركيز إعلامي استثنائي..؟!
التعليقات مغلقة.