اللجنة الوطنية السورية لليونسكو: دعوات لإنقاذ “روح سورية” من براثن داعش / د.خيام الزعبي
د.خيام الزعبي ( سورية ) الجمعة 29/5/2015 م …
على مدار أربعة سنوات مضت، والآن مع وجود مستجدات يومية، وظهور مجموعات تتغول في التطرف والإرهاب، لم تعد خسائر الحرب مقتصرة على الأرواح والمنازل، بل تجاوزتها لتطال آثاراً توثق تاريخاً عندما إنهالت بمعاولها وبلدوزراتها على آثار سورية العريقة من أجل العودة إلى صورة ضيقة ومتشددة لماضٍ آخر تختاره هي، في هذا الإطار يتعرض قطاع الآثار في هذا البلد “سورية” الذي يعتبر متحفاً مفتوحاً على التاريخ، لإعتداءات متنوعة إذ هدمت أضرحة وجرفت مواقع وسرقت قطع أثرية لتنشط مافيا وسماسرة الآثار ومهربي التراث مستغلين إنشغال الدولة بالقضايا السياسية والإقتصادية والأمنية.
اليوم ينفذ تنظيم داعش جريمة جديدة في حق سورية والإنسانية، عندما إمتدت سلسلة إعتداءاته على آثار مدينة تدمر التي تعد من مفاخر الحضارة والتاريخ في سورية، وأحد أهم المراكز الثقافية في العصر القديم، والتي أدرجتها منظمة اليونسكو على لائحة التراث العالمي عام 2006م، فقد كشف تحليل صور الأقمار الإصطناعية حسب ما أكدته الأمم المتحدة أن هناك نحو أكثر من ٣٠٠ موقع أثري تم تدميره أو نهبه، إضافة إلى قصور إنهارت ومآذن دمرت، ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة فإن أكثر من ٢٤ موقعاً دمر بالكامل، و١٠٤ مواقع تعاني من أضرار كبيرة، و٨٤ تأثرت تأثراً جزئياً، وأكثر من ٧٧ موقعاً عانى من الأضرار، لذلك يمكننا أن نرى أن المتطرفين يستخدمون تدمير هذا التراث في إطار إستراتيجية ترويع لزعزعة استقرار الشعب وتضليله وضمان الهيمنة عليه، وإنطلاقاً من ذلك فإن هذا الإعتداء الوحشي على تراثنا الحضاري يمثل واحدة من أبشع الجرائم التي إرتكبت في هذا العصر بحق تراث الإنسانية جمعاء.
في سياق متصل كشفت صحيفة دلي ميل البريطانية عن قيام تنظيم داعش بعرض الآثار التي سرقها من المواقع السورية في موقع عالمي للتجارة الإلكترونية, وقالت الصحيفة أن “الآثار نهبت من أماكن تقع تحت سيطرة داعش وقد شقت طريقها عبر مجاميع إجرامية قبل أن ينتهي بها الحال في دول الخليج ومن ثم على المواقع التجارية العالمية في الإنترنيت، وأعربت الديلي ميل, عن إعتقادها أن “داعش يتلقى عروضاً من سماسرة في دول مجاورة للحصول على قطع أثرية خفيفة مثل النقدية, التي يسهل تهريبها عبر الحدود أو بإستخدام مسالك تهريب وعلاقات مع عصابات إجرامية في تركيا ولبنان والأردن, لإمكانية شحنها مع البضائع الأخرى مثل النفط والمخدرات والأسلحة التي تمر عبر الحدود لتمويل نفقاته.
وأمام هذا التهديد وما سبقه من تهديم الشواهد التاريخية الفريدة في سورية، فإن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” تعرب عن قلقها العميق من إستمرار هذه الجماعات الإرهابية في إستهداف الثقافة العربية الإسلامية وشواهدها الثابتة والمنقولة التي تمثل كنوزاً غير قابلة للتعويض بالنسبة إلى العرب والإنسانية، وتدعو جميع الضمائر الحية والهيئات الإقليمية والدولية المتخصصة إلى القيام بما في وسعها من أجل حماية مدينة تدمر وسكانها وبذل كل ما يلزم في هذا الصدد، كما شاركت دعوتها الحكومة السورية للوقوف معها لحماية التراث السوري الثقافي من سرقات داعش ونهب الآثار والإتجار غير الشرعي به، ودعت السوريين إلى الوقوف معاً من أجل حماية تراث بلادهم، وبما أن قيمة التراث الثقافي وأهميته تكمن في كونه تراثاً إنسانياً يجسد عبقرية شعب ويشكل حلقة من حلقات التطور الحضاري للإنسان، فكانت صيحة فزع أطلقتها اللجنة الوطنية السورية لليونسكو، على أثر الصور والفيديوهات التي نشرها تنظيم داعش، ويظهر فيها تفجير وتدمير العديد من المعالم الأثرية في مدينة تدمر، لذلك تحرص اللجنة الوطنية على متابعة ملف التراث الثقافي بالتعاون مع المنظمات والهيئات الدولية للمحافظة على تراث سورية المهدد بالخطر لدى اليونسكو، وكما تقوم بالعديد من الإجراءات فيما يتعلق بالتنسيق مع منظمة اليونسكو في متابعة هذا الملف حيث تعمل على مواصلة التنسيق مع معظم الوزارات السورية ذات الشأن، وتقوم بدعم وحشد الجهود العربية والإسلامية لإتخاذ موقف عربي وإسلامي موحد لمواجهة تدمير التراث السوري وحماية المواقع الأثرية، بالإضافة إلى استرجاع المسروقات، من خلال العمل على تفعيل القوانين الدولية المعنية بمجال حماية التراث والآثار في العالم، كما دعت المنظمة الدولية التحرك فوراً وعقد مؤتمر عاجل مستمر للمثقفين في العالم لمناقشة ووضع خطط لإنقاذ روح البشرية التي تواجه تدميراً لم يسبق له مثيل، بالتالي إذا كان هناك من رسالة ينبغي أن ترسل إلى منظمة اليونسكو بإعتبارها المنظمة التي تقع على عاتقها حماية العلم والثقافة، هي حماية السوريين وحماية تاريخهم وذاكرتهم، من خلال التحرك عبر مجلس الأمن وإيجاد صيغة أمنية لحماية الآثار السورية و إصدار التشريعات والقوانين وتطبيقها بحزم بحق كل من يساهم في تدمير وسرقة إرث سورية فضلاً عن إقامة الندوات التثقيفية والتوعوية عن الآثار وأهميتها بإعتبارها ثروة وطنية هامة.
إن ما يمكن إستخلاصه هو إن ما جرى في البلدان العربية، والذي إبتدأ مخططه بالعراق قبل ثلاثة عقود والمستمر حتى الآن, لا يمكن أن يكون عفوياً، بل إن الأمر في كونه حملة منظمة ودقيقة تقوم بها قوى وجهات معينة تهدف إلى تحطيم الإرث الثقافي والبنيان الإجتماعي والحضاري للأمة العربية، إن من يدفع الأمور بهذا الاتجاه هو على دراية أكيدة بأن هذا التحطيم سينتج عنه بالنهاية شعوب مفككة بلا تاريخ حضاري ولا بناء فكري قومي ولا وجود لأهداف وطنية مشتركة , بل مجرد فئات قبلية او عرقية او دينية متصارعة يقودها زعماء حروب لا يهمهم غير مصالحهم الشخصية، فالقوى المعادية لسورية لا تريد للشعب السوري أن يتطور فكرياً وحضارياً, ولا أن ينتشر فيه التحضر الإجتماعي ولا التقدم العلمي, بل تريده أن يبقى غارقاً في أعماق التخلف والظلام الفكري، فلو قارنا على سبيل المثال بين ما كانت عليه سورية قبل الأزمة حين كانت على وشك أن تغادر قائمة الدول النامية وتدخل قائمة الدول المتقدمة, أو بعد أن كانت قبلة للسواح الأجانب لما تنعم به من تقدم واستقرار وهدوء، لعرفنا المغزى والغاية من هذه الحملة المنظمة التي تجري على بلدنا, ونعي بأن تدمير التراث الثقافي السوري هو بالتأكيد مؤامرة، وهو جزء من مؤامرة كبرى تستهدف كل شيء في المنطقة.
مجملاً… ننظر اليوم بأسى وحزن ونحن نرى ونسمع عن آثارنا وهي تسرق وتهرب وتباع بأبخس الأثمان وبطرق بعيدة عن القيم والأخلاق، فالحرب لم تعد حرباً على سورية الوطن فقط، بل تحولت إلى حرب للنيل من تاريخها وعراقتها، فهم يهدفون إلى تعزيز خلخلة موقع سورية في التصنيف العالمي، فضلاً عن تشويه وتغيير هذا الإرث الحضاري الكبير للشام، وبإختصار شديد إن مدينة تدمر ليست مجرد حجارة… بل هي روح سورية العربية الآرامية الكنعانية …وهي الهوية والشخصية السورية، لذا يجب أن تتكاتف الجهود من أجل حماية هذه المدينة التي تعد أحد أهم وأقدم المواقع الأثرية في الشرق الأوسط من المصير المظلم الذي ينتظرها على يد داعش.
التعليقات مغلقة.