اليمن بين عدوانين / سفيان بنحسن
سفيان بنحسن ( تونس ) الإثنين 2/7/2018 م …
طالما كان الإعتقاد راسخا بأن حرب عبدالناصر في اليمن كانت عبثية غير محسوبة العواقب وأنها إستنرفت الجيش المصري ومهدت للنكسة فإرتدت نتائجها الوخيمة على كل أرجاء الوطن العربي، أما اليوم فعلى كل مناوئي عبدالناصر أن يعترفوا له بقوة البصيرة ويقروا بحاجة اليمن والأمة العربية في هذا الزمن إلى ثائر عربي يقارع السياسات الكولينيالية وبيادقها في أرجاء الوطن العربي ولا يتردد في دخول الساحة اليمنية في سبيل إنعاش ما تبقى من الجمهورية ونفض غبار اللحود القادم من الشمال عليها، والحقيقة التي يدأت تتبلور اليوم أن عبد الناصر بدخوله اليمن كان قد أجل عاصفة الحزم لأكثر من نصف قرن من الزمان وأنه أيضا كان حجرة عثرة أمام أمثال الحوثيين من المطالبين تلميحا أو تصريحا بالخلافة لحكم صنعاء وعدن وحضرموت، وكان يدرك أن بقاء اليمن ضعيفا مستباحا منهكا هي مصلحة سعودية بالدرجة الأولى لمنع اليمن القوي من المطالبة بجازان وعسير ونجران الأراضي اليمنية المحتلة منذ ثلاثينات القرن الماضي.
لم تتوقف السعودية منذ نشأتها عن التدخل في شؤون اليمن، فبعد حربها مع الأدارسة وفرضها لإتفاقية الطائف التي تمكنها من ضم عدد من المناطق الحدودية سنة 1934 عادت مرة أخرى إلى الساحة اليمنية إبان ثورة 62 خشية أن يطالب الضباط الأحرار بإستعادة المناطق المحتلة، وكان بنو سعود في كل ذلك الصراع يعتمدون على دعم علني من الأنجليز الذين يرون في الأسرة السعودية خير جندي لهم في الجزيرة، ومع دخول الجيش المصري سنة 1962 لشد أزر عبدالله السلال وهو قائد الضباط الأحرار إندلعت الحرب بين مصر وضباط اليمن الأحرار من جهة وبين أنصار المملكة المتوكلية من جهة أخرى مدعومين بقوات تحالف غير معلن يجمع السعوديين والبريطانيين وإيران الشاه والكيان الصهيوني الذي إستغل المواجهة لإنهاك الجيش المصري فأنشأ وفق ما ذكره الراحل حسنين هيكل جسرا جويا بين جيبوتي وشمال اليمن لإنزال الذخيرة إلى أنصار المملكة المتوكلية، وكان لكل طرف في هذا التحالف أهدافه التي تدفعه للإندفاع بقوة نحو المعركة فبنو سعود يخشون مطالبة اليمنيين لهم بالولايات الحدودية التي تتبع تاريخيا أرض اليمن والبريطانيون همهم الوحيد الحفاظ على مواقعهم في الجنوب وفي باب المندب وهو الموقع الجغرافي المميز الرابط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر أما الصهاينة فأدركوا أن عقب أخيلهم يكمن في تمدد الفكر الناصري في الجزيرة وفي عموم الوطن العربي والذي يضع أولى أهدافه وأقدسها القضاء على دولتهم المزعومة، والظاهر أن الشاه الإيراني لم يكن يدفعه لدعم الملك اليمني غير التحيز لإبن طائفته الدينية. كانت حرب الثماني سنوات مستعرة الإوار بين التحررية وبين الرجعية وكانت فصلا من فصول عاصفة الحزم نجح عبدالناصر خلالها في طرد ما تبقى من القوات البريطانية وفي فرض نظام جمهوري وإن كان هشا بالكاد يمتلك أسباب الحياة بينما نجح التحالف في إنهاك الجيش المصري وهو رمح الأمة العربية وأملها في معركة فلسطين المرتقبة آنذاك.
اليوم يعود اليمن مجددا إلى مربع الحرب السعودية، لكنه يخوضها هذه المرة من دون ضباط أحرار يدافعون عن قيم الجمهورية وعن السيادة والإستقلال، حرب اليوم بلا أفق وبلا أمل في النصر تدعم فيها السعودية منصور هادي وريث المبادرة الخليجية كما دعمت بالأمس محمد البدر حميد الدين آخر حكام المملكة المتوكلية إعتقادا منها أنه قد يلعب دور الجندي الراعي لمصالحها وييسر لها سبل الوصاية على البلاد ويلعب دور الراعي لمصالحها في باب المندب نقطة إنطلاق النفط السعودي نحو الأسواق العالمية، في حين تدعم إيران ولو بشكل أقل حدة جماعة الحوثي التي ترى أنها قد تكون يدها الطولى جنوب المملكة السعودية، وإختيار السعودية وإيران للساحة اليمنية لتصفية حساباتهما يكشف في بعض أوراقه أنهما تتجنبان التصعيد المباشر فتكتفي كل منهما بالتضحية بعدد من البيادق في رقعة اليمن كقرصة أذن للطرف الآخر ولا ضير أن يطحن الشعب اليمني كما يطحن العشب تحت أقدام الفيلة المتصارعة، كما يكشف أن حالة الفوضى اليمنية هي أهون عند الطرفين من حالة الإستقرار والمناعة فاليمن الجائع الممزق أحب إلى السعودية من اليمن الجمهوري القوي الموحد الذي لا يمكن ضمان إعترافه بالحدود المفروضة سعوديا، واليمن الذي تحكمه القبيلة أقل خطرا على إيران من اليمن المركزي الذي لا يمكن ضمان حياده إذا ما إندلعت المواجهة بين العرب وبين الفرس يوما، وإبقاء اليمن في حالة اللاحرب واللاسلم ربما يخدم مصلحة الطرفين في طهران وفي الرياض وربما ينظر إليه الغرب أيضا بعين الرضى كما عهدنا دوما نظرته إلى الخراب في البلاد العربية.
شعارات التصدي للمد الفارسي التي يرفعها سلمان في الرياض وحليفه زايد في أبو ظبي لا تعدو أن تكون وسيلة لتخدير الشارع المحقون بداء الطائفية منذ لحظة سقوط تمثال ساحة الفردوس في بغداد ورفع علم الإحتلال الأمريكي، ولو صدق الحليفان لجعلا من بغداد قلب المواجهة في التصدي للمد الفارسي الذي لم يكن له أن يخرج من قمقمه لولا تآمر العرب مع الأمريكان على العراق العظيم بوابة الأمة الشرقية وسيفها المسلول، والقيادات الخليجية التي تدعي اليوم توجسا من هذا التمدد هي من أطلقت له العنان بالأمس ليبتلع كل أرض العراق ولو صدقت في مسعاها الجديد والمعلن لأعلنت دعمها لما تبقى من رجال الحكم الوطني العراقي بدل الرهان على منصور هادي وقواته الهشة في اليمن الذي لا نعتقد أنه يحظى بأهمية العراق لدى إيران، والإختيار السعودي على صنعاء لتكون ساحة مواجهة المشروع الإيراني بدل بغداد رغم تجليه في الثانية وضبابيته في الأولى يوحي بأن الحديث عن المد الفارسي ليس سوى قناع سعودي يخفي مطامع إقتصادية تحتم عليها الإستيلاء على مضيق باب المندب وخشية من الدعوة اليمنية لإعادة ترسيم الحدود، أما المد الفارسي فما كان له أن يكون لولا ضياع الجمهورية وإرتفاع أصوات العصبية القبلية والدينية وإنه لمن المضحكات المبكيات أن تدفع الإمارات بقواتها لما تسميه تحرير اليمن من أتباع الفرس في حين ترضخ الجزر الإماراتية الثلاث تحت الإحتلال الإيراني من دون مقاومة عسكرية أو سياسية أو إقتصادية وبينما تطالب الإمارات العرب بخفض العلاقات مع إيران تمتن هي علاقاتها الإقتصادية الضخمة بها فتستحوذ الإمارات على قرابة الثمانين بالمائة من التبادلات التجارية بين إيران وبين دول التعاون الخليجي.
اليمن ضحية جيرة السوء وضحية دول سايكس بيكو وضحية أنظمة الجوار التي زرعتها المخابرات البريطانية قبل أن يكون ضحية الطائفية المقيتة، مطلوب منه أن يكتفي بدور الشرطي الراعي لمصالح الآخرين ويقنع بسياسة التجويع الممارسة ضده ويرضخ للوصاية وطلوب منه أن يكون بلدا بلا سيادة على المعابر والموانئ والحدود، يدفع ضريبة كونه منبت العرب وأصلهم ومادتهم كأن الحرب على هذه الأمة لا تقوم إلا بضرب اليمن في مقتل.
سفيان بنحسن
تونس
التعليقات مغلقة.